لماذا تُعدُّ صناعة البطاريات عاملاً حاسماً للتحول في قطاع الطاقة؟

3 دقائق
لماذا تُعدُّ صناعة البطاريات عاملاً حاسماً للتحول في قطاع الطاقة؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/Fahroni

في الماضي، كانت المناقشات حول كيفية حماية الكوكب من مسؤوليات الناشطين، إلّا أننا اليوم نراها قد دخلت إلى قاعات مجالس الإدارة؛ حيث بدأ المسؤولون التنفيذيون عبر مختلف قطاعات الأعمال يركّزون اهتمامهم على الممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات لأعمالهم، لا سيما بعد إدراكهم مدى أهميتها لأصحاب المصلحة والمساهمين. وبخلاف المسؤولية الاجتماعية للشركات، أصبحت الحوكمة البيئية والاجتماعية أكثر من مجرد إضافة للأعمال. 

إن انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغيّر المناخ (COP28) في دولة الإمارات العربية المتحدة، التي تُعدُّ من بين أكبر عشرة منتجين للنفط في العالم، يؤكد التزام قطاع الطاقة بالقيام بدوره وقدرته على أداء دور استباقي في تطوير تحول الطاقة.

اقرأ أيضاً: دبي تستقبل مؤتمر الأطراف «كوب 28» المعني بتغيرات المناخ

عرقلة التحول

إن نهج الشمولية الذي تتبناه رئاسة دولة الإمارات لمؤتمر (COP28)، هو السبيل الوحيد لتحقيق هدف اتفاقية باريس لعام 2015 لمنع درجة الحرارة العالمية من تجاوز 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، ويشير برنامج الأمم المتحدة للبيئة إلى أنه علينا تخفيض الانبعاثات العالمية بنسبة 42% حتى عام 2030 كي نتمكن من الوصول لهذا الهدف. لذلك، فنحن ملزمون بتسريع تحول الطاقة وتحسين تخزين مصادر الطاقة المتجددة. وهو ما أشارت إليه الدكتورة نوال الحوسني، المندوبة الدائمة لدولة الإمارات لدى الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (إيرينا) قائلة: "إن الأمر لا يتعلق ببساطة بإيقاف الوقود الأحفوري وتشغيل مصادر الطاقة المتجددة، ولكنها مسألة تنظيم عملية انتقالية تأخذ في الاعتبار التأثيرات المحتملة على سبل العيش الآن والمكاسب المستقبلية لكوكب الأرض". 

وقد يدفع حماس أولئك ممن هم خارج صناعة الطاقة إلى تبنٍ فوري وغير مشروط لمصادر الطاقة المتجددة نابع من الاستهانة أو الجهل بتعقيدات الأمر. فالطاقة المتجددة قد يتقلب إنتاجها مع الطقس، ما يجعلها أقل موثوقية في غياب حلول تخزين الطاقة المتقدمة وشبكات الكهرباء المتطورة. وهي حقيقة فصلتها مجلة "ذي إيكونوميست" في تقريرها الربع سنوي حول قطاع التكنولوجيا في هذا العام. 

اقرأ أيضاً:محاولات أميركية لتطوير تقنية لنقل الطاقة لاسلكياً

تخزين الطاقة: العنصر المفقود

لا يسعنا أن نذكر مصادر الطاقة المتجددة دون التحدث عن البطاريات التي يعتمد عليها تخزين الطاقة. حيث تتوقع شركة ماكنزي أن تنمو سلسلة بطاريات الليثيوم أيون -بدءاً من التعدين حتى إعادة التدوير- بنسبة تزيد على 30 بالمائة سنوياً من عام 2022 إلى عام 2030، لتصل قيمتها التقديرية إلى أكثر من 400 مليار دولار أميركي، مدفوعة إلى حد كبير بالمركبات الكهربائية.

وسيكون لتخزين الطاقة المعتمد على البطاريات أهمية كبيرة خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؛ حيث وصفتها الوكالة الدولية للطاقة المتجددة بأنها أسرع أسواق الطاقة المتجددة نمواً في العالم. 

اقرأ أيضاً: منها محطات في الدول العربية: إليك أكبر 6 محطات للطاقة الشمسية في العالم

عجز مواد البطارية التقليدية 

من المعروف أن البطاريات هي السبيل للانتقال إلى الطاقة المتجددة، إلّا أنها تتعارض كثيراً مع مفهوم الاستدامة. وذلك لأن بطاريات الليثيوم أيون التقليدية تتطلب مواد خام مثل الليثيوم والكوبالت والمنغنيز والنيكل والغرافيت، وقد يتسبب تعدين هذه المواد العالية التركيز جغرافياً بآثار سلبية على الممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات على أنحاء سلاسل التوريد المعقدة والمبهمة كافة في كثيرٍ من الأحيان. على سبيل المثال 70% من الكوبالت في العالم يأتي من جمهورية الكونغو الديمقراطية. 

كما يشهد الطلب نمواً أسرع من أي وقتٍ مضى، ولتلبيته في أنحاء الصين وأوروبا والولايات المتحدة كافة سنحتاج إلى بناء 120 - 150 مصنعاً جديداً بحلول عام 2030. وهذه المصانع العملاقة مكلفة وتتأثر بعوامل مثل نقص معدات التصنيع ومواد البناء والعمالة، بالإضافة إلى تقلب الأسعار وتغيير اللوائح الوطنية. لذا لا بُدَّ لنا من توظيف الابتكار في صناعة البطاريات.

اقرأ أيضاً: قد لا تظن ذلك: لكن للطاقات المتجددة أضراراً بيئية أيضاً!

حالة الليثيوم - الكبريت

تقوم شركة ذي أيون (theion) بريادة مستقبل تخزين الطاقة ببطارية الليثيوم والكبريت. وخلافاً للمواد الخام التي تستخدمها البطاريات التقليدية، فإن الكبريت متوفر بكثرة، فهو منتج من نفايات صناعية قابلة للتدوير ولا يحتاج إلى استخراجه، وسعره 20 سنتاً بدلاً من 25 يورو للكيلوغرام، ما يُبيّن أنه أقل تكلفة بكثير مقارنة بالكوبالت أو النيكل أو المنغنيز. وفيما يتعلق بالإنتاج، تحتاج هذه التقنية إلى مساحة وإنفاق رأسمالي أقل بنسبة 50% مقارنة بالمصانع المماثلة.

مركز الابتكار لدول مجلس التعاون الخليجي

السؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا لم تصبح التقنيات الرائدة كهذه أكثر شيوعاً في صناعة البطاريات؟ برأيي يعزى هذا إلى أن الابتكار يتطلب الرؤية والإقدام، وهو سبب آخر يجعل دول مجلس التعاون الخليجي مثالية لقيادة وتمهيد الطريق نحو مستقبل أكثر خضرة ونظافة.

ومما لا شك فيه أن دول مجلس التعاون الخليجي قد نجحت في تحويل الصحاري إلى مراكز مزدهرة مع التركيز على الاستدامة. فعلى سبيل المثال، لدى دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية استراتيجيات طموحة لتحقيق صافي انبعاثات صفرية، وتواصلان الاستثمار في الطاقة المتجددة والمشاريع المتخصصة من مزارع الطاقة الشمسية إلى المركبات الكهربائية. وهذه ليست بمبادرات مستقلة، ولكنها في صميم برنامجها للتحول الوطني.

اقرأ أيضاً: كيف ستغيّر بطاريات الحالة الصلبة الجديدة من تويوتا صناعة السيارات الكهربائية؟

وإذا ما استمرت هذه الجهود والتعاون، فقد تتمكن المنطقة من تشكيل التحول العالمي في مجال الطاقة مع بدء عصر بطاريات الليثيوم والكبريت، ما سيقلل من تكلفة الطاقة المتجددة ويسرّع تحقيق مستقبل أكثر اخضراراً. 

المحتوى محمي