الطريق الأخضر للهندسة الوراثية: آفاق تعزيز الأمان والأمن الغذائي في المملكة العربية السعودية

4 دقائق
الطريق الأخضر للهندسة الوراثية: آفاق تعزيز الأمان والأمن الغذائي في المملكة العربية السعودية
حقوق الصورة: shutterstock.com/ metamorworks

الهندسة الوراثية والغذاء الوظيفي لتحسين الصحة

حينما نتحدث عن الغذاء وجودة إنتاجه، تتشكل صورة لمسطحات خضراء ومزارع ومراعٍ لثروات حيوانية ممتدة في مخيلة القارئ. ليس هذا فحسب، بل رحلة صنع الغذاء، والتي تبدأ جوهرياً من منتج زراعي ذي جودة قابلة للاستهلاك الآدمي من حيث محتواه من العناصر الغذائية الأساسية، وخلوه من المتبقيات السامة (كالمبيدات) والملوثات البيئية التي تهدد الصحة والحياة.

ومع تطور العلم، أوجدت التقنية الحيوية عبر الهندسة الجينية منذ مطلع القرن الـ21، أساليب لتطوير المنتجات الزراعية عبر رفع القيمة الغذائية للمنتج أو إضافة عناصر غذائية لها دور وظيفي لصحة البشر. ومن أمثلة المنتجات الزراعية التي تستهدف مجابهة العوز الغذائي لفيتامين أ ،   الأرز الذهبي والذي تم إنتاجه من خلال التحسين الجيني للأرز وتطوير سلالتين منه في عام 2000 وعام 2005، حيث تم إنتاج الأرز الذهبي عن طريق تعديل الأرز بجينات التصنيع الحيوي للبيتا كاروتين وهما:

اقرأ أيضاً: الحيلة الجديدة من كريسبر: إزالة الألم بالتعديل الجيني

وعلى الرغم من أن الفريق البحثي بدأ بزراعة الأرز الذهبي في مزارع تجريبية منذ عام 2004، بهدف مساعدة الأطفال في الدول النامية الذين يعانون من نقص فيتامين أ، ما يتسبب في وفيات سنوية تصل إلى 2.5 مليون، فإنه لم يحصل على الاعتماد والمصادقة على سلامته للاستهلاك من الولايات المتحدة الأميركية وكندا، إلا في عام 2018.  

لذا، دخلت الهندسة الوراثية للغذاء حيز التنفيذ للمساهمة في تأمين حلول لمشكلات الدول الفقيرة، مثل الوفيات الناجمة عن قلة كمية الغذاء أو النقص في توافر بعض العناصر الغذائية، أكثر من مساهمتها بإيجاد حلول لمشكلات الدول المتقدمة والنامية.

ولكن التغيرات الكبيرة في العالم أصبحت أسرع حتى المستوى التنظيمي وإجراءات الاعتماد. حيث تم مؤخراً، اعتماد سلامة الطماطم الأرجوانية المعدّلة وراثياً لرفع محتواها من مضادات الأكسدة، في كل من الولايات المتحدة الأميركية  وكندا.  وتستهدف الطماطم الأرجوانية المعززة بمضادات الأكسدة عبر التعديل الوراثي، التخفيف من حدة الأمراض المزمنة والتي تعتبر مشكلة عالمية وليست محدودة في نطاق دولي. فعبر النظام الغذائي الذي يحتوي على مكونات محسّنة لرفع المناعة ومقاومة الأمراض، يمكن منع أو تخفيف حدة الأمراض المزمنة. 

وبالتالي قد يكون الجيل القادم من المحاصيل الزراعية المهندسة وراثياً، موجهاً لحل المشكلات العالمية على المستوى الاقتصادي والصحي والبيئي دون قيود جغرافية.

اقرأ أيضاً: إلى أي حد كانت هناك نقاط مشتركة بين المخاوف التي أثارها فيلم جاتاكا وواقع الهندسة الوراثية؟

الهندسة الوراثية للغذاء في المملكة العربية السعودية 

قادت المملكة العربية السعودية التغيير في المنطقة منذ 2001 لتكون أول من يصدر لوائح التقنية الحيوية النباتية من خلال اللجنة الوطنية للسلامة الإحيائية في مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية. حيث سمحت المملكة العربية السعودية رسمياً باستيراد منتجات النباتات المعدّلة وراثياً والمنتجات الغذائية الميكروبية منذ عام 2001، بشرط أن تكون معتمدة في بلد المنشأ للاستهلاك البشري أو الحيواني. بالإضافة إلى وضع ملصق باللغة العربية يصرح (معدّل وراثياً) إذا كان محتوى التعديل الجيني يزيد في نسبته على 1% للمادة الوراثية للمنتج.

وتبعت نهج السعودية في تنظيم التعديل الوراثي للغذاء، الدول الأعضاء لهيئة التقييس لمجلس التعاون لدول الخليج العربية الأخرى (البحرين والكويت وعمان وقطر والإمارات العربية المتحدة واليمن)، حيث أصدرت المتطلبات العامة لـ (المنتجات الزراعية المعدّلة وراثياً غير المصنّعة). ومنذ عام 2011 تحظر لوائح هيئة التقييس الخليجية استيراد المواد المعدّلة وراثياً سواء الحيوانات والطيور والأسماك ومنتجاتها. وفي 2018 أقرت الحكومة السعودية نظام التعامل مع الموارد الوراثية النباتية للأغذية والزراعة

اقرأ أيضاً: يسعى المزارعون إلى نشر محرّك جيني قوي من أجل قتل الذباب

وتبع ذلك انضمام السعودية لبروتوكول ناغويا بشأن الحصول على الموارد الجينية والتقاسم العادل والمنصف للمنافع الناشئة عن استخدامها في 2019. كما أصدرت هيئة الغذاء والدواء السعودية الوثيقة الخاصة بالمتطلبات العامة للأغذية المستحدثة.

وعلى الرغم من أن المملكة العربية السعودية قد تبنت لوائح تسمح باستيراد البذور المعدّلة وراثياً للأعلاف، فإن المزارعين السعوديين لم يظهروا اهتماماً باستيراد أو زراعة بذور معدّلة وراثياً.  وحتى اليوم لا يوجد تصريح عن بذور لمحاصيل زراعية مهندسة وراثياً تنمو في المزارع السعودية، لكن وسائل الانتخاب الطبيعي للسلالات النباتية والحيوانية ما زالت قائمة دون تدخل تجريبي في هندسة الجينات لأصول الغذاء النباتي أو الحيواني.

وما زالت معظم مراكز الأبحاث في السعودية في طور الاستكشاف الجيني والتصنيف الوراثي. حيث تركز الأبحاث على دراسة التنوع الجيني بين المحاصيل الزراعية أو تصنيف النباتات البرية. كما تنشط أبحاث تعيين البصمة الوراثية لبعض السلالات النباتية عبر الواسمات الجزيئية أو اكتشاف مسببات الأمراض الميكروبية التي تصيب المحاصيل الزراعية. وعبر تأسيس بنك الأصول الوراثية بالمركز الوطني لبحوث الزراعة والثروة الحيوانية منذ 2012، والذي يتبع وزارة البيئة والمياه والزراعة السعودية، تم إيداع المادة الوراثية للعديد من المنتجات الزراعية ذات المنشأ المحلي. 

وتساهم الأبحاث الاستكشافية في التمهيد لمستقبل أفضل عبر تبني طرق التعديل الوراثي لمكافحة مسببات المرض، من خلال تعديل الحشرات جينياً لتصبح منيعة ضد نقل الأمراض للمحاصيل، أو اكتشاف الجينات ذات الأهمية في مقاومة التغيرات البيئية، دون المساس بالمكون الجيني للمحاصيل الزراعية في الوقت الحالي، حيث تم تحديد الجينات المرتبطة بتحمل الجفاف لثلاثة أنواع من نخيل التمور السعودية: الخلاص والرزيز والشيش في مركز التميز البحثي في النخيل والتمور، في جامعة الملك فيصل. كما تم في جامعة الطائف، تطوير سلالات لبعض المحاصيل الغذائية لتتحمل الملوحة مثل نبات الكانولا والطماطم للزراعة في السعودية.  

اقرأ أيضاً: هل يمكن أن تساعد المحاصيل الزراعية المعدلة بتقنية كريسبر في احتجاز الكربون؟

استشراف المستقبل

تتطلب التحديات في الوضع الراهن حلولاً غير تقليدية، وهناك إمكانات بشرية وبحثية كبيرة لسبر أغوار المستقبل بحلول غير تقليدية، فعبر الهندسة الوراثية يمكن المساهمة في تحقيق مستهدفات ومشاريع الرؤية الوطنية 2030 مثل مبادرة السعودية الخضراء والتي ستزيد بدورها من أنسنة المدن ورفع جودة الحياة. فعبر زراعة 10 مليارات شجرة وإعادة تأهيل 40 مليون هكتار من الأراضي، ستتضاعف مساحة المسطحات الخضراء، ويمكن أن تؤدي الهندسة الوراثية دوراً أساسياً في تحقيق أهداف المبادرات الوطنية، عبر نباتات محسّنة وراثياً لمقاومة الجفاف وتحمل الملوحة أو الحرارة العالية. كما يمكن مواجهة مشكلات نقص المياه وقصور الناتج المحلي من الأعلاف الحيوانية، والتي تتم مواجهتها باستيراد ما يقرب من 80% من متطلبات الاستهلاك المحلي من الولايات المتحدة والتي تنتجها بالهندسة الوراثية. 

اقرأ أيضاً: ما هي التحديات التي تواجه السعودية في تحويل مدنها إلى مدن ذكية؟

ومع هذا الاحتياج المتصاعد للغذاء والظروف غير التقليدية البيئية، قد يكون الحل تنظيمياً عبر مركز وطني للهندسة الوراثية تشرف عليه هيئة تنمية البحث والتطوير والابتكار بحيث تنظم وتمول المشاريع البحثية التي تستهدف إنتاج سلالات نباتية محسّنة وراثياً وتتم مراقبة خطة إنتاجها من قبل المختبر وتسجيلها في الهيئة السعودية للملكية الفكرية ومتابعتها حتى الوصول الآمن للمستهلك النهائي. 

المحتوى محمي