الشركات التكنولوجية الكبرى تسعى لإحداث تغيير شامل في أنظمة الطاقة

7 دقائق
شركات التكنولوجيا وأنظمة الطاقة
منجم ومصهر للنيكل في مانيتوبا.

في الأسابيع الماضية، وفي كل يوم صحو الطقس، كانت حوامة استأجرتها شركة كوبولد ميتالز تحلق فوق إحدى المناطق النائية في شمال كيبيك، وهي تنقل حمولة مميزة.

فقد كانت الحوامة تحمل وشيعة نحاسية بعرض 35 متراً متدلية من أسفل الطائرة، وهي ترسل أمواجاً كهرطيسية نحو الأرض لتوليد تيارات في الصخور عميقاً تحت السطح. وعند وجود نواقل كهربائية جيدة، كانت ترسل إشارات تدل عليها إلى وشيعة مستقبلة، مشيرة إلى أن هذه الصخور قد تحتوي مخزونات قيمة من النيكل والكوبالت، وهي معادن مستخدمة في البطاريات التي تشغل هواتفنا الخليوية وحواسيبنا المحمولة وسياراتنا الكهربائية.

وبعد انتهاء الطيار من مسح قطعة من الأرض -حيث تستطيع الحوامة في يوم عمل جيد مسح أكثر من 160 كيلومتراً- كانت البيانات تُرسل عبر القمر الاصطناعي إلى علماء كوبولد الذين يعملون في مكاتب تبعد عن الموقع آلاف الكيلومترات. بعد ذلك، قام الباحثون بتلقيم بيانات المسح الجديدة إلى نماذج تعلم آلي تجمعها مع كميات من البيانات الأخرى التي جمعتها الشركة لتحسين تصورها حول البنية الجيولوجية للمنطقة. وأخيراً، قاموا بتلقيم كل هذه المعلومات إلى نظام ذكاء اصطناعي طورته كوبولد بالتعاون مع جامعة ستانفورد. ويعتمد هذا النظام على استطاعة حوسبة هائلة لتقديم التوصيات للفريق حول أفضل الأماكن التي يجب مسحها بعد ذلك.

وباستخدام هذه المجموعة من الأدوات البرمجية عالية المستوى، تستطيع شركة البحث عن المعادن وتنقيبها -التي تعمل في سان فرانسيسكو مدعومة من بيل جيتس وجيف بيزوس- تغييرَ خططها للمسح الجوي بسرعة من يوم لآخر حتى تُطبق بسرعة على الأماكن التي تستحق الحفر.

تختلف هذه الطريقة كثيراً عما اعتاد الجيولوجيون فعله تقليدياً للبحث عن المخزونات المعدنية، والذي يتلخص بجمع البيانات الحقلية وتحليلها عند انتهاء موسم الاستكشاف.

وفي حين أن الطرق التقليدية كانت تعتمد تماماً على الخبرة البشرية، فإن هذه الأيام تشهد مساهمة أكبر من علم البيانات والتعلم الآلي في الجهود الرامية إلى العثور على كنوز الأرض المخفية. لقد أدرك وادي السيليكون أن العثور على المعادن التي تعتمد عليها التكنولوجيا الحديثة أصبح أصعب من ذي قبل، خصوصاً مع زيادة الطلب عليها بشكل أُسِّي بسبب قطاع الطاقة النظيفة، ولهذا، يراهن المستثمرون هناك على قدرة الشركات مثل كوبولد على مساعدة شركات التعدين على مجاراة هذا الطلب، وذلك بتسريع اكتشاف مخزونات جديدة وتخفيض تكاليف البحث.

وسواء أكان هذا الحدس صحيحاً أم لا، يقول الخبراء إن مشاركة كبار شخصيات الشركات التكنولوجية يمكن أن تلفت الأنظار إلى قلة الاستثمار في المناجم الجديدة، وقد يؤدي هذا بدوره إلى اجتذاب التمويل اللازم للشركات الناشئة التي تأمل في استخراج المعادن بطريقة أكثر مسؤولية بيئية واجتماعية.

يقول كواسي أمبوفو، وهو محلل مختص بقطاع التعدين في شركة أبحاث الطاقة بلومبيرج إن إي إف (BloombergNEF): "عندما يفكر الناس بالسيارات الكهربائية، فمن السهل أن ينسوا المواد الخام المستخدمة في هذه الآلات اللامعة التي تتألق في غرف العرض".

مواد لا يسهل الحصول عليها

من المتوقع أن الطلب على المعادن والمواد المعدنية مثل الليثيوم والكوبالت والجرافيت والنيكل -التي تُستخدم جميعاً في البطاريات التي تزود السيارات الكهربائية والشبكة الكهربائية بالطاقة- سيشهد زيادة حادة في السنوات المقبلة. وقد وجد تقرير يعود إلى شهر مايو من الوكالة الدولية للطاقة إن تطبيق تكنولوجيات الطاقة النظيفة بالوتيرة المطلوبة لمنع الاحترار العالمي من الوصول إلى درجتين مئويتين سيزيد الطلب على المعادن المستخدمة في تخزين الطاقة إلى أكثر من 30 ضعفاً بحلول العام 2040.

غير أن قطاع التعدين لم يتمكن من مجاراة الزيادة المتوقعة؛ حيث إن البدء بتشغيل مناجم جديدة قد يستغرق أكثر من عقد كامل بعد أن تستحوذ الشركة على حقوق المواد المعدنية وتستكمل الرخص المطلوبة. أما استكشاف المكان الأفضل للحفر فقد يتطلب فترة أطول من هذه حتى، فمع اكتشاف معظم كتل المواد الخام سهلة الكشف والمؤلفة من الخامات عالية الجودة، إضافة إلى تراجع الاستثمار في عمليات الاستكشاف، أصبح تحديد مكان مخزونات المواد المعدنية الجديدة أكثر صعوبة من ذي قبل. ووفقاً للقاعدة المتعارف عليها في العمل الحقلي، يوجد موقع واحد يمكن تعدينه بشكل مربح من بين كل 100 موقع مكتشف. ولكن بعض الخبراء يعتقدون أن هذه النسبة أقرب في الواقع إلى موقع واحد من كل 1,000 موقع.

ولكن أدوات علم البيانات -مثل التعلم الآلي؛ حيث تُدرب الخوارزميات على معالجة كميات هائلة من البيانات لاكتشاف الأنماط- قد تتمكن من تسريع عملية الاكتشاف إلى حد كبير. وقد بدأت شركات التعدين، وبصورة متزايدة، باستخدام هذه الأنظمة لتحليل مجموعات البيانات في الجيولوجيا، والكيمياء الأرضية، والجيوفيزياء في نفس الوقت، على أمل كشف ترابطات قد لا تكون واضحة بالنسبة للبشر.

وبجمع هذه المقاربة مع أداة اتخاذ القرار التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي والمطورة بالتعاون مع ستانفورد، تأمل كوبولد بتسريع عملية الاكتشاف بمعامل 20، كما يقول جوش جولدمان، المسؤول التكنولوجي الأساسي في الشركة. تقول كوبولد إن هذه المقاربة ستؤدي أيضاً إلى التخفيف من الأثر البيئي للاستكشاف؛ لأنها ستقلل من عمليات الحفر غير الضرورية.

وعلى العكس من عدة شركات أخرى تستخدم علوم البيانات في التعدين، فإن كوبولد لا تبيع خدماتها. وبدلاً من ذلك، فإنها تطور أدوات برمجية تساعدها على توجيه عملها الاستكشافي الخاص، ما يعني أن كوبولد ستقرر أماكن مواقع الحفر والاستخراج. كما تقول الشركة إنها ستعمل فقط في مناطق تسمح لها بالتعدين أخلاقياً، وبوجود مشاركة وقبول مجتمعي.

عاملو كوبولد في الحقل
عاملو كوبولد في الحقل وهم يستعدون لعملية مسح جوي.
مصدر الصورة: كوبولد

وعلى الرغم من أننا يجب أن ننتظر لفترة قبل أن نرى ما إذا كانت كوبولد ستحقق وعودها بزيادة معدل الاستكشاف وعمليات تعدين أكثر نظافة، فإن المستثمرين استجابوا بشكل جيد لهذه الوعود؛ فقد تمكنت الشركة -التي تأسست في 2018 وتوظف تقريباً ما يزيد عن 20 شخصاً من علماء البيانات والجيولوجيين- من جمع عشرات الملايين من الدولارات من بريكثرو إينرجي فينتشرز، وهو صندوق للتكنولوجيا المناخية بقائمة مستثمرين ومجلس إدارة يتضمنان أسماء شهيرة مثل بيل جيتس وجيف بيزوس وريتشارد برانسون، إضافة إلى أندريسين هورويتز، وهي شركة استثمارية كبيرة في وادي السيليكون. وفي بدايات 2021، قامت شركة النفط النرويجية إيكوينور بشراء حصة في كوبولد وتعهدت بتقديم تمويل إضافي عبر الشركة الاستثمارية التابعة لها، والتي تستثمر في الشركات التي تعمل على تخفيض معدلات الكربون في المستقبل.

يقول كارمايكل روبرتس، عضو لجنة الاستثمار في بريكثرو إينرجي فينتشرز: "لقد استثمرنا في كوبولد ميتالز للمساعدة على حل المشاكل المعقدة في اكتشاف وتطوير كميات كبيرة من المواد الأساسية لبناء البطاريات التي نحتاج إليها لتشغيل الكوكب بأسره". من المتوقع أن نشهد نقصاً في الكوبالت والنيكل في العقد المقبل. كما أن الكوبالت والنيكل يشتركان في تاريخ مليء بالمشاكل البيئية وانتهاكات حقوق الانسان، ما يضع ضغوطات إضافية على الشركات التكنولوجية للعثور على مصادر أكثر أخلاقية.

يوجد حالياً لدى الشركة عقدَا تنقيبٍ معلنان في كيبيك وشمال ساسكاتشيوان؛ حيث تقوم بإجراء عمل حقلي استكشافي على الأرض ومن الجو في هذا الصيف. كما أنها تعمل في منطقة ثالثة لم تعلن عنها في كندا، إضافة إلى مواقع في زامبيا وغرب أستراليا، وفقاً لجولدمان.

ويعود تركيز الجهود الأولية للشركة في كندا جزئياً إلى وجود كميات كبيرة من بيانات المسح في القطاع العام، بما فيها تقارير حقلية سردية، وخرائط جيولوجية قديمة، وبيانات كيمياء أرضية حول عينات الحفر، وبيانات مسح جوي مغناطيسية وكهرطيسية، وقراءات ليدار، وصور أقمار اصطناعية تمتد على عدة عقود من العمل الاستكشافي.

يقول جولدمان: "لدينا نظام يسمح باستيعاب كل هذه البيانات وتخزينها بصيغ معيارية، وتطبيق معايير الجودة عليها؛ بحيث يمكن البحث فيها بسهولة والوصول إليها بأساليب برمجية".

زخم التكنولوجيا المتطورة

بعد تجميع كل البيانات المتوافرة في أحد المواقع، يقوم فريق كوبولد باستكشاف البيانات باستخدام التعلم الآلي. وقد تقوم الشركة، على سبيل المثال، ببناء نموذج يقوم بعملية تنبؤ لتحديد أجزاء مخزونات الخام التي تتضمن أعلى تركيز من الكوبالت، أو تقوم ببناء خريطة جيولوجية جديدة لمنطقة ما لتوضيح جميع أنواع الصخور المختلفة وبنية الشقوق والصدوع. ويمكن أن تضيف بيانات جديدة إلى هذه النماذج مع جمعها، ما يسمح لكوبولد بتغيير إستراتيجيتها الاستكشافية بشكل تكيفي "بصورة شبه آنية"، كما يقول جولدمان.

صورة مولدة بالليدار لساسكاتشيوان
تجعل كندا مجموعات البيانات وغيرها من المعلومات متاحة للعامة، مثل هذه الصورة المولدة بالليدار لساسكاتشيوان.
مصدر الصورة: الحكومة الكندية

وقد استخدمت كوبولد معلومات حصلت عليها من نماذج التعلم الآلي للاستحواذ على حقوق التنقيب في كندا وتطوير برامجها الحقلية. وبفضل شراكتها مع مركز توقع موارد الأرض في جامعة ستانفورد، التي بدأت منذ فبراير، تستطيع كوبولد إضافة طبقة جديدة من التحليل إلى هذه المنظومة على شكل "نظام اتخاذ قرار" يعتمد على الذكاء الاصطناعي، ويستطيع وضع خطة استكشافية كاملة.

وقد شرح العالم المختص بعلوم الأرض في ستانفورد، جيف كايرز، والذي يشرف على هذا التعاون، أن هذا البرنامج الرقمي لاتخاذ القرار يقوم بتكميم الارتيابات في نتائج نموذج كوبولد، وبناء على هذا يصمِّم خطة جمع بيانات تؤدي في نهاية المطاف إلى تقليل هذه الارتيابات. وعلى غرار لاعب شطرنج يحاول الفوز في مباراة بأقل عدد ممكن من الحركات، يحاول نظام الذكاء الاصطناعي مساعدة كوبولد على الوصول إلى قرار حول عملية التنقيب بأقل هدر ممكن في الجهود، سواء أكان هذا القرار هو المباشرة بالحفر في مكان معين، أو مغادرة المكان.

أما جاي ديشارنيه، وهو جيولوجي مختص بالاستكشاف وقد وضع العديد من المؤلفات وألقى العديد من المحاضرات حول تطبيقات التعلم الآلي في التعدين، فيقول إنه توجد "قيمة كبيرة للغاية" في استخدام أدوات كهذه لجمع وتحليل عدد كبير من مجموعات البيانات في نفس الوقت. ولكن ديشارنيه يحذر أيضاً من وجود "الكثير من المحاذير" حول ما إذا كان التعلم الآلي يعطي نتائج حدسية تتجاهل الكثير من العوامل أو قرارات ذكية.

حيث إن البيانات الجيولوجية تتسم بوجود ثغرات كبيرة في المكان والزمن، ويمكن أن تؤدي هذه المشكلة -إضافة إلى عدم الاتساق في جودة البيانات- إلى وقوع النماذج في أخطاء حول الإشارات، أو القيام بعمليات استنباط خاطئة. إضافة إلى ذلك، ونظراً لندرة تجمعات الخامات عالية الجودة، فلا يوجد لدى الجيولوجيين الكثير من الأمثلة الإيجابية التي توضح ما يبحثون عنه لتدريب الخوارزميات على كشف ما يشبهها.

يقول ديشارنيه: "في نهاية المطاف، فإن عبء العمل الحقيقي في كشف هذه المخزونات سيقع على عاتق جيولوجي بشري سيستخدم هذه الأدوات لتحسين قدراته".

وتقول هولي بريدجووتر، وهي جيولوجية مختصة بالاستكشاف في منظمة أن إيرثد الأسترالية التي تستضيف مسابقات قرصنة برمجية وغيرها من الجهود الرامية إلى تطوير الابتكار في قطاع الموارد، إنه قد يكون من الصعب أن نجزم بقدرة التعلم الآلي أو غيره من أدوات الذكاء الاصطناعي على مساعدة البشر على اكتشاف أشياء يستحيل عليهم اكتشافها بمفردهم. وتشرح بريدجووتر أن الاختبارات تقتصر على عدد محدود من مواقع التعدين المحتملة وحسب؛ لأن العملية مكلفة للغاية. وتقول: "إن الحصول على حلقة التغذية الخلفية الإيجابية التي تسمح بتحديد الأساليب الناجحة فعلياً أمر صعب للغاية".

ولكن على الرغم من أن بريدجووتر تشك في قدرة كوبولد على إثبات قدرة أدواتها على تحسين معدلات استكشاف المعادن بمقدار 20 ضعفاً، فإنها تشعر أن هدف الشركة كان معقولاً. وتقول: "أعتقد أن هذا ممكن للغاية؛ لأن معدل النجاح لدينا سيئ للغاية".

ويضيف أمبوفو، محلل التعدين في بلومبيرج إن إي إف، أن رمزية دخول شركة ناشئة تكنولوجية جيدة التمويل إلى فضاء التعدين قد يكون أكثر أهمية من أي معادن بطاريات تكتشفها كوبولد.

ويتفق معه ديشارنيه في وجهة النظر هذه.

ويقول: "أعتقد أن أكبر أثر لشركة مثل كوبولد هو لفت النظر إلى ضعف الاستثمارات. وستكون شركة كهذه قادرة على جمع الأموال من مصادر لم يتمكن الآخرون من جمع الأموال منها، لجلب بيانات جديدة أو تحديث البيانات القديمة أو اكتشاف أشياء جديدة فعلياً".

المحتوى محمي