استخدمت شركة ناشئة تُدعى بروتين إيفولوشن (Protein Evolution)، الذكاء الاصطناعي لهندسة إنزيمات جديدة قادرة على تحطيم المواد البلاستيكية والمنسوجات المصنوعة من البلاستيك والبوليستر، التي قد ينتهي بها الأمر في مدافن النفايات، بهدف تصنيع مواد جديدة منها.
استخدام الإنزيمات المطوّرة بالذكاء الاصطناعي لتفكيك البلاستيك
على الرغم من مساعي الجهات المعنية لإعادة تدوير البلاستيك، فإن 9% فقط يُعاد تدويره على مستوى العالم. تستهدف شركة بروتين إيفولوشن الـ 91% المتبقية التي تُرمى في النفايات باستخدام الإنزيمات التي يمكن هندستها بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي.
اقرأ أيضاً: تطوير إنزيم يفكك البلاستيك خلال أسبوع بالاعتماد على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي
تعود الأدلة على قدرة الإنزيمات على تحليل البلاستيك إلى عقود مضت. وفي عام 2016، نشر فريق بحث ياباني ورقة بحثية تظهر أن إنزيماً يُسمّى بيتاز "PETase" يمكنه تفكيك علب المياه البلاستيكية. لكن الإنزيم لا يفكك البلاستيك طبيعياً، بل يحتاج إلى شروط خاصة. منذ ذلك الحين تعمل الشركات على تطوير تقنيات تسمح بالاستفادة من هذا الإنزيم صناعياً وعلى نطاقٍ واسع، وبروتين إيفولوشن إحداها.
يعتقد المحللون أن التكنولوجيا الإنزيمية يمكن أن تعمل على نطاقٍ واسع؛ حيث تُستَخدم الإنزيمات بالفعل في العمليات الصناعية الأخرى، ولكن التكاليف تظل بمثابة تحذير رئيسي. ومن تلك النقطة انطلق جوناثان روثبيرغ، وهو مخترع ورجل أعمال يعمل من يخت بحثي مجهز كمختبر، وهو الشريك في تأسيس بروتين إيفولوشن عام 2021، مستعيناً بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي لهندسة الإنزيمات المُحسّنة، وتصميم واختبار الآلاف من متغيرات الإنزيمات الجديدة بسرعة لتكسير البلاستيك.
تعتمد بروتين إيفولوشن على عملية خاصة أسمتها "بيو بيور" (Biopure)، تتضمن تسخين النفايات البلاستيكية إلى درجات حرارة عالية ضمن مفاعل مملوء بالإنزيمات والماء، سيعمل على تفكيك المواد البلاستيكية إلى مكوناتها الأساسية، دون تكوين جسيمات بلاستيكية دقيقة أو تحلل المادة في أثناء العملية. صُمِمت تلك الإنزيمات بواسطة الذكاء الاصطناعي لتحطيم البلاستيك والبوليستر إلى مكونات لا يمكن تمييزها عن البوليستر المصنوع من النفط.
تستخدم الشركة نماذج الذكاء الاصطناعي المدرّبة على بيانات خاصة بالبروتينات، مثل ألفافولد الذي يتنبأ ببنية البروتين من تسلسل الأحماض الأمينية، لتوليد الآلاف من تصاميم الإنزيمات الجديدة، واختبارها لاحقاً وتحسينها في المختبر. يتعلم نظام الذكاء الاصطناعي من تصاميم الإنزيمات الناجحة والفاشلة، فيتحسّن في اقتراح إنزيمات جديدة واعدة تعمل على تحلل البلاستيك بمرور الوقت، وتجعل عملية تكسير البلاستيك أسرع وأكثر فاعلية من حيث التكلفة.
الهدف من تطوير إنزيمات تفكك البلاستيك بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي
تهدف الشركة من هذه العملية إلى إعادة تدوير الملابس القديمة والأغطية والمنسوجات الأخرى بالطرق الحيوية بالكامل بدلاً من أن ينتهي بها الأمر بالحرق أو في مدافن النفايات.
تخطط الشركة أيضاً بعد هذه الاختبارات لبناء مصنع تجريبي عام 2025 قادر على إنتاج 300 طن من البلاستيك المعاد تدويره سنوياً، والتوسع إلى مصنع تجاري كامل بحلول عام 2028 بطاقة سنوية تبلغ 50 ألف طن. وتتوقع أن تحصل على إيرادات متواضعة من المصنع التجريبي في البداية، ولكنها تهدف إلى الحصول على 100 مليون دولار سنوياً من أول منشأة تجارية واسعة النطاق لها.
اقرأ أيضاً: اكتشاف فطريات تفكك البلاستيك الذي لا يعاد تدويره خلال أشهر
تسويق إعادة تدوير البلاستيك حيوياً في الموضة
لم تتوقف عند تطوير الإنزيمات فقط، بل تعاونت شركة بروتين إيفولوشن مع مصممة الأزياء، والمدافعة عن الاستدامة، ستيلا ماكارتني Stella McCartney، لعرض أول قطعة ملابس مصنوعة باستخدام عملية إعادة التدوير الحيوية، وهي سترة مصنوعة من أحزمة بلاستيكية صناعية مُعاد تدويرها تُستَخدم لتأمين حاويات الشحن، وتأمل في استخدام هذه المواد في تصميم ملابسها وإكسسواراتها الجاهزة للارتداء مستقبلاً.
أطلقت مكارتني أول مرة السترة المصنوعة من البلاستيك المُعاد تدويره خلال فعاليات مؤتمر الأطراف المعني بتغيّر المناخ كوب 28 (COP28) الذي انعقد في دبي في نهاية عام 2023.
بالإضافة إلى التعاون مع ماكارتني، وقّعت شركة بروتين إيفولوشن صفقات تطوير مع 5 ماركات أزياء أخرى لتحقيق الغاية ذاتها في استخدام البلاستيك المُعاد تدويره في تصميم ملابس البوليستر بتكلفة تنافس المواد المعتمدة على النفط الخام.
إعادة تدوير المواد الصناعية المختلفة
على المدى الطويل، تهدف شركة بروتين إيفولوشن إلى التوسع إلى ما هو أبعد من الموضة، وصولاً إلى إعادة تدوير المواد الاصطناعية الأخرى مثل النايلون والأقمشة المطلية بـ PFAS، وهي مُركّبات الفلور العضوية الاصطناعية، المستخدمة في طلاء أواني الطهي غير اللاصقة، والملابس المقاومة للماء، وتغليف المواد الغذائية وغيرها من التطبيقات.
البلاستيك الحيوي الذي يتحلل تلقائياً
علاوة على ذلك، تهتم الشركة باستخدام الإنزيمات لتطوير نوع جديد تماماً من البلاستيك الذي يمكن أن يتحلل بيولوجياً من تلقاء نفسه. وقد تسمح تكنولوجيا الإنزيمات بتجميع وحدات البناء وتحويلها إلى مواد جديدة ذات خصائص محسّنة، بالإضافة إلى إعادة تصنيع المواد البلاستيكية الموجودة.
اقرأ أيضاً: شركة فرنسية ناشئة تعيد تدوير البلاستيك باستخدام الإنزيمات
بروتين إيفولوشن ليست الشركة الوحيدة التي تعمل على إعادة تدوير البلاستيك حيوياً، إذ تستخدم شركات أخرى مثل كاربيوس (Carbios) وبريكينغ (Breaking) الإنزيمات أو الميكروبات لتحقيق هذا الهدف. وعلى الرغم من أن الإنزيمات المفككة للبلاستيك عُرِفت منذ عقود، فإنها بطيئة جداً في إحداث تأثير كبير في النفايات البلاستيكية. لكن ساعد الجمع بين الذكاء الاصطناعي والهندسة البيولوجية على التقدم السريع في تطوير الإنزيمات مقارنة بالطرق التقليدية، وكانت تلك هي الميزة الرئيسية للبروتين إيفولوشن.
يبدو استخدام البلاستيك المُعاد تدويره واعداً، لكن إعادة التدوير الحيوي لا تزال في مراحلها المبكرة، وصناعته معقدة تتطلب جهوداً كبيرة على نطاقٍ واسع.