كيف يؤثّر تبني التكنولوجيا في صناعة الترفيه بالشرق الأوسط؟

4 دقيقة
كيف يؤثّر تبني التكنولوجيا في صناعة الترفيه بالشرق الأوسط؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/Roman Kosolapov

تشهد صناعة الترفيه في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، التي بلغت قيمتها 41.13 مليار دولار عام 2024 بمعدل نمو سنوي مركب 9.41%، تبدّلات جذرية، وهذا بفضل الابتكارات التكنولوجية السريعة. 

تؤدي هذه التطورات إلى تغيير طريقة إنشاء المحتوى وتوزيعه واستهلاكه، بدءاً من خدمات البث عبر الإنترنت مثل نيتفليكس وشاهد، إلى دمج الواقع المعزز (AR) والواقع الافتراضي (VR) في المتنزهات الترفيهية. تُلبي منصات مثل "جوّي TV" Jawwy TV و"دوري بلس" Dawri Plus احتياجات المستخدمين الضليعين في مجال التكنولوجيات الرقمية، حيث تقدّم لهم تجارب غامرة عبر أجهزة مختلفة.

كما تسام التكنولوجيات أيضاً في إعادة تشكيل الطريقة التي نجرب بها الفن والثقافة في المنطقة.

 توفّر منصات مثل جوجل للفنون والثقافة Google Arts & Culture جولات افتراضية وصوراً عالية الدقة للأعمال الفنية من المتاحف في أنحاء العالم كافة، لتُتيح بذلك الاطلاع على الفن أكثر من السابق. ومن المتوقع أن يؤدي تطوير تكنولوجيا الجيل الخامس 5G في المستقبل إلى تعزيز هذه التجارب بشكلٍ أكبر، من خلال جولات افتراضية أكثر جودة وتركيبات فنية رقمية أكثر تفاعلية.

في جوهرها، تحسّن التكنولوجيات تجارب المستهلكين وتفتح آفاقاً جديدة للنمو والابتكار في صناعة الترفيه في المنطقة. وهذا يقودنا إلى السؤال التالي: ما هي الاتجاهات والتوقعات الرئيسية في صناعة الوسائط المتعددة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؟

اقرأ أيضاً: كيف سيغيّر الميتافيرس مستقبل العمل والمجتمع؟

أحدث الابتكارات: الميتافيرس وفن الذكاء الاصطناعي

يمثّل دمج مبادئ الميتافيرس والفن التوليدي طليعة الابتكار التكنولوجي في هذا القطاع. تخلق هذه التكنولوجيات تجارب "رقماديّة"، حيث تمزج بين المجالين المادي والرقمي وتوفّر طرقاً جديدة لإشراك الجماهير.

يستعين فنانون مثل رفيق أنادول بالذكاء الاصطناعي التوليدي لتحويل البيانات إلى عروض بصرية، متجاوزين بذلك حدود الأشكال الفنية التقليدية. يأتي هذا الاتجاه في أعقاب طفرة المعارض الفنية المتحركة التي تضم رسامين انطباعيين، حيث يبحث الجمهور عن تجارب جديدة ومتنوعة.

علاوة على ذلك، فإن دمج تقنية البلوك تشين والرموز غير القابلة للاستبدال (NFTs) هو اتجاه ناشئ آخر، وهذا يوفر للفنانين ومنشئي المحتوى طرقاً جديدة للاستفادة من أعمالهم والتفاعل مع الجماهير، ويمكن أن يُحدِث ذلك ثورة في إدارة الملكية الفكرية في صناعة الترفيه.

التكنولوجيات التي تدفع رواية القصص الرقمية

ظهرت رواية القصص الرقمية كاتجاه بارز في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مدفوعة بالعلاقة بين التكنولوجيا والإبداع ورواية القصص. يرغب الجمهور في القصص جيدة الصياغة حيث تعزز الوسائط المتعددة السرد، ما يتطلب أكثر من مجرد رسوم متحركة عالية الجودة أو أدوات تقنية.

تجسد مؤسسات مثل متحف اللوفر أبوظبي هذا التوازن، فهي تستخدم تكنولوجيات الوسائط المتعددة المتقدمة من أجل خلق تجارب سردية غنية تُشرك الزوار على مستويات متعددة، بما في ذلك شاشات العرض التفاعلية وتجارب الواقع المعزز والأدلة الرقمية.

يشدد خبراء هذه الصناعة على أهمية التوازن، حيث إن إثقال التجربة بالكثير من عناصر الوسائط المتعددة يمكن أن يضعف التركيز ويطغى على الجمهور، فالبساطة في استخدام التكنولوجيا أمر ضروري. وهذا النهج يضمن دمج خبرات المخرجين وخبراء الإضاءة وكتّاب السيناريو لخلق مزيج متناغم بين التكنولوجيا والقصة مع الحفاظ على جوهر السرد الروائي.

هناك مجال آخر يجب الانتباه إليه، وهو ظهور أدوات سرد القصص باستخدام الذكاء الاصطناعي. يمكن لهذه التقنيات أن تحوّل استراتيجيات الإنتاج وإشراك الجمهور، بما في ذلك برامج تطوير النصوص وأدوات إنشاء المؤثرات البصرية وأنظمة تقديم المحتوى المخصص.

اقرأ أيضاً: الذكاء الاصطناعي المتعدد الوسائط: ثورة في تفاعل المستخدم بين الصوت والصورة والنص

تكنولوجيات غامرة وتفاعلية

هناك اتجاه متزايد نحو التجارب الغامرة والتفاعلية التي تعطي الأولوية لمشاركة الجمهور. تُعيد عروض الوسائط المتعددة المعاصرة تعريف الحدود بين العلم والفن والتكنولوجيا. تبتكر فرق متعددة التخصصات تجارب غامرة وعميقة، وهذا بالاعتماد على مجالات مثل علم النفس والتشريح والتاريخ. يخضع كل معرض لاختبارات صارمة للحفاظ على الدقة العلمية.

يتبنى متحف المستقبل في دبي هذا الاتجاه، وهو يستخدم الواقع الافتراضي والواقع المعزز والذكاء الاصطناعي لتوفير تجارب جذابة ومثيرة للتفكير حول مستقبل البشرية. ومن المثير للاهتمام أن المتحف يركّز أيضاً على خلق لحظات جديرة بالتقاط الصور، ما يبرز أهمية توفير مساحات تسمح للزوار بإنشاء المحتوى ومشاركته على وسائل التواصل الاجتماعي.

وفي المملكة العربية السعودية، استخدم مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء) تكنولوجيات الوسائط المتعددة على نطاقٍ واسع في معارضه. يتميز المركز بتركيباته التفاعلية وأعمال الفن الرقمي وتجارب رواية القصص الغامرة التي تمزج بين التكنولوجيا والسرد الثقافي.

دمج الصوت والإضاءة واللمس في المعارض

تكتسب الفعاليات الواسعة النطاق باستخدام تكنولوجيات مختلفة شعبية متزايدة. يعرض مهرجان الأضواء في منار أبوظبي منحوتات ضوئية خاصة بالموقع وعروضاً ضوئية وأعمالاً فنية غامرة لفنانين محليين وعالميين، وفي الوقت نفسه، يُعدّ مهرجان نور الرياض حدثاً سنوياً على مستوى المدينة يحتفل بالضوء والفن. يضم هذا المهرجان معرضاً عالمياً وبرنامجاً عاماً يشمل ورشات عمل ومحاضرات وعروضاً. كما  يجمع نور الرياض بين أرقى الأعمال الفنية الضوئية لكبار الفنانين العالميين والسعوديين ويغطي أكبر مساحة في أي مهرجان للفنون الضوئية في أي مدينة العالم.

تكتسب الطائرات بدون طيار المستخدمة في العروض الضوئية والجوية شعبية متزايدة لأنها توفّر إمكانات جديدة للفعاليات الترفيهية الخارجية الواسعة النطاق. ومن المرجّح أن يستمر هذا الاتجاه مع تقدم تكنولوجيا الطائرات بدون طيار وتيسير الوصول إليها.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن الاستفادة من تقنية الواقع الافتراضي في التعليم والترفيه؟

التلعيب في المتاحف

يتبنى العديد من المؤسسات الثقافية استراتيجيات التلعيب لجذب انتباه الزائرين والحفاظ عليه. يجسد تطبيق "MIA Play" لمتحف الفن الإسلامي هذا الاتجاه، حيث يسمح للزوار باستكشاف المتحف من خلال الألعاب والأنشطة التفاعلية، ما يجعل تجربة التعلم أكثر متعة.

ينطوي دمج الواقع المعزز في استراتيجيات التلعيب على إمكانات عظيمة. يقوم الواقع المعزز بتراكب المعلومات الرقمية مع العالم المادي من خلال إنشاء ألعاب تفاعلية لمطاردة، أو إحياء القطع الأثرية التاريخية، ما يعزز القيم الترفيهية والتعليمية.

وبينما نقف على حافة العصر الترفيهي الجديد، تبدو الاحتمالات لا حصر لها. تخلق منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مزيجاً فريداً من الثراء الثقافي والابتكار التكنولوجي الذي يجذب المتابعين من مختلف أنحاء العالم. 

في المستقبل، سيكمن التحدي في تسخير هذه التطورات التكنولوجية للترفيه والتعليم والحفاظ على التراث الثقافي وتعزيز المشاركة المجتمعية. ومع تطور الصناعة، من المرجّح أن يكون هناك استثمار متزايد في تكنولوجيات مثل الواقع المعزز والواقع الافتراضي والتخصيص القائم على الذكاء الاصطناعي ومنصات سرد القصص التفاعلية.

المحتوى محمي