تعتبر طاقة الرياح واحدة من أقدم مصادر الطاقة التي استخدمها البشر في تسيير حياتهم اليومية، مثل طحن الحبوب وضخ المياه، وتمثل اليوم مصدر الطاقة المتجددة الأكثر رسوخاً وكفاءة، وهو ما يفسّر سبب كونها واحدة من أسرع مصادر الطاقة نمواً في العالم، ومع ذلك لم يتم حتى الآن استغلال القدرات الكاملة لها في توليد الكهرباء، حيث لا يزال الباحثون يعملون على معالجة التحديات التقنية والاجتماعية والاقتصادية التي تواجهها في توليد الكهرباء النظيفة.
أهمية طاقة الرياح كمصدر لتوليد الكهرباء
مع تضاؤل إمدادات الطاقة الأحفورية، أصبح تطوير مصادر للطاقة البديلة ضرورة ملحة، خاصةً مع تزايد الطلب العالمي على الطاقة من الوقود الأحفوري مثل النفط والفحم والغاز، الذي من شأنه أن يضع كوكب الأرض على شفا أزمة طاقة عالمية، علاوة على ذلك، فإن الاستخدام الواسع لمصادر الطاقة التقليدية يعتبر من أبرز أسباب تلوث الغلاف الجوي الذي يؤدي إلى الاحتباس الحراري، ولكن من ناحية أخرى، تعد الرياح ومصادر الطاقة المتجددة الأخرى بدائل مجدية ونظيفة للوقود الأحفوري.
حيث تعتبر طاقة الرياح من أكثر مصادر الطاقة المتجددة فعالية بسبب انخفاض تكاليف التشغيل وتوافرها على نطاق واسع، كما تعد طاقة الرياح من أسرع تقنيات الطاقة النظيفة نمواً، ويتزايد الاعتماد عليها عالمياً لتوليد الكهرباء. حيث أبرز تقرير للوكالة الدولية للطاقة المتجددة (IRENA) نُشر في عام 2019، زيادة في القدرة العالمية المركبة لتوليد الرياح في البر والبحر بنحو 75 مرة في العقدين الماضيين، من 7.5 غيغاواط في عام 1997 إلى 564 غيغاواط في عام 2018، مع توقع أن يصل حجم سوق طاقة الرياح العالمية إلى 165 مليار دولار بحلول عام 2030.
اقرأ أيضاً: تعرّف على استخدامات طاقة الرياح في مختلف القطاعات قديماً وحديثاً
ومن المتوقع أن يؤدي الطلب المتزايد على الطاقة النظيفة بأسعار معقولة إلى دفع نمو سوق طاقة الرياح، بسبب الجدوى المتزايدة لطاقة الرياح في إنتاج الكهرباء على نطاق واسع، مع نمو خاص في منطقة آسيا والمحيط الهادئ بوتيرة كبيرة، ومن المتوقع أيضاً أن تمثل الصين أكبر حصة من العائدات في هذه المنطقة، وفي المنطقة العربية من المتوقع أن يستمر نمو استخدام طاقة الرياح لتوليد الكهرباء، مع توقع تركيب توربينات إضافية بحلول عام 2023 بقدرة أكبر من 6.5 غيغاواط.
التحديات التي تواجه استغلال طاقة الرياح في توليد الكهرباء
على الرغم من أن طاقة الرياح تكتسب شعبية متزايدة بوصفها إحدى أكثر مصادر الطاقة البديلة وفرة على كوكب الأرض، فإن هناك تحديات كبيرة تواجه هذه الصناعة في توليد الكهرباء، منها:
المنافسة مع مصادر الطاقة الأخرى منخفضة التكلفة
عند مقارنة تكلفة الطاقة الناتجة عن محطات الطاقة التقليدية، أصبحت مشاريع طاقة الرياح الآن أكثر تنافسية من الناحية الاقتصادية من البترول أو الفحم أو المنشآت النووية، ومع ذلك، قد لا تكون مشاريع طاقة الرياح تنافسية من حيث التكلفة في بعض المواقع التي لا تهب فيها الرياح بدرجة كافية.
استثمار أولي باهظ الثمن
يتطلب تركيب توربينات الرياح في المناطق النائية والبعيدة عن المدن، أو في أعماق البحار استثماراً إضافياً مكلفاً للغاية، حيث يحتاج نقل الهياكل العملاقة للتوربينات غالباً بناء خطوط نقل جديدة، بالإضافة إلى ذلك فإن تكلفة توصيلها بشبكة الكهرباء في المدن والمناطق الحضرية تتطلب استثماراً كبيراً في الأموال والبنية التحتية.
اقرأ أيضاً: كيف يمكن استخدام إنترنت الأشياء لتحسين إنتاج الطاقة الشمسية ومردود توربينات الرياح؟
مصدر طاقة غير موثوق به ولا يمكن التنبؤ به
تخضع طاقة الرياح للتقطع، وهو اضطراب ناتج عن عدم تناسق سرعة الرياح، ومن ثم نظراً إلى أن الرياح يمكن أن تهب بسرعات مختلفة، فمن الصعب توقع مقدار الطاقة التي يمكن أن توفرها في أي وقت معين، وهذا يعني أن على شركات إمدادات الكهرباء في المدن أن يكون لديها احتياطي طاقة مخزّن أو مصادر بديلة لتوليد الكهرباء في حالة توقف الرياح عن الهبوب لفترة طويلة من الزمن.
قيود المواقع الجغرافية
لكي تكون توربينات الرياح مجدية اقتصادياً، يجب تركيبها في أماكن يتوفر فيها ما يكفي من حركة الرياح لإنتاج ما يكفي من الكهرباء، لهذا السبب تعتبر المواقع المثالية لمزارع الرياح هي المناطق الساحلية، وقمم التلال، والمساحات البرية المفتوحة، وبشكل أساسي في أي مكان تمر فيه رياح قوية وموثوقة، ولكن معظم هذه الأماكن غالباً ما تكون في مناطق نائية بعيدة عن المدن، ومن ثم بسبب هذه المسافة، يجب إنشاء بنية تحتية جديدة، والذي من شأنه أن يتسبب في بعض الإضرار بالبيئة المحيطة، مثل قطع الأشجار لإفساح المجال لإمداد خطوط الكهرباء.
اقرأ أيضاً: ما الفرق بين الطاقة الشمسية وطاقة الرياح؟
طاقة الرياح لها كثافة طاقة أقل بكثير
أظهرت دراسة أجراها باحثون في جامعة هارفارد أن معظم مزارع طاقة الرياح لديها انخفاض بشكل ملحوظ في كثافة الطاقة، حيث تظهر النتائج أن متوسط كثافة الطاقة وهو (معدل إنتاج الطاقة مقسوماً على المساحة الإجمالية لمحطات طاقة الرياح) أقل بما يصل إلى مائة مرة من التقديرات، حيث تكمن المشكلة في أن معظم تقديرات إمكانات طاقة الرياح تتجاهل تأثير ما يسمى ظل الرياح (Wind Shadow)، وهو تأثير يحدث عندما توضع التوربينات بالقرب من بعضها بعضاً، بحيث تتوزع سرعة الرياح بين التوربينات، ما يؤدي إلى تباطؤ سرعة الشفرات ومن ثم يؤدي إلى إنتاج طاقة أقل.
ختاماً، على الرغم من الكثير من النقاش والجدل حول مقدار الكهرباء التي تولدها طاقة الرياح، فإن الإمكانات التي تقدمها تكنولوجيا طاقة الرياح أعلى بكثير من معظم مصادر الطاقة البديلة الأخرى والتي قد لا تتوفر عليها سوى الطاقة الشمسية. على سبيل المثال حصلت دولة الدنمارك بالفعل على نحو 47% من طاقتها الكهربائية من طاقة الرياح وحدها في عام 2019، ما يجعلها مورداً مهماً للغاية لتوليد الكهرباء في المستقبل بدلاً من مصادر الطاقة التقليدية القابلة للنضوب، حيث إنه لا يوجد انخفاض في الرياح، بل من المتوقع تحقيق مستويات أعلى مع تقدم تكنولوجيا تطوير التوربينات ومواد تصنيع الشفرات في السنوات القادمة.