5 عوامل تجعل شركة ديب سيك في مرمى التحقيقات من الحكومات والهيئات التنظيمية

4 دقيقة
5 عوامل تجعل شركة ديب سيك في مرمى التحقيقات من الحكومات والهيئات التنظيمية
حقوق الصورة: إم آي تي تكنولوجي ريفيو العربية. تصميم: عبدالله بليد.

خطفت شركة الذكاء الاصطناعي الصينية ديب سيك (DeepSeek) المطورة بوت الدردشة المدعوم بالذكاء الاصطناعي التوليدي آر 1 (R1) الأضواء بشدة، ولكن تزامن الصعود السريع للشركة مع إطلاق موجة من التحقيقات الخاصة من قِبل باحثي الأمن والهيئات التنظيمية في أنحاء العالم كافة حول ممارساتها المتعلقة بجمع بيانات المستخدمين ومعالجتها وتخزينها.

فقد جلب النمو المتزايد والشعبية الجارفة اللذين حظي بهما بوت الدردشة التابع للشركة اهتماماً متزايداً بعملياتها وسياساتها الخاصة بممارسات تعاملها مع بيانات المستخدمين. فلِمَ التركيز الشديد على شركة ديب سيك دوناً عن بقية شركات الذكاء الاصطناعي الأخرى؟

شركات الذكاء الاصطناعي كلّها تجمع البيانات وديب سيك ليست استثناءً

على الرغم من الضجة الكبيرة التي أُحيطت بشركة ديب سيك وممارستها في جمع البيانات، فإن ترتيبها يقع في المركز الخامس فيما يتعلق بكمية البيانات التي تُجمع بحسب تقرير حديث لشركة الأمن الرقمي سيرف شارك (Surfshark)، حيث جاء بوت الدردشة جيميناي التابع لشركة جوجل في المرتبة الأولى من حيث جمعه بيانات المستخدمين، إذ يجمع 22 من أصل 35 نوعاً ممكناً من البيانات، بما في ذلك البيانات الحساسة للغاية مثل الموقع الدقيق ومحتوى المستخدم وقائمة جهات الاتصال وسجل التصفح وغيرها.

بينما جاء بوت الدردشة آر 1 التابع لشركة ديب سيك في المرتبة الخامسة من أصل 10 بوتات دردشة حللتها الشركة، حيث تجمع 11 نوعاً ممكناً من أنواع البيانات. ومع ذلك فإن جمع بوتات الدردشة للبيانات ليس المشكلة الرئيسية، بل تنبع المشكلة من إمكانية استخدام هذه البيانات داخل الشركة أو مشاركتها عبر شبكات الجهات الخارجية تؤدي إلى وصولها إلى مئات الشركاء بما فيها شركات وسطاء البيانات، ما قد يؤدي إلى مواجهة المستخدم لموجة من الإعلانات عالية الاستهداف أو زيادة في رسائل البريد العشوائي.

حيث أشار التقرير إلى أن 30% من بوتات الدردشة التي فُحصت تتعقب بيانات المستخدم، وهذا يعني أن بيانات المستخدم أو معرفات الجهاز التي جُمعت بواسطة بوتات الدردشة ستكون متاحة للجهات الخارجية التي سوف تستخدمها لأغراض قياس الإعلانات أو الإعلانات المستهدفة.

اقرأ أيضاً: كيف تمكنت شركة «ديب سيك» من تحدي عمالقة الذكاء الاصطناعي بأقل الموارد؟

ما يُميزّ بوت شركة ديب سيك ليس ما يجمعه بل ما يحدث لاحقاً لتلك البيانات

وفقاً لبنود سياسة الخصوصية الخاصة بشركة ديب سيك، فإنها تستخدم 3 طرق رئيسية لجمع معلومات المستخدم هي: المعلومات التي يقدّمها المستخدم، والمعلومات التي تُجمع تلقائياً، والمعلومات التي تحصل عليها من مصادر أخرى، وهي طرق أساسية تستخدمها شركات الذكاء الاصطناعي كلّها التي لديها بوتات دردشة بلا استثناء لتحسين خدماتها.

ولكن ينبع التركيز الخاص على ممارسات جمع البيانات التي تجريها شركة ديب سيك من تضافر عوامل مترابطة تُميّزها عن منافسيها الرئيسيين، أهمها:

1. تخزين بيانات غير خاضعة للإشراف

تنصُّ شروط خدمة شركة ديب سيك صراحة على أن المجموعة الواسعة من بيانات المستخدمين التي تجمعها يمكن أن تُخزن على خوادم تقع خارج بلد المستخدم، بما في ذلك الصين، وهو ما يُشكّل بحسب الدول الغربية مخاطر كبيرة لأمنها القومي من واقع أن هذه البيانات سوف تكون مخزنة في ولايات قضائية ذات معايير خصوصية وأمان مختلفة غير خاضعة للإطار القضائي الذي تلتزم به شركات الذكاء الاصطناعي كافة فيما يخصُّ تنظيم تلك البيانات.

علاوة على ذلك، لم تذكر شركة ديب سيك صراحة ما إذا كان بإمكان المستخدمين إلغاء استخدام بياناتهم لتدريب نماذجها، وهو ما يتناقض بشكلٍ كبير مع شروط الخدمة الأكثر تفصيلاً لبعض منافسيه، ما يُثير مخاوف بشأن ما قد تفعله الصين بهذه البيانات وفقاً لقوانينها. على سبيل المثال، يمنح قانون الأمن السيبراني وقانون أمن البيانات الحكومة الصينية سلطة واسعة للوصول إلى بيانات المستخدمين التي تحتفظ بها الشركات العاملة ضمن نطاق ولايتها القضائية عند الطلب.

اقرأ أيضاً: بوتات الدردشة قد تنسج تاريخاً مزيفاً عنك لهذه الأسباب

2. الثغرات الأمنية التي تهدد خصوصية المستخدمين

على الرغم من اكتسابه شعبية كبيرة في وقتٍ وجيز، فإن الباحثين اكتشفوا وجود العديد من الثغرات الأمنية بالغة الخطورة في بوت الدردشة آر 1. على سبيل المثال، عثر باحثون مؤخراً على قاعدة بيانات متاحة للعامة مرتبطة بالشركة الصينية، التي كشفت عن كمية كبيرة من المعلومات الحساسة، بما في ذلك سجلات المحادثات ومفاتيح واجهة برمجة التطبيقات وسجلات النظام الداخلية.

كما تم الإبلاغ عن العديد من نقاط الضعف الأمنية المرتبطة بتطبيق هاتف آيفون، من ضمنها نقل بيانات التسجيل والجهاز عبر الإنترنت دون تشفير واستخدام خوارزمية تشفير قديمة بمفاتيح مبرمجة مسبقاً. هذه الثغرات كلّها جعلت الشركة تحت مرمى الانتقادات فيما يخصُّ كيفية تعاملها مع بيانات المستخدمين.

3. الفشل في الامتثال للوائح الأوروبية وقوانينها

فيما يتعلق باللوائح الأوروبية، فإن نهج الشركة الصينية لديه أوجه قصور متعددة، حيث وجد تحليل لسياسة الخصوصية الخاصة بالشركة أنها تحتوي على تفاصيل ضئيلة جداً متوفرة حول البيانات التي تُجمع بالضبط، وكيفية استخدامها ومدة الاحتفاظ بها.

علاوة على ذلك، لم توضّح الشركة بشكلٍ مباشر ما إذا كانت بيانات المستخدم تُستخدم لمواصلة تدريب نماذجها وتحسينها، وهي ممارسة تتطلب موافقة صريحة ينبغي للشركات العاملة في الاتحاد الأوروبي الحصول عليها، خاصة الشركات التي تجمع البيانات على نطاقٍ واسع، بالإضافة إلى عدم وجود إجراءات واضحة تمكّن المستخدمين من ممارسة حقوقهم في الوصول إلى معلوماتهم أو تصحيحها أو حذفها.

اقرأ أيضاً: ما هي نماذج الذكاء الاصطناعي مفتوحة المصدر التي طبقتها ديب سيك؟ وكيف سيكون تأثيرها؟

4. مخاوف بشأن الرقابة على المحتوى

إلى جانب قضايا خصوصية البيانات، كشفت التحقيقات أيضاً عن حالات تفرض فيها الشركة رقابة على مواضيع حساسة تتعلق بدولة الصين، ما يُثير تساؤلات إضافية حول كيفية تصفية بوت الدردشة المعلومات أو التلاعب بها وفقاً لمواقف الحكومة الصينية وتوجهاتها، وهو ما جعل بعض الخبراء ومراكز الأبحاث يشددون على أن بوت الدردشة التابع للشركة الصينية غير مناسب للاستخدام في البيئات العالية المخاطر مثل الأبحاث الأكاديمية.

5. السياق الجيوسياسي العالمي

يمثّل صعود شركة ديب سيك لحظة محورية لصناعة الذكاء الاصطناعي والمنافسة الحامية بين الصين والدول الغربية والولايات المتحدة لا سيما فيما يتعلق بالتكنولوجيا وسيادة البيانات، حيث أبرز نمو بوت الدردشة الخاص بالشركة الصينية قدرة شركات الذكاء الاصطناعي الصينية على الصمود في مواجهة ضوابط التصدير الأميركية على تقنيات أشباه الموصلات المتقدمة، ما يقوّض فاعلية العقوبات ويسرّع مساعي الصين لتحقيق الاكتفاء الذاتي التكنولوجي.

التدقيق في ممارسات شركة ديب سيك فيما يتعلق بجمع البيانات له ما يبرره إذاً!

على الرغم من تسجيل شركة ديب سيك سابقة محتملة جديرة بالملاحظة فيما يخص التكاليف المالية اللازمة لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي، فإنها في الوقت نفسه أبرزت مخاوف مثيرة للقلق فيما يتعلق بخصوصية البيانات وأمنها التي تُثيرها سياساتها والحوادث المبلغ عنها.

حيث تؤكد التحقيقات التنظيمية والحظر الصريح الذي فرضته الهيئات التنظيمية في العديد من البلدان خطورة المخاوف المحيطة بممارسات خصوصية البيانات والأمان الخاصة بالشركة الصينية، والمستوى الكبير من القلق بشأن امتثالها لقوانين حماية البيانات والمخاطر المحتملة على المستخدمين.

اقرأ أيضاً: بعد هدوء عاصفة ديب سيك: 3 تأثيرات بعيدة المدى في مستقبل الذكاء الاصطناعي

ومقارنة بمنافسيها، فإن تضافر العديد من العوامل المثيرة للقلق المتعلقة بخصوصية المستخدم كلها تُسهم بشكلٍ كبير في تشديد التركيز عليها. فعلى الرغم من أن شركات الذكاء الاصطناعي الأخرى لديها تحدياتها الخاصة المتعلقة بالحفاظ على خصوصية المستخدمين وأمانهم الرقمي، فإن سياسات معالجة البيانات والحوادث الأمنية المُبلغ عنها والمتعلقة بالشركة الصينية قد تستدعي الاهتمام المركز الذي تحظى به حالياً.

المحتوى محمي