دراسة: عدد الإصابات الفعلية بعدوى كورونا قد يكون أضعاف الإصابات المؤكدة

5 دقائق
مصدر الصورة: جاستين سوليفان/ صور جيتي

تتناثر نتائج الدراسات المسحية التي تتتبّع الانتشار الفعلي لفيروس كورونا في كل مكان، إلا أن إحدى الدراسات -التي أجُريت في قلب قطاع التكنولوجيا- تشير إلى أن الفيروس أكثر انتشاراً وأقل فتكاً من الاعتقاد الشائع.

بحثت الدراسة المسحية الجديدة عن وجود أجسام مضادة لكوفيد-19 في دم 3300 شخص من سكان مقاطعة سانتا كلارا، التي تضم مدينة بالو ألتو، حيث تتواجد كبرى شركات رأس المال الاستثماري، ومقر عملاقي التكنولوجيا إنتل وإنفيديا. 

ووفقًا لمؤلفي الدراسة -ومن بينهم جون إيوانديس من جامعة ستانفورد، والمعروف بتشكيكه في البيانات- فإن عدد الإصابات الفعلية بالعدوى في المنطقة يفوق عدد الإصابات المؤكدة بما يزيد عن 50 ضعفاً؛ الأمر الذي قادهم إلى استنتاج أن العامل المُمرض يقتل أقل من 0.2% فقط من المصابين في المنطقة.

ويصف فريق جامعة ستانفورد عملهم بأنه "أول دراسة موسّعة عن التفشي المجتمعي للفيروس في إحدى المقاطعات الأميركية الرئيسية، يتم الانتهاء منها خلال جائحة تتغير بوتيرة متسارعة وباستخدام مجموعات اختبار أُتيحت منذ مدة قريبة".

وينبغي في نهاية المطاف أن تُسفر مثل هذه البيانات المتعلقة بالتفشي عن فكرة شاملة لقدرة هذا الفيروس التنفسي على الفتك بالناس؛ وذلك لأنه كلما زاد عدد الأشخاص الذين تمر إصاباتهم دون ملاحظتها، ثبت في النهاية انخفاض معدل الوفيات.

وتخضع البيانات المأخوذة من دراسات مسح الأجسام المضادة -التي قد تجد حالات لم تظهر عليها أعراض- لمراقبة دقيقة من قِبل أشخاص متلهفين لاستخلاص نتائج متعارضة؛ حيث تقول إحدى المجموعات إنها ستُثبت أن المخاوف من الجائحة مُبالغ فيها، بينما تقول مجموعة أخرى إنه يجب مكافحة الفيروس في كل مكان.

ويصف نيكولاس كريستاكيس، الطبيب وعالم الاجتماع بجامعة ييل، هذا الجهد بأنه "دراسة أجريت بشكل جيد للغاية، تحتوي على معلومات قيمة جداً تتكامل مع البيانات الأخرى الواردة". ويضيف: "إن معدل التفشي أقل مما كنت أعتقد، إلا أن هذه أيضاً أخبار سيئة؛ إذ تعني أن العامل المُمرض لا يزال لديه فرصة أكبر بكثير في المنطقة".

قلب وادي السيليكون

قام الفريق بتجنيد متطوعين من خلال إعلانات نشرها على موقع فيسبوك؛ حيث تم سحب الدم من أصابعهم في إحدى محطات إجراء الاختبار أثناء القيادة، وأجريت الاختبارات في الأسبوع الأول من شهر أبريل. ووجد الباحثون أن الجهاز المناعي لـ 1.5% منهم قد أنتج أجساماً مضادة للفيروس، مما يعني أنهم أصيبوا بالعدوى في وقت ما، حتى لو لم تظهر عليهم أعراض.

وأخذاً في الاعتبار أن الاختبارات لا تفلح في كل مرة (يمكن أن تعطي نتائج سلبية خاطئة) ومع تصحيح أوجه التحيز في اختيار الأشخاص الذين أُجريت عليهم الدراسة المسحية، قدر الفريق أن ما بين 2.5% و4.2% من السكان أصيبوا بالعدوى بالفعل، أي ما يصل إلى 83 ألف شخص في مقاطعة يبلغ عدد سكانها مليوني شخص.

ونظراً لأن مقاطعة سانتا كلارا لم تسجل سوى 950 حالة مؤكدة في ذلك الوقت، فقد أوضح هذا الأمر للباحثين أن عدد المصابين بالعدوى بالفعل يتراوح ما بين 50 إلى 85 ضعف عدد المصابين وفقاً للإحصاءات الرسمية، وهي ظاهرة تسمى "معدل عدم التحقق".

إعلان نُشر على موقع فيسبوك في شهر أبريل، مُوجه لسكان مقاطعة سانتا كلارا، يطلب متطوعين لإجراء اختبار دم للكشف عن كوفيد-19.

وكتب مؤلفو الدراسة، التي قادها طبيب الصحة السكانية إران بندافيد، والباحثة في مجال الصحة العامة بيانكا مولاني: "إن الانتشار المجتمعي للأجسام المضادة لفيروس كورونا المرتبط بالمتلازمة التنفسية الحادة الشديدة من النوع الثاني (المعروف اختصاراً باسم سارس-كوف-2) في مقاطعة سانتا كلارا يعني أن العدوى أوسع انتشاراً بكثير مما تشير إليه أعداد الحالات المؤكدة".

وتروي لنا البيانات حكاية فيروس كورونا الذي يجتاح قلب دولة التكنولوجيا في الغالب دون أن يتم تشخصيه؛ وذلك لأن الناس إما لم تظهر عليهم أعراض، أو لم يزوروا طبيباً، أو لم يتمكنوا من إجراء اختبار، أو لم يمرضوا بعد. وقد سُجلت أول حالة في المنطقة في 31 يناير الماضي.

وكان إيوانديس، خبير الإحصاء الطبي بجامعة ستانفورد والمؤلف المشارك في التقرير الجديد، قد أثار جدلاً في شهر مارس الماضي، بعدما أشار إلى أن الفيروس قد يكون أقل فتكاً مما يعتقده الناس، وأن تدمير الاقتصاد في إطار الجهود الرامية إلى مكافحته قد يُعد "فشلاً ذريعاً".

ويقول المؤلفون إن بياناتهم تساعد على إثبات النقطة الأولى على الأقل: إذا كانت الإصابات غير المكتشفة تنتشر على نطاق واسع كما يعتقدون، فإن معدل الوفيات في المقاطعة قد يكون أقل من 0.2%، أي ما بين خُمس إلى عُشر التقديرات الأخرى.

وتظهر لوحة المعلومات الخاصة بكوفيد-19 في مقاطعة سانتا كلارا وجود 1833 حالة إصابة مؤكدة و69 حالة وفاة حتى اليوم.

يظهر موقع كوفيد-19 التابع لمقاطعة سانتا كلارا وجود 1833 حالة إصابة و69 حالة وفاة حتى يوم 17 أبريل 2020، إلا أن العدد الحقيقي للإصابات قد يكون أكبر بكثير.

وتماثل الأرقام الواردة من سانتا كلارا تقريباً معدل الأجسام المضادة -أو "الانقلاب المَصْلي"- في مدينة ووهان الصينية، التي ذكر تقرير أوردته صحيفة وول ستريت جورنال أن المعدل فيها بلغ 2.5% من بين 8 آلاف عامل وزائر لأحد المستشفيات. وهذا يعني وجود خمسة أضعاف عدد المصابين الذين تم الإبلاغ رسمياً عن إصابتهم في ووهان، التي شهدت جهوداً هائلة للكشف عن المرض واحتوائه.

محاذير عديدة

تحذر مجموعة ستانفورد من أن نتائجهم تعتمد على دقة اختبارات الأجسام المضادة، وهو أمر غير مضمون. ويقول المؤلفون إنه إذا كان الاختبار الذي استخدموه أقل دقة مما يعتقدون، فقد يؤثر ذلك بشدة على نتائجهم أو حتى يلغيها. ولكي يتمكن الأشخاص من الاستجابة إلى الإعلان الذي نشروه، كان يجب أن يكون لديهم حسابٌ على موقع فيسبوك، وأن يمتلكوا سيارة. وإذا كانوا يحاولون إجراء الاختبار، فربما لأنهم كانوا أكثر عرضة من المتوسط للإصابة بأعراض كوفيد-19، وهو أمر ربما أدى إلى تضخم النتائج. علاوة على ذلك، انحرفت مجموعة المتطوعين نحو تمثيل أكبر للنساء، بينما ضمت أقل من 10% من ذوي الأصول الإسبانية، على الرغم من أن هذه الإثنية تمثل أكثر من 30% من حالات الإصابة المعروفة في سانتا كلارا.

من الصعب أيضاً أن نُعمّم نتائج سانتا كلارا -التي تُعد أحد أكثر مقاطعات كاليفورنيا ثراءً- على بقية أنحاء البلاد. وما نعرفه هو أن الفيروس ينتشر على نحو غير متساو؛ فمدينة نيويورك تضررت بشدة، كما تضررت أيضاً الفئات الضعيفة كالمشردين والمقيمين في دور رعاية المسنين والسجناء، الذين يعيشون جميعاً في أوضاع تمنح الفيروس فرصة للانطلاق.

على سبيل المثال، قرر اثنان من أقسام الولادة بإحدى مستشفيات مانهاتن في نيويورك إجراء اختبار على كل امرأة تأتي للولادة، ومثلت الأمهات الحوامل البالغ عددهن 215 أماً ما يشبه عينة عشوائية. ووجد الباحثون أن 15% من الأمهات الحوامل مصابات بالعدوى، على الرغم من عدم ظهور أعراض على العديد منهن وقت إجراء الاختبارات. واستخدم الباحثون الفحوص الجينية، التي تعتبر الطريقة الأكثر دقة لاكتشاف الإصابات الحالية، إلا أنها لا تكتشف أولئك الذين تعافوا بالفعل.

كما أجرى أيضاً ملجأ للمشردين في مدينة بوسطن اختباراً على 408 مقيماً، باستخدام الفحوص الجينية، ووجد أن العدوى كانت متفشية هناك، حيث جاءت نتيجة أكثر من 35% منهم إيجابية

في هذه الأثناء، وجد الباحثون في أيسلندا أن معدل الإصابة الحالية بين سكان البلاد عموماً يبلغ أقل من 1%، وذلك باستخدام الفحوص الجينية أيضاً.

وإجمالاً، فإن هناك أكثر من 30 ألف حالة وفاة بكوفيد-19 في الولايات المتحدة، وهو أكثر من العدد في أي دولة أخرى، لذلك فمن الصعب أن تجد أخباراً جيدة في الدراسات المسحية، حتى وإن كنت تبحث عنها. وإذا كانت الدراسة التي أُجريت في سانتا كلارا دقيقة وكان معدل الوفيات أقل مما يعتقد الكثيرون، فسيستمر كوفيد-19 في تكديس الجثث بشكل مروع إذا انتقل إلى بقية السكان، وهو ما يفسر تدابير البقاء في المنزل الاستثنائية المعمول بها في معظم أنحاء البلاد منذ شهر مارس الماضي.

المحتوى محمي