أصبح التحكم في دماغ الآخرين ممكناً عبر زرع شرائح إلكترونية فيه. قد تعتقد أن هذا أمر سيئ، لكن في الواقع تُزرع الشرائح الدماغية اليوم لأغراض طبية وعلاجية وبحثية. للتوضيح أكثر، سنشرح لك الحقيقة وراء زرع شريحة في الدماغ في مقالنا التالي.
ما هي شريحة الدماغ؟
شريحة الدماغ، وتسمى غرسة الدماغ أو الغرسة العصبية، هي جهاز إلكتروني يوضع عادة على سطح الدماغ، أو يتصل بقشرة الدماغ عن طريق الجراحة أو الحقن، ويتفاعل مع الخلايا العصبية، ويتواصل معها ومع أعضاء الجسم كهربائياً بطريقة مماثلة لعمل الخلايا العصبية.
تُصنع أقطابها من مواد متوافقة حيوياً مثل التنغستن والسيليكون والبلاتينيوم الإيريديوم أو الفولاذ المقاوم للصدأ. ويُعتقد أن تُصنع مستقبلاً من مواد أكثر غرابة مثل ألياف الكربون النانوية (الأنابيب النانوية)، ويوريتان البولي كربونات.
اقرأ أيضاً: دماغ اصطناعي: مهندسو إم آي تي يطوّرون شريحة ذات عشرات آلاف المشابك العصبية الاصطناعية
استخدامات شرائح الدماغ
شرائح الدماغ أدوات طبية مفيدة للغاية، ويمكن استخدامها في دعم الجهاز العصبي، أو معالجته من خلال التدخل الكهربائي النشط. ولكون الدماغ هو العضو الذي يوجّه جميع وظائف الجسم، يمكن عبر شرائح الدماغ التحكم بأي واحدة من هذه الوظائف، وتسجيل النشاط العصبي الأصلي، ما يسمح للباحثين بمراقبة الأنماط التي تتواصل بها الدوائر العصبية السليمة. يمكن أن ترسل الغرسات العصبية أيضاً نبضات كهربائية إلى الخلايا العصبية، وتتغلب على النبضات الأصلية وتجبر الخلايا العصبية على التواصل بطريقة مختلفة.
أمّا علاجياً، فإن أهم استخداماتها يسمى التحفيز العميق للدماغ أو DBS، وفيه تزرع أقطاب كهربائية جراحياً في عمق الدماغ، وتحفّز كهربياً مناطق محددة في الدماغ بهدف الحد من أعراض الاضطرابات المختلفة مثل مرض باركنسون وخلل التوتر وطنين الأذن والصرع واضطراب الوسواس القهري وآلام الأعصاب، والبحث جارٍ عن محاولة استخدامها في علاج متلازمة توريت والاضطرابات النفسية مثل الاكتئاب، وعلاج قصور القلب والسكتة الدماغية والتهاب المفاصل الروماتويدي وداء كرون والصرع ومرض السكري من النمط الثاني والسمنة والصداع النصفي وغيرها.
بالإضافة إلى الاستخدامات الطبية، تستخدم شرائح الدماغ في التجارب على الحيوانات لتسجيل نشاط الدماغ لأغراض علمية وبحثية. وتُستخدم أيضاً لإنشاء واجهات بين الأنظمة العصبية وشرائح الحاسوب والتي تعد جزءاً من مجال بحثي أوسع يسمى واجهات الدماغ والحاسوب.
اقرأ أيضاً: شريحة من السيليكون مُقلّدة لعمل الخلايا العصبية قد تساعد في مكافحة الشلل
الشرائح الدماغية: من البدايات حتى اليوم
أدت أبحاث عديدة في علم وظائف المخ والأعصاب إلى تطوير الشرائح الدماغية، وبدأ ذلك باكتشاف إدوارد هيتسيج وجوستاف فريتش أن التحفيز الكهربائي لمناطق معينة من أدمغة الكلاب يمكن أن تنتج عنه حركات وذلك في عام 1870. وبعد 4 سنوات، أظهر روبرت بارثولو أن الشيء نفسه ينطبق على البشر. وفي بدايات القرن العشرين، بدأ فيدور كراوس في رسم خريطة منهجية لمناطق الدماغ البشري، باستخدام المرضى الذين خضعوا لعملية جراحية في الدماغ.
وفي خمسينيات القرن الماضي، أجرى روبرت ج. هيث تجارب على مرضى لديهم عقلية عدوانية، بهدف التأثير على الحالة المزاجية لهم من خلال التحفيز الكهربائي؛ ومن ثم أظهر خوسيه ديلجادو سيطرة محدودة على سلوكيات الحيوانات والبشر باستخدام التحفيز الإلكتروني، فقد اخترع جهازاً يُزرع في الدماغ لنقل النبضات الكهربائية التي تعدّل السلوكيات الأساسية مثل العدوانية أو الإحساس بالمتعة.
وفي عام 1976، سجل باحثون من المعاهد الوطنية للصحة إشارات من القشرة الحركية للقرود، بالإضافة إلى تسجيل إشارات من الخلايا العصبية المفردة لأكثر من 30 يوماً، وتسجيلات متسقة لأكثر من ثلاث سنوات من أفضل الأقطاب الكهربائية.
وافقت إدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA) لأول مرة على استخدام شرائح الدماغ في عام 1997 لعلاج الرعاش مجهول السبب. وفي عام 2018، تمكن عدة مرضى مصابين بالشلل السفلي بسبب إصابات في النخاع الشوكي من المشي مرة أخرى بمساعدة تحفيز النخاع الشوكي في العمود الفقري.
في أحدث تطبيقات شرائح الدماغ، تمكن باحثون من مساعدة شاب مصاب بالشلل الرباعي وفاقد القدرة على الكلام من كتابة الجمل على شاشة الحاسوب وإظهارها باستخدام أفكاره فقط. أما الأكثر إثارة للجدل، شرائح نيورالينك التي يطوّرها إيلون ماسك.
اقرأ أيضاً: نيورالينك: مشروع إيلون ماسك الجديد الهادف لربط الدماغ البشري بالذكاء الاصطناعي
مستقبل الشرائح الدماغية
لأن الدماغ أكثر أعضاء الجسم أهمية، ليس من السهل إجراء تجارب الشرائح الدماغية بسهولة، ولا يُسمح بتطبيقها إلّا إذا كان الشخص في حاجة طبية شديدة. لذلك يواصل الباحثون جهودهم لابتكار أجهزة أفضل تصل إلى أعماق الجسم مع تأثير أقل على الأنسجة. ويحاولون الحصول على أقطاب كهربائية أصغر لكنها تغطي منطقة أوسع من الدماغ.
حتى اليوم، تمكن الباحثون من صنع غرسات دماغية بحجم الغبار، وأقطاب كهربائية تتسلق الأعصاب مثل الكرمة، وأقطاب كهربائية مصنوعة من مواد مرنة مثل الخيط الإلكتروني النانوي، وأقطاب كهربائية شبيهة بالدعامات يمكنها الوصول إلى الدماغ عبر الأوعية الدموية، وشبكة إلكترونية قابلة للحقن مصنوعة من أسلاك السيليكون النانوية، وأقطاب كهربائية يمكن حقنها في الجسم كسائل ثم تتصلب في مادة شبيهة بالتمدد.
لكن جميع هذه الاختراعات ليست مرنة بدرجة كافية حتى الآن، وذلك ليس لعيوب تقنية، بل لأن الباحثين ما زالوا في حاجة إلى فهم أعمق لفيزيولوجيا الدوائر العصبية، وإلى خرائط لكيفية تواصل الخلايا العصبية، والتأثيرات المحددة لهذه الدوائر على الجسم والدماغ.
اقرأ أيضاً: مستقبل الدواء: ماذا تعرف عن شرائح أعضاء الجسد؟
الوجه الآخر للشرائح الدماغية
كغيرها من وسائل العلاج، توجد للشرائح الدماغية آثار جانبية. على سبيل المثال، يعاني بعض مرضى باركنسون المعالَجين بها من اللامبالاة والهلوسة والمقامرة القهرية وفرط الرغبة الجنسية والضعف الإدراكي والاكتئاب. ومع ذلك، تُعد هذه الأعراض مؤقتة وتتعلق بالتثبيت الصحيح للمحفز ومعايرته وبالتالي يمكن عكسها.
من جهة أخرى، يرى البعض أن شرائح الدماغ غير آمنة، ويقول البعض الآخر إن الغرسات ستحوّل البشر لكائنات إلكترونية. كما يُخشى من إمكانية استخدام الغرسات للتحكم بالتفكير، وتغيير تصور الإنسان للواقع.