تكنولوجيا عربة ناسا الجوالة المريخية الجديدة المصممة للبحث عن الحياة في الفضاء

3 دقائق
العربة الجوالة بيرسيفيرنس والحوامة الروبوتية إنجنويتي.

لطالما كانت أعمق دوافعنا لاستكشاف المريخ موجهة فعلياً نحو محاولة استجلاء قصة الحياة في نظامنا الشمسي. هل نحن وحيدون في هذا النظام؟ هل كنا وحيدين على الدوام؟ أم أن الحياة على الأرض تتحدر من أصول مريخية؟ الآن، توشك ناسا على إطلاق أكثر بعثاتها طموحاً في محاولة لفك ألغاز هذه الأسئلة، وذلك على شكل عربة جوالة متطورة تدعى بيرسيفيرنس (Perseverance) (وتعني: العزيمة أو المثابرة) بالإضافة إلى خطة لإرسال العينات التي ستجدها إلى الأرض.

انطلقت بيرسيفيرنس مؤخراً من قاعدة سلاح الجو في كايب كانافرال بفلوريدا. وبحلول فبراير، ستنضم إلى أسطول صغير من المسابر السطحية والعربات الجوالة المريخية، التي أدت دراستها لسطح المريخ عن كثب -من أكثر من ناحية- إلى هذه اللحظة. أطلقت ناسا ثلاث عربات جوالة في القرن الواحد والعشرين، وكانت تهدف إلى دراسة إمكانية استضافة الكوكب الأحمر لحياة بيولوجية على سطحه، سواء في الأزمنة الغابرة أو في الزمن الراهن. غير أن هذه البعثات لم تركز على هذه المسألة نفسها بقدر تركيزها على أسئلة تدور في فلكها، مثل دراسة تاريخ المياه على المريخ، وسبر العناصر الأساسية التي ربما أمكنها في حقبة زمنية ما أن تتطور وتؤدي إلى نشوء أشكال الحياة. أما بيرسيفيرنس، فسوف تتعامل مع هذا الموضوع بشكل مباشر، وستبحث عن الحياة في منطقة يُعتقد أنها كانت أكثر مناطق المريخ صلاحية للحياة في الأزمنة الغابرة.

في الدلتا القديمة

ما إن تهبط بيرسيفيرنس على المريخ، ستتجه إلى حفرة جيزيرو التي يبلغ طولها 45 كيلومتراً، وهي حوض بحيرة قديمة تبلغ من العمر 3.8 مليار سنة. كان هناك نهر يصب في الحفرة، وفي منطقة دلتا نهر جيزيرو، توجد الرواسب التي كانت تحمل المكونات العضوية والمواد المعدنية التي يترافق وجودها بوجود أشكال الحياة، والتي يُحتمل إلى حد كبير أن تكون محفوظة داخل الصخور.

ستقوم أداتان مثبتتان على الذراع الروبوتية للعربة الجوالة بتنفيذ معظم أعمال الدراسة المريخية. وهما مطيافان: الأول هو بكسل، الذي يحلّل الأشعة السينية، أما الثاني فهو شيرلوك، الذي يدرس الضوء فوق البنفسجي. سيُستخدم المطيافان لدراسة التركيب الكيميائي للعينات المثيرة للاهتمام، ويأمل الباحثون باكتشاف جزيئات معقدة يمكن أن تشير إلى وجود الحياة، مثل الأحماض الأمينية أو الأحماض الدهنية. يمكن أن يقوم شيرلوك بتطبيق التحليل على صور للعينات من الكاميرا واتسون، وذلك بدقة مكانية تبلغ 100 ميكرون (أي ما يقارب سماكة الشعرة البشرية). يستطيع الباحثون استخدام هذه الصور للبحث عن الأنماط أو التشكيلات التي يمكن أن تشير إلى وجود الحياة.

ولكن، وحتى بوجود هذه المجموعة من أحدث التجهيزات، لن يتمكن الباحثون من الجزم بقدرة بيرسيفيرنس على اكتشاف دلالات الحياة قبل أن تحاول ذلك بشكل عملي. ولكن هذا ليس ضرورياً؛ حيث إن البعثة الجديدة تتضمن أيضاً إرسال 43 عينة هامة إلى الأرض في وقت لاحق من هذا العقد، وذلك في أول محاولة في التاريخ لإرسال عينات من كوكب آخر إلى الأرض. وعلى الأرض، سيجري الباحثون التحليلات المخبرية لكشف أسرار المريخ القديمة بأساليب لم نكن لنحلم بها من قبل.

تجربة التكنولوجيات الجديدة

غير أن بيرسيفيرنس تتحمل عبء الكثير من الأشياء الأخرى... حرفياً؛ حيث تتضمن البعثة 23 كاميرا ستقدم أولى الصور للمسبار المريخي عند دخوله الغلاف الجوي المريخي وهبوطه على سطح الكوكب. ستلتقط الميكروفونات أصوات عملية الهبوط أيضاً، إضافة إلى صوت بيرسيفيرنس وهي تجوب السطح وتحفر الأرض. وبالإضافة إلى المطيافين، تحمل العربة الجوالة أيضاً راداراً يخترق الأرض لسبر التركيب الجيولوجي للمنطقة تحت السطحية، وإجراء عمليات رصد لحالة الطقس.

ستختبر البعثة عدة تكنولوجيات جديدة يمكن أن تدعم عمليات الاستكشاف في المستقبل، سواء على المريخ أو على غيره من العوالم. وعلى سبيل المثال، تتضمن التجربة موكسي محاولة استخلاص الأكسجين النقي من ثنائي أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، حيث يمثل الأكسجين أحد أهم المكونات في دعم الحياة البشرية في البعثات المريخية اللاحقة.

أيضاً، علينا ألا ننسى الحوامة؛ حيث تحمل الحوامة اسم إنجنويتي، وهي حوامة روبوتية خفيفة، ولن تجري أية عمليات علمية هامة، ولكنها قادرة على استطلاع الأهداف حتى تدرسها بيرسيفيرنس لاحقاً. إذا نجحت هذه الحوامة في التحليق عبر الغلاف الجوي المريخي ذي الكثافة المنخفضة، فستمثل خطوة هامة نحو زيادة استخدام الطائرات المسيرة لدراسة العوالم الأخرى، كما في حالة بعثة دراجونفلاي نحو قمر تيتان، التي ستنطلق في 2026.

نظراً للتأخير الكبير في الاتصالات بسبب المسافة الفاصلة بين الأرض والمريخ، فقد شكلت الأتمتة عنصراً هاماً في تصميم العربات الجوالة المريخية منذ البداية، وستشكل بيرسيفيرنس معياراً جديداً في مجال التحكم الذاتي. تعج منطقة جيزيرو بالتضاريس الصخرية الخطرة والأراضي الوعرة، ولهذا، قام فريق بيرسيفيرنس ببناء نظام يسمح للعربة الجوالة بتعديل هبوطها بشكل ذاتي وسريع لتجنب المخاطر. فعند الهبوط، ستتجول العربة في المنطقة بشكل آلي، وعند مواجهة العوائق، ستتخذ العربة ذاتياً قرارَ الاستمرار أو الالتفاف حولها، وتولد أثناء حركتها خريطتها الداخلية الخاصة للمنطقة.

كوكب مكتظ

غير أن ناسا ليست على الإطلاق الوكالة الفضائية الوحيدة التي ستستغل التقارب المداري المقبل بين الأرض والمريخ في أكتوبر، الذي لا يحدث إلا مرة واحدة كل 26 شهراً. فقد أطلقت الإمارات العربية المتحدة مسبار الأمل منذ بضعة أسابيع، وذلك لإجراء دراسة معمقة للطقس والطبقة الأدنى من الغلاف الجوي. كما أطلقت الصين عربتها الجوالة الخاصة بها مؤخراً في إطار بعثة تيانوين-1، وذلك لدراسة توزع الجليد على المريخ، وصلاحيته للحياة عبر التاريخ.

 

المحتوى محمي