أعلنت شركة أمازون، يوم الخميس الماضي، شريحة كمومية جديدة تحمل اسم أوسيلوت (Ocelot)، تأمل من خلالها في تقليص المدة التي تحتاج إليها لبناء جهاز كمبيوتر كمومي مفيد تجارياً وقادر على حل مشكلات علمية وتجارية بنحو 5 سنوات. يأتي هذا الإعلان بالتزامن مع سلسلة من الإعلانات الصادرة عن شركتي جوجل ومايكروسوفت والشركة الناشئة بي إس آي كوانتوم (PsiQuantum)، خلال الفترة الماضية، تؤكد تحقيق كل منها منفردة تقدماً ملحوظاً في هذا المجال، ما يشير إلى أننا ربما نقف على أعتاب ثورة تكنولوجية جديدة مماثلة لثورة الذكاء الاصطناعي التي نعيش نتائجها حالياً.
اقرأ أيضاً: هل تستعيد أمازون عرش المساعِدات الصوتية بعد الكشف عن أليكسا بلس؟
أمازون تطوّر "كيوبت القط"
تُعدُّ الحوسبة الكمومية من أكثر المجالات الواعدة في عالم التكنولوجيا الحديثة، إذ تبشّر بقدرات حوسبة هائلة تتخطى ما تقدمه الكمبيوترات التقليدية بفارق كبير. فالكمبيوتر الكمومي قادر نظرياً على إجراء حسابات معقدة قد تستغرق ملايين السنين لحلها باستخدام أقوى الكمبيوترات التقليدية. ويمكن أن تسهم الحوسبة الكمومية في تمكين العلماء من تطوير مواد جديدة وتصميم بطاريات أكثر كفاءة وتسريع اكتشاف أدوية فعّالة.
التحدي الأساسي يكمن في الاعتقاد السائد منذ فترة طويلة بأن الكمبيوتر الكمومي المفيد سيحتاج إلى نحو مليون كيوبت مادي (physical qubits) للحصول على عدد كافٍ من الكيوبتات المنطقية (logical qubits). لكن شركة أمازون تقول إن النموذج الأولي لشريحتها الكمومية "أوسيلوت" يستخدم 9 كيوبتات مادية فقط لإنتاج كيوبت منطقي واحد مستقر للتشغيل، بفضل تقنية تُعرف باسم كيوبت القط (Cat qubit)، التي استمدت اسمها من التجربة الفكرية الشهيرة للفيزيائي إرفين شرودينغر التي تفترض وجود قطة داخل صندوق في حالة تراكب كمي، حيث تكون حية وميتة في آنٍ واحد.
وأضافت أمازون أن "أوسيلوت" تقلّل تكاليف تصحيح الأخطاء الكمومية بنسبة تصل إلى 90% مقارنة بالأساليب الحالية، ما يمثّل تقدماً مهماً نحو بناء كمبيوترات كمومية مقاومة للأخطاء. وعلى الرغم من أن قدرات النموذج الأولي لا تزال محدودة، فإن وحدة الحوسبة السحابية في أمازون ترى أن تقنيتها قابلة للتوسع مستقبلاً، لكنها لم تحدد إطاراً زمنياً لتحقيق ذلك.
ووفقاً لمدير الأجهزة الكمومية في وحدة "أمازون ويب سيرفيسز"، أوسكار باينتر، فإن هذا النهج يمكن أن يخفّض متطلبات حجم الكمبيوتر الكمومي بنحو 10 أضعاف، ما قد يسمح ببناء كمبيوتر كمومي مفيد عملياً باستخدام نحو 100 ألف كيوبت فقط بدلاً من مليون.
"بي إس آي كوانتوم" تنتج ملايين الشرائح الكمومية
قبل يومين فقط من كشف أمازون عن تفاصيل شريحتها الجديدة، أعلنت شركة "بي إس آي كوانتوم" الأميركية الناشئة تحقيق تقدم جوهري في حل مشكلة أخرى كبرى في مجال الحوسبة الكمومية: تصنيع الشرائح على نطاقٍ واسع. أوضحت الشركة أنها تعمل منذ نحو 20 عاماً على تطوير نهج لإنتاج شرائح كمومية بكميات كبيرة باستخدام الفوتونيات (photonics) التي تُستخدم على نطاقٍ واسع في مجال الاتصالات.
وقال الرئيس التنفيذي للشركة، جيريمي أوبراين، في مقابلة مع وكالة رويترز الأسبوع الماضي، إن الشركة أمضت السنوات الماضية في العمل بشكلٍ وثيق مع مصانع الرقائق لتصميم مجموعة شرائحها المُسمّاة أوميغا (Omega)، والتي أصبحت الآن جاهزة للإنتاج.
صممت "بي إس آي كوانتوم" شريحتها بحيث تُصنّع على رقاقات سيليكون واسعة بعرض قدم واحدة (foot-wide wafers) في مصنع شركة أشباه الموصلات "غلوبال فوندريز" في ولاية نيويورك بتقنية تصنيع 45 نانومتر. وقد وصلت بالفعل إلى نسب إنتاج تضاهي نسب رقاقات أشباه الموصلات التقليدية، وفقاً لما قاله كبير مسؤولي العلوم في الشركة بيت شادبولت، الذي أعلن أن الشركة الآن بصدد إنتاج ملايين الشرائح الكمومية فعلياً بالتعاون مع "غلوبال فوندريز"، في سابقة هي الأولى من نوعها في هذا القطاع. ويتوقع أوبراين الانتهاء من بناء منشأة قادرة على تشغيل التطبيقات التجارية بحلول عام 2027.
ونشرت "بي إس أي كوانتوم" أيضاً نتائج أبحاثها حول التصنيع واسع النطاق لشرائحها الكمومية في دورية نيتشر، يوم الأربعاء الماضي.
اقرأ أيضاً: مايكروسوفت تُطلق شريحة مايورانا 1: ثورة في عالم الحوسبة الكمومية
"مايورانا" من مايكروسوفت و"ويلو" من جوجل
تأتي هذه التطورات بعد أسبوع واحد من إعلان شركة مايكروسوفت شريحتها الكمومية التجريبية الأولى، مايورانا 1 (Majorana 1)، التي تعتمد تصميماً طوبولوجياً خاصاً يهدف إلى تقليل معدل الأخطاء في الكيوبتات. وتؤكد مايكروسوفت أن تقنيتها، المستندة إلى مادة كمومية جديدة تُسمّى "الموصل الطوبولوجي"، تجعل الكيوبتات أكثر استقراراً، ما يُتيح تحقيق أداء موثوق باستخدام عدد أقل بكثير من الكيوبتات مقارنة بالنهج التقليدي.
وقالت مايكروسوفت إنها تعمل منذ ما يقرب من عقدين على تطوير هذه الشريحة، مضيفة أنها تعتمد على جسيم دون ذري يُسمّى فرميون مايورانا (Majorana fermion)، الذي طُرِحت فرضية وجوده أول مرة في ثلاثينيات القرن العشرين. يتمتّع هذا الجسيم بخصائص تجعله أقل عرضة للأخطاء التي تُصيب أجهزة الكمبيوتر الكمومية، ولكن كان من الصعب على الفيزيائيين العثور عليه والتحكم فيه.
وبفضل هذا التقدم الأخير، صرّحت الشركة بأن الوصول إلى كمبيوترات كمومية قادرة على حل مشكلات واقعية بات "مسألة سنوات وليس عقوداً".
كانت شركة جوجل أعلنت في شهر ديسمبر الماضي أنها تغلبت على تحدٍ رئيسي في مجال الحوسبة الكمومية باستخدام جيل جديد من الشرائح التي أطلقت عليها اسم ويلو (Willow)، حيث تمكنت في غضون 5 دقائق من حل مشكلة حوسبة قد تستغرق من الكمبيوتر العادي مدة تزيد على عمر الكون. وأضافت أن هذه الشريحة تحتوي على 105 كيوبت، لكن هذه الكيوبتات مرتبطة معاً بطريقة تساعد على خفض معدلات الخطأ.
وعلى الرغم من أن المشكلة الرياضية التي حلها مختبر الكم التابع للشركة في مدينة سانتا باربرا بولاية كاليفورنيا ليس لها تطبيقات تجارية، فإن جوجل تأمل في أن تحل أجهزة الكمبيوتر الكمومية يوماً ما المشكلات التي تواجه مجالات الطب والكيمياء والذكاء الاصطناعي، والتي أصبحت صعبة على أجهزة الكمبيوتر الموجودة اليوم.
بشكلٍ عام، أصبحت أخبار التطورات الكمومية تحظى بزخم متزايد في المشهد التكنولوجي. فإلى جانب الشركات الثلاث السابقة، أعلن العديد من الشركات الناشئة والكبرى، مثل "إنتل" و"آي بي إم"، أنها تعمل على تطوير تقنيات جديدة وبناء مراكز بيانات كمومية، بهدف تعزيز قدرات الحوسبة الكمومية وتوسيع نطاقها.
وعلى الرغم من التحديات الكبيرة التي لا يزال من الضروري إيجاد حلول لها، مثل طبيعة الكيوبتات الحساسة للغاية التي تجعلها عرضة للأخطاء بسهولة، فإن هذه التكنولوجيا تحمل إمكانات واعدة على المدى القريب. وتتوقع شركة ماكنزي أن تتمكن التقنيات الكمومية من خلق قيمة اقتصادية تصل إلى تريليوني دولار بحلول عام 2035، ما يعكس تفاؤلاً متزايداً بقرب انطلاق الثورة الكمومية.