قوة التكنولوجيا: السر وراء صعود شركات التكنولوجيا المالية

3 دقائق
التكنولوجيا المالية
حقوق الصورة: إنفورماشين إيج.

في السنوات القليلة الماضية، احتلت تكنولوجيا البلوك تشين عناوين الأخبار، وأثبتت أن ابتكار واحدة من التكنولوجيات المزعزعة بإمكانه أن يحدث هزة كبيرة في فضاء الخدمات المالية. غير أن الحقيقة أكبر من ذلك بكثير. وفي الواقع، فإن نضج تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي قد رفع استخدام التكنولوجيا في المجال المالي إلى مستوى جديد من الابتكار.

وحتى قبل ظهور وتقدم الذكاء الاصطناعي، كانت شركات الخدمات المالية تجمع كميات ضخمة من البيانات حول عملائها. كما أن معالجة مقادير كبيرة من البيانات لاستنباط منتجات وخدمات جديدة قد أصبحت من الممارسات المعتادة لدى هذه الشركات. ولكن ظهور الذكاء الاصطناعي أدى إلى قفزة نوعية في عدة نواحي مختلفة من هذه الصناعة، وتتراوح ما بين تحسين تجربة العميل، وتسهيل عمليات أكثر فعالية، وصولاً إلى الدخول إلى مناطق غير معروفة من قبل، مثل خدمة التجمعات السكانية التي لا يوجد فيها بنوك.

الشركات المالية التكنولوجية وشركات التكنولوجيا المالية

على النقيض من الكثير من القطاعات، حيث تسعى الشركات الناشئة إلى إزاحة الشركات العريقة عن عرشها، تسعى الشركات المالية التكنولوجية إلى دعم اللاعبين التقليديين في مجال الخدمات المالية، بدلاً من التنافس معهم. يعود هذا جزئياً إلى القوانين، التي وضعت معايير صارمة لأشكال وصيغ المنتجات والخدمات التي يمكن للشركات المالية التكنولوجية أن تقدمها في الأسواق. وقد أدى هذا إلى ظهور طريقة مختلفة في عمل هذه الشركات في القطاع: أي العمل كشركة تكنولوجيا مالية techfin بدلاً من العمل كشركة مالية تكنولوجية fintech. وعلى الرغم من عدم وجود تعريفات متفق عليها، فإن البعض يشير إلى الشركات المالية التكنولوجية على إنها شركة مالية تسعى إلى استخدام التكنولوجيا لتقديم الخدمات المالية بشكل أفضل. وهو ما يتضمن مثلاً قيام البنوك التقليدية بتقديم خدمات بنكية على الهواتف المحمولة، إضافة إلى ما يسمى البنوك الصغيرة، التي تتواجد فقط على الإنترنت.

أما شركات التكنولوجيا المالية فهي شركات تكنولوجية تسعى إلى تقديم خدمات مالية. ويمكننا ملاحظة أن جميع الشركات التكنولوجية العملاقة على مستوى العالم تنشط في مجال المدفوعات. من ناحية أخرى، فإن الشركات الناشئة والشركات النامية تقدم تكنولوجياتها بهدف التغلب على التحديات القائمة ضمن شركات الخدمات المالية الحالية. ومن الأمثلة عليها، مساعدة مزودي خدمات البيع للبنوك على تطبيق التكنولوجيا من أجل أتمتة نطاق واسع من نشاطات معرفة العملاء، وهي نشاطات مكلفة ومرهقة.

استخدام الذكاء الاصطناعي في شركات التكنولوجيا المالية

على الرغم من وجود مجموعة كبيرة من التكنولوجيات التي يمكن للشركات أن تطبقها على الفور لتقديم عروض جديدة لأعمال الخدمات المالية، فإن الذكاء الاصطناعي قد يكون من أهمها. بشكل عام، يمكن للتحول الرقمي أن يحقق قيمة مضافة للشركات بثلاثة طرق: بناء نموذج أعمال جديد، وتحسين تجربة المستهلك، وتحسين كفاءة العمليات الداخلية. ولقد كانت شركات التكنولوجيا المالية التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي مؤخراً نشطةً للغاية في المجالين الأخيرين. وبالفعل، هناك عدد من المجالات التي يمكن لشركات الذكاء الاصطناعي تقديم عروض إلى صناعة الخدمات المالية فيها، وتتضمن:

إدارة الائتمانات / المخاطر للحد من خسارة العوائد؛ حيث تستطيع البنوك التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي أن تستخدم كميات هائلة من البيانات لبناء صورة شاملة عن العميل، وإجراء عملية تقييم المخاطر. وعلى سبيل المثال، تقوم شركة زيست إيه آي في الولايات المتحدة بأتمتة جزء من عملية التقييم الأولي قبل منح القروض باستخدام التعلم الآلي على العملاء، وذلك للمساعدة على اتخاذ قرارات أفضل وتقديم قروض أفضل. والنتيجة: زيادة العائدات، وتخفيض المخاطر، وأتمتة عملية الامتثال للقواعد والمتطلبات. وتقول الشركة إن عملاءها لاحظوا ارتفاعاً في معدلات الموافقة على القروض بنسبة 15%، من دون أي زيادة في نسب التخلف عن السداد.

زيادة انسيابية عمليات اتخاذ القرار؛ حيث تستهدف شركات التكنولوجيا المالية الجزء الرئيسي من العمل، الذي تصعب أتمتته؛ نظراً لانعزال البيانات القائم بين وحدات العمل في شركات الخدمات المالية. ومن الأمثلة على هذا الشركة الكورية أيزن؛ حيث تسعى منصة أباكوس التي تمتلكها هذه الشركة إلى تقديم خدمات مصرفية إلكترونية شاملة تخضع لإدارة الذكاء الاصطناعي، بحيث تربط ما بين الأطراف المختلفة على كامل سلاسل القيمة الرئيسية في عالم الخدمات المالية. وتقوم بأتمتة عملية اتخاذ القرار المتعلقة بالإقراض باستخدام نماذج تنبؤية تعتمد على الذكاء الاصطناعي. يمكن لمكاملة وأتمتة هذه الأنظمة أن تتيح للجهات الفاعلة الجديدة الدخول سريعاً إلى هذا المجال، إضافة إلى عروض جديدة وأفضل في مجال القروض الشخصية وقروض الشركات، والبطاقات الائتمانية، وأسواق التأمين.

نظام ذكاء اصطناعي قادر على الحوار مع البشر لتحسين تجربة العميل؛ قد يعود هذا إلى تجربة فاشلة سابقة في محاولة لإحياء تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي. ومن التطورات المثيرة للاهتمام برنامج تشات فليكس من شركة ثينك باور التايوانية؛ فقد أصبح هذا البوت المخصص للدردشة -والذي أثار ضجة أكبر من حجمه الحقيقي سابقاً- مسلحاً بأساليب متطورة لاستيعاب اللغة الطبيعية، بحيث يفهم أسئلة العملاء بشكل أفضل. فعند الدخول في حوار مع العملاء، تحسب الخوارزمية احتمال تقديمها لجوابٍ مرضٍ للعميل، فإذا كان هذا الاحتمال منخفضاً، أو إذا كشفت الخوارزمية مسحة سلبية في استجابة العميل، تقوم بنقل الاتصال إلى المختصين البشر، الذين سيتولون التعامل مع هذه الحالة. يمكن لهذا التنسيق بين الموظفين البشر وبوتات الدردشة أن يحول هذه البوتات أخيراً إلى مصدر للقيمة، بدلاً من مسبب للإحباطات المتتالية.

وهنا تكمن أعجوبة التكنولوجيا، فمهما حققنا من تقدم، ما زلنا في البداية وحسب. وما زالت الابتكارات الأهم والأفضل أمامنا في المستقبل. ووفقاً لمسار التطور الحالي للذكاء الاصطناعي، فإننا سنشهد المزيد من التحسينات في العمليات الداخلية والتعامل المباشر مع العملاء لسلسلة القيمة للخدمات المالية. وبالفعل، فإن بيانات الأسهم الحديثة لشركة ليمونيد -وهي شركة ناشئة أميركية تستخدم الذكاء الاصطناعي للبيع ومعالجة عمليات التأمين- تبين أن هذه التكنولوجيات تتمتع بإمكانية تسهيل ابتكار وبناء نماذج أعمال جديدة في هذا القطاع. وإذا استطاعت تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وحدها أن تطلق كل هذه الفرص، فقد يؤدي استخدام تكنولوجيا البلوك تشين أخيراً بعد نضجها إلى عدد هائل من الاحتمالات. هذه هي قوة التكنولوجيا.

المحتوى محمي