تطورت أدمغتنا التي تحتوي على 100 مليار خلية عصبية و100 تريليون اتصال متشابك تشكل كل ما نفكر به ونفعله على امتداد المئة ألف سنة الماضية لتصبح "موضعية وخطية". ونتيجة لذلك، فإننا "نفكر" بطريقة موضعية وخطية، لكننا نعمل ونعيش في عالم ينمو بشكل أُسِّي.
يمكن أن تعني القدرة على التفكير بشكل أُسِّي -أي امتلاك عقلية أُسِّية-الفرق بين النجاح والفشل. ولعل قصة صعود وسقوط شركة كوداك تمثل خير مثال على مدى تكلفة تجاهل التغيير الأُسِّي.
لكن ما هي قصة شركة كوداك، وما الذي يمكننا أن نتعلمه من سقوطها، وكيف يمكننا استخدام بعض الأدوات لتحويل تفكيرنا من الطريقة الخطية إلى الطريقة الأُسِّية؟
اقرأ أيضاً: كيف تساعد استراتيجيات التحول الرقمي الشركات على النمو؟
قصة صعود وسقوط شركة كوداك
بالعودة إلى سنة 1996، كانت شركة كوداك في ذروة نشاطها: حيث فاقت قيمتها السوقية 28 مليار دولار وبلغ عدد موظفيها 140,000 موظفاً وكانت معروفة في جميع أنحاء العالم.
قلة من الناس يعرفون أنه قبل 42 عاماً، أي في عام 1975، اخترع ستيفن ساسون الكاميرا الرقمية في مختبرات كوداك. حصلت كوداك على براءات الاختراع واستفادة كثيراً من ميزة المحرك الأول في السوق. ولكن تلك الكاميرا الرقمية الأولى لم تلتقط سوى صور بدقة 0.01 ميجابكسل واستغرقت 23 ثانية لتسجيل تلك الصورة على وحدة تشغيل الأشرطة، كما أنها لم تلتقط الصور إلا بالأبيض والأسود.
عندما عرض ساسون اكتشافه على مدرائه التنفيذيين، تجاهلوا التطور الفائق للتكنولوجيا وآثارها. وفي سنة 2012، أشهرت شركة كوداك إفلاسها بسبب التكنولوجيا ذاتها التي اخترعتها ثم تجاهلتها لاحقاً. أسمي هذا "لحظة كوداك جديدة".
في العام نفسه، استحوذت شركة فيسبوك على شركة أخرى كانت تعمل في مجال "الحفاظ على ذاكرة الناس" تسمى إنستغرام بقيمة 1 مليار دولار وبموظفين لم يتجاوز عددهم 13 موظفاً فقط. ضحك الكثيرون على هذا الاستحواذ لكونه مبالغاً فيه بشكل كبير، ولكن كل الذين ضحكوا حينها يقفون مذهولين الآن لأن قيمة إنستغرام تفوق حالياً 100 مليار دولار.
لقد رأينا العديد من أمثلة تعطل شركات عديدة مثل شركة كوداك، والأكيد أننا سنرى أمثلة أخرى في المستقبل، إليكم بعضها:
- تعطلت شركة بلوكبستر بسبب نيتفليكس.
- عطلت شركة أوبر شركات تأجير السيارات.
- عطلت شركة إير بي أن بي الفنادق.
- عطلت زوم الأسفار الجوية.
- كما عطلت أمازون… حسناً، لقد عطلت كل شيء تقريباً!
اقرأ أيضاً: أوبر تفقد رخصتها للعمل في لندن
ما هي عقلية استكشاف القمر؟
من المهم امتلاك شيء من عقلية "استكشاف القمر" لأنها ستساعدنا على رؤية العالم عبر عدسة أُسِّية.
دعونا نفحص 4 استراتيجيات تقوم عليها هذه العقلية على وجه الخصوص:
- فكر في "ما ستكون عليه مستقبلًا": إذا كنت تقوم ببناء شركة ناشئة جديدة باستخدام تقنيات أُسِّية، فمن المهم تصميم أعمالك وتوقع أين ستصبح هذه التقنيات خلال 3 أو 4 سنوات وليس كما هي اليوم، وإلا ستصبح التقنية التي ترغب في تسويقها قديمة وتجاوزها الزمن.
- فكر في نمو بعشرة أضعاف: يهدف معظم الناس إلى نمو تدريجي بنسبة 10%، لأنهم سعداء بتكاليف أقل بنسبة 10 % أو أرباح أعلى بنسبة 10%. ولكن المفكرين الأُسِّيين يتساءلون: "كيف يمكنني أن أتقدم بعشرة أضعاف، أي تحقيق أرباح بنسبة زيادة تبلغ (1,000%)؟”. بمجرد أن تسأل نفسك هذا الحجم من الأسئلة، فإن ذلك يجبرك على التفكير بطريقة جديدة.
- تبني التجريب القائم على البيانات:يستخدم رواد الأعمال الأُسِّيون التكرار السريع والتجريب المستند إلى البيانات لتعزيز الحلول الإبداعية للمشكلات التي لم تكن قابلة للحل من قبل.
- رقمنة كل ما تستطيع: بمجرد رقمنة منتج أو خدمة ما، فإنه يقفز إلى عوامل النمو الستة في خريطة الطريق الأُسِّية، وهي إزالة الطابع المادي والمالي ونشر المنتج والخدمة على نطاق واسع (كل شيء متاح للعملاء على هواتفهم).
اقرأ أيضاً: كيف تغير البيانات من واقع التقنية والأعمال الحالي
ربما تعلم أن أمازون بدأت كمتجر لبيع الكتب على الإنترنت. بحلول عام 1997، كانت مبيعات أمازون تحقق 148 مليون دولار من العائدات السنوية. بالنسبة لمعظم الناس، ربما يبدو هذا كثيراً. لكن لم تكن كذلك بالنسبة لجيف بيزوس. ماذا كان هدفه أو عقليته الأُسِّية؟ كان يريد جعل أمازون "نقطة مرجعية لأي شخص لديه أي شيء لبيعه عبر الإنترنت"، كما أشارت مجلة تايم في عام 1999 عندما أطلقوا عليه لقب شخصية العام.
دعونا نتقدم سريعاً من عام 1999 إلى عام 2022، لقد تحولت أمازون إلى نقطة مرجعية فعلاً. في عام 2021، حققت أمازون إيرادات بقيمة 469.82 مليار دولار. لم يهتم بيزوس بما حققه عام 1999 لأن تفكيره ليس خطياً مثل الغالبية. كان يريد إحداث تغيير على نطاق واسع، مع وجود ثلاثة دوافع أساسية وراء هذه الثورة: التفكير طويل المدى، والتركيز على العملاء، والتجريب.
تتيح لنا عقلية استكشاف القمر (العقلية الأُسِّية) تحديد الأهداف الصعبة جذرياً. تحديات مليار شخص هي المنتجات التي تبدو غبية ثم تتحول فجأة إلى منتجات رائدة. المشاريع التي تتطلب الكثير من المخاطر، ولكنها تدر عليك أرباحاً أُسِّية.
تذكر أنه عندما تملك عقلية أسية، ستبحث عن رقمنة أي شيء وكل شيء.