كيف ستشكل الطائرات المُسيَّرة السلاح المستقبلي للبحرية الأميركية؟

6 دقائق
الطائرات المُسيَّرة: سلاح البحرية الأميركية المستقبلي
مصدر الصورة: ستيفاني أرنيت/ ميتر

كشفت وثائق أن البحرية الأميركية تعمل على إيجاد طرق لتصميم الآلاف من الطائرات المُسيَّرة ونشرها والتحكم بها، بحيث تكون قادرة على التجمّع معاً بأعدادٍ هائلة لإضعاف الدفاعات المضادة للطائرات.

أثبت الصراع في أوكرانيا قيمة الطائرات المُسيَّرة الصغيرة، بما في ذلك الطائرات المروحية الرباعية، التي نفذت عمليات استطلاع وقصف مدفعي موجّه كما قامت بتدمير الدبابات. تُعتبر هذه الطائرات محدودة حالياً، لأن كل واحدة منها تحتاج إلى مشغّلٍ خاص بها. ومع ذلك، يتم التحكم في مئات أو آلاف الطائرات المُسيَّرة في السّرب كوحدة متكاملة. 

يقول زميل السياسة في كلية شار للسياسة والحكومة بجامعة جورج ميسون، زاكاري كالينبورن: "تكمن أهمية أسراب الطائرات المُسيَّرة في إمكانية استخدامها في أي مهمة تقريباً". 

اقرأ أيضاً: التواصل بين الطائرات المسيرة: الآفاق ومجالات التطوير

تعمل العديد من الدول على تطوير مثل هذه الأسراب، بما في ذلك الصين وروسيا والهند والمملكة المتحدة وتركيا وغيرها، التي أصبحت في عام 2021 أول من يستخدم أسراب الطائرات المُسيَّرة في العمليات القتالية. لطالما كانت البحرية الأميركية رائدة في هذا المجال، وعلى الرغم من أنها لم تستجب لطلبات من أجل مناقشة عملها، فإن وثائق الميزانية التي اطّلعت عليها إم آي تي تكنولوجي ريفيو تكشف عن خطط طموحة لإنتاج أسراب كبيرة لم يسبق لها مثيل. حيث تحتوي مئات الصفحات من تلك الوثائق على تفاصيل العديد من المشاريع، التي تشمل قوارب وغواصات ومركبات جوية بدون طيار. 

وتندرج جميعها في إطار مشروع يسمى سوبر سوارم (Super Swarm).

مثل أسراب الطيور

ربما تكون قد شاهدت عروضاً ضوئية للطائرات المُسيَّرة، حيث تحلّق المئات أو الآلاف منها بتناغمٍ مثالي. هذه ليست أسراباً، إذ تحلّق كل طائرة في مسارٍ مصمم ومُحدد مسبقاً. لا تدرك الطائرات المُسيَّرة الفردية محيطها أو بعضها بعضاً، على عكس الطائرات المُسيَّرة التي تحلّق معاً كسربٍ من الطيور، وتدرك محيطها، ومدى قربها من بعضها، وتستخدم الخوارزميات لتجنب الحواجز بينما لا تعترض طريق بعضها بعضاً. تستخدم الإصدارات الأكثر تقدماً الذكاء الاصطناعي لتنسيق الإجراءات الخاصة بمهام معينة مثل الانتشار من أجل البحث في منطقة أو تنفيذ هجوم متزامن.

وقد حققت البحرية الأميركية بالفعل تقدماً كبيراً في هذا المجال. حيث عرضت في عام 2017 سرباً مؤلفاً من 30 طائرة مُسيّرة تحلق معاً. تكمن الفكرة في أن هذه الطائرات تحمل رؤوساً حربية متفجرة لتنفيذ هجمات انتحارية، ما يجعلها صواريخ كروز مصغرة. وقد استخدمت روسيا مؤخراً نفس الأسلوب في حربها مع أوكرانيا. يندرج هذا المشروع، الذي أطلق عليه اسم لوكست (LOCUST) (تقنية أسراب الطائرات المُسيَّرة منخفضة التكلفة)، في إطار المهمة الأكبر لمشروع سوبر سوارم (Super Swarm).

في أبريل من العام الماضي، نفّذ سرب من الطائرات المُسيَّرة التابعة للقوات البحرية هجوماً على سفينة في مناورات حربية للمرة الأولى. وأشار كالينبورن إلى أن هذه الطائرات ستحمل فقط بضعة أرطال من المتفجرات لكلٍّ منها في المهمات الحقيقية، مقارنة بالرأس الحربي الذي يبلغ وزنه 488 رطلاً والمركّب على صاروخ هاربون المضاد للسفن. هذا يعني أنه سيتم استخدام هذه الطائرات والاستفادة من دقتها العالية بطرق مختلفة. 

اقرأ أيضاً: داربا تختبر طائراتٍ مسيرة يمكن إطلاقها واستعادتها من طائرة في الجو

يقول كالينبورن: "يمكن أن يهاجم سرب طائرات مُسيّرة من زوايا متعددة، بهدف إلحاق الضرر بالأنظمة الحيوية أو تدميرها، مثل هوائيات الرادار، والمدافع المركّبة على سطح السفينة، وأنظمة الأسلحة". 

وتتضمن خطط البحرية في وثيقة الميزانية أسراباً تُطلق من السفن والغواصات والطائرات والمركبات الأرضية، فيما يُسمى "العمليات متعددة المجالات". كما ستحتوي الطائرات المُسيّرة على مجموعة متنوعة من الحمولات، فقد يحمل بعضها أجهزة استشعار، أو أجهزة تشويش أو غيرها من معدات الحرب الإلكترونية، فيما يحتوي البعض الآخر على رؤوس حربية.  لكن لا تزال هذه الأسراب تعاني من مشكلة النطاق المحدود. على سبيل المثال، يمكن لطائرة ريثيون كويوت (Raytheon Coyote)، التي تُستخدم في برنامج لوكست (LOCUST)، ويبلغ وزنها 13 رطلاً، أن تقطع رحلة بحرية لمدة ساعتين فقط بسرعة 50 ميلاً في الساعة، وهذا يعني أنها تحتاج إلى من يوصلها.

كما يسعى مشروع ديلرز (DEALRS) (لنشر أنظمة ذاتية بعيدة المدى وتوظيفها)، إلى التغلب على هذه المشكلة. أحد جوانب هذا المشروع هو العمل على ما يسمى بالأنظمة الجرابية أو السفن الأم، وهي طائرات كبيرة الحجم، تحمل عدة طائرات مُسيّرة أصغر. وقد عرضت شركتان لصناعة الطائرات المُسيَّرة في الولايات المتحدة، وهما كريتوز (Kratos) وجينيرال أتوميكس (General Atomics)، طائرات مُسيّرة كبيرة، تطلق طائرات أصغر حجماً. لكن هذه الطائرات تتضمن طائرة مُسيّرة واحدة أو اثنتين فقط، بينما يهدف المشروع إلى نقل وإطلاق أعداد كبيرة للغاية من الطائرات المُسيَّرة الصغيرة دون تدخل العنصر البشري. 

يسعى مشروع فرعي آخر من مشاريع سوبر سوارم (Super Swarm) إلى التغلب على مشكلة أساسية تتعلق بالمعدات العسكرية، وهي التكلفة. حيث يدفع الجيش الأميركي نحو 49.000 دولار لكلٍّ من طائراته المُسيَّرة الصغيرة المحمولة، والمعروفة باسم أنظمة الطائرات المحمولة بدون طيار، روك ساك (Rucksack). ويجب أن تكون أسعار الطائرات المستهلكة بدون طيار أقل تكلفة حتى يتم نشرها بأعداد كبيرة. كما يستخدم مشروع يسمى ماس (MASS)، "لتصنيع الأنظمة الذاتية على نطاق واسع"، الطباعة ثلاثية الأبعاد وأدوات التصميم الرقمي لإنشاء طائرات بدون طيار منخفضة التكلفة وبأعداد كبيرة. الهدف من ذلك هو الحصول على تصميم يمكن تعديله حسب الرغبة، لتحويل الطائرات المُسيّرة المحسّنة واستخدامها في أغراض مختلفة على نفس خط الإنتاج، كزيادة السرعة أو التحمل أو التخفي أو الحمولة.

وفقاً لوثائق الميزانية، سيقوم المشروع بتصنيع طائرات مُسيّرة "عائمة لأبعد مدى ممكن"، ما يشير إلى إنتاجها على متن السفن التابعة للبحرية. إن الهدف المعلن هو إطلاق عشرات الآلاف من الطائرات المُسيّرة.

اقرأ أيضاً: شركة وينج للطائرات المسيرة تحوز على الترخيص لتبدأ في عمليات توصيل الطرود

التحكم والقيادة

تريد قوات البحرية أيضاً نظام تحكم أكثر تطوراً. يتضمن مشروع سوبر سوارم (Super Swarm) بالفعل تخطيطاً تعاونياً وتخصيصاً لمهام أعضاء السرب، كما يهدف مشروع فرعي آخر، يُعرف باسم ماتيس (MATes)، (الفرق المزودة بطيّار والفرق ذاتية القيادة)، إلى تسهيل عمل البشر والأسراب معاً ومنح السرب مزيداً من الاستقلالية. 

قد ينخفض ​​عرض نطاق الاتصالات الترددي المتاح للمشغل أثناء المهمة، نتيجة التشويش المتعمَّد، فيسمح المشروع للسرب أن يأخذ زمام المبادرة تلقائياً عندما يتعذر عليه الحصول على أوامر من المشغّل. كما يقوم المشروع أيضاً باستخدام المعلومات التي جمعها السرب في عملية صنع القرار، فقد تقوم الطائرات بتغيير مسارها عندما تكتشف تهديدات جديدة، أو ترسل طائرات مُسيّرة للتحقيق في هدف تم تحديده مؤخراً. سيكون هذا بمثابة تحدٍّ للذكاء الاصطناعي.

يقول كالينبورن: "آلاف الطائرات المُسيّرة ذاتية القيادة تعني آلاف نقاط الإبلاغ عن الأخطاء". "ستساعد النمذجة والمحاكاة في تقليل احتمالية حدوث خطأ، لكن حصر الصعوبات الكثيرة في الواقع أمر صعب". 

الموجة الأولى

إذا اجتمعت جميع مشاريع سوبر سوارم (Super Swarm) معاً، فستكون القوات البحرية الأميركية قادرة على إطلاق أسراب ضخمة للسفر لمسافات طويلة، وتنفيذ عمليات استطلاع مفصّلة على مساحات واسعة، والعثور على الأهداف ومهاجمتها. دمرت الطائرات المُسيّرة الأوكرانية أكثر من 100 عربة روسية مصفّحة، ما يعني أن سرباً من ألف طائرة مُسيّرة قد يقضي على كتيبة كاملة في غارة واحدة. كما يمكن توجيه طائرات مُسيّرة إضافية ضد هدف نجا من الهجوم الأول، وتقديم صور مفصّلة للنتائج.

تشير وثائق الميزانية إلى أن هذه الأسراب تُعتبر رداً على أحد أكبر المشاكل التي يواجهها الجيش الأميركي: "منع الوصول/ إغلاق المنطقة" (أيه 2/ أيه دي)، المصطلحات العسكرية للمناطق التي تغطيها صواريخ أرض- جو المتقدمة والصواريخ المضادة للسفن، التي تحول دون وصول القوات الأميركية. 

يمكن للأسراب اختراق أقوى الدفاعات الموجودة؛ قد يتم إسقاط العشرات أو المئات من الطائرات المُسيّرة، ولكن آلاف الطائرات الأخرى ستنجح بالوصول إلى هدفها، مع الذخيرة الكافية لتدمير رادار الدفاع الجوي والدفاعات الأخرى. وهذا من شأنه أن يمهّد الطريق لشن هجمات بصواريخ كروز والطائرات المأهولة (بطيارين) وغيرها من الأسلحة التقليدية.

اقرأ أيضاً: تكرار للحظة انتصار الحاسوب ديب بلو: سباق للطائرات المسيرة ذاتية التحليق

يقول المحلل الاستراتيجي في مركز أبحاث نيو أميركا (New America)، بيتر دبليو سينجر، والخبير في حرب الطائرات بدون طيار: إن مشروع سوبر سوارم (Super Swarm) يواجه تحديات رهيبة، وبشكل خاص من ناحية تطوير التنسيق لما هو أبعد من حركات الصيد البسيطة كمجموعة واحدة، ولكن يبدو أنه يمكن التغلب على هذه المشكلات. 

يقول سينجر: "لا يُعد الأمر أكثر صعوبة من فكرة تحليق طائرة على ظهر سفينة، أو تنسيق تحركات مئات الطائرات المأهولة".

يمكن أن يقوم السرب بجميع أنواع المهام الأخرى، من الاستطلاع وجمع المعلومات الاستخبارية إلى الحرب الإلكترونية وتسليم الإمدادات. كما يشير سينجر إلى إمكانية عمل السرب جنباً إلى جنب مع أنظمة الطائرات المأهولة.

يقول: "تماماً كما تتصور شركة أمازون عالماً من الشاحنات الآلية ذات 18 عجلة لطائرات التوصيل المُسيّرة الكبيرة والصغيرة، فسنرى على الأرجح الشيء نفسه على الصعيد العسكري".

يقول كالينبورن إن مشروع سوبر سوارم (Super Swarm) لن يكون بالضرورة هو المنتصر بالحرب، لأن الباحثين العسكريين يعملون بالفعل على طرق للتصدي للأسراب.

ويضيف: "كل سلاح له مضاد، السؤال هو ما مدى موثوقية وفعالية هذه المضادات". 

اقرأ أيضاً: إضافة جديدة للطائرات المُسيَّرة تجعلها تستطيع أن تقطع مسافات أكبر

يتابع: قد يستغرق الأمر بعض الوقت لتطوير ونشر مثل هذه التدابير المضادة، التي قد تشمل الليزر، أو الأسلحة التي تعمل بالموجات الدقيقة، أو أسراب الاعتراض. يشير سينجر أيضاً إلى أن العديد من المضادات هي قيد التطوير، لكنه يرى أن وصول مشروع سوبر سوارم (Super Swarm) أو ما يشبهه هو أمر لا مفر منه.

ويردف قائلاً: "إن أي شخص يُشكّك في ظهور أسراب الطائرات المُسيّرة في المعارك المستقبلية، عليه أن يتذكر كيف كانت الغواصة أو الدبابة أو الطائرة مجرد خيال علمي في الماضي". "فهو لا يتجاهل فقط ما نراه في حروب كالتي تدور رحاها في أوكرانيا، ولكن أيضاً ما تعمل عليه الجيوش والشركات في جميع أنحاء العالم في الوقت الحالي".

المحتوى محمي