السرطانات المُعدية لدى الحيوانات تشكّل إنذاراً للبشر

7 دقائق
السرطانات المعدية
حقوق الصورة: كريغ آر جيه دي/ غيتي إيميدجيز.

الأمر أشبه بفيلم زومبي مخيف، حيث يندفع نحوك شخص وهو يصدر صوت هدير ويفتح فمه ويقضم جزءاً من وجهك. بالنسبة لحيوانات شيطان تسمانيا، يعدّ ذلك مجرد جزء عادي من حياتها اليومية. فمثل هذا الاحتكاك العدواني هو أمر روتيني بالنسبة لها. لكن ذلك ينطوي على مخاطر أكثر من مجرد الجرح الناجم عن عضة مؤلمة، فقد أصبحت هذه الحيوانات الجرابية آكلة اللحوم معرضة للخطر الآن بسبب سرطان قابل للانتقال، يسمى مرض "الورم الوجهي الشيطاني"، والذي ينتقل من خلال القتال والعضّ.

نودّ الاعتقاد أن نهاية العالم هي أمر بعيد الحدوث ومستبعد للغاية، فهي من إخراج هوليوود، وتنطوي على قصص تمت كتابتها وإنتاجها بهدف الترفيه. لكن مثل هذه النهايات تحدث حولنا في كل مكان، إلا أنها لا تستهدفنا دائماً. وينطبق ذلك بشكل خاص على الأنواع الحيوانية التي تواجه السرطانات المُعدية. بالإضافة إلى حيوانات شيطان تسمانيا، يشمل ذلك عدة أنواع من الحيوانات ذات الصدفتين (مثل الرخويات وبلح البحر) والكلاب الأليفة المحبوبة.

السرطانات القابلة للانتشار كانت دوماً ناتجة عن تدخل البشر المباشر أو غير المباشر

خلال تاريخ الحياة على الأرض، يبدو أن الأمثلة الثلاثة للسرطانات القابلة للانتقال على نطاق واسع والتي نعرفها تنطوي جميعها على تدخل البشر بطريقة أو بأخرى. يمكن أن تكون هذه الزيادة الوبائية للسرطانات المُعدية لدى العديد من الأنواع الحيوانية نذيراً بحلول نظام بيئي جديد أو غيابه. عادةً ما تبقى خلايا الكائنات الحية لها، فإما أن تظلّ داخل الكائن الحي الذي نشأت منه أو تتعرض للموت والتساقط بطريقة منظمة. وإن تزايد حالات الإصابة بالسرطانات المُعدية هو دعوة للانتباه للتغيرات الهائلة التي أحدثناها في الأنظمة البيئية على مستوى العالم، ودعوة لنا للاعتراف بنهايات الأنظمة البيئية القائمة حالياً على كوكبنا والقيام بشيء حيال ذلك. 

يعدّ السرطان أحد الأمراض التي تطوّرت الكائنات الحية لتكون قادرة على التعامل معه وتثبيطه بشكل جيد، فمنذ نشأة متعددات الخلية وعلى مدى أكثر من 500 مليون سنة، يقوم التطور بانتقاء الكائنات الحية التي يمكنها أن تثبط السرطان. تراقب أجسامنا باستمرار الخلايا الشاذة وتنظم السلوكيات الخلوية حتى لا نتعرّض للوفاة بسبب السرطان. وفي بعض الأحيان، تفشل هذه الأنظمة الخاصة بتثبيط السرطان، مما يؤدي إلى ظهور السرطان وانتشاره داخل الكائن الحي. يحدث السرطان القابل للانتقال عندما تتطور الخلايا السرطانية وتكتسب القدرة على الانتشار إلى كائنات جديدة، وهو أمر نادر من الناحية البيولوجية ويكاد لا يحدث عند البشر أبداً.

عندما يحدث ذلك لدى أي كائن حي، فغالباً ما يكون السبب هو نقص التنوع الجيني بين أفراد تلك المجموعة بالإضافة إلى الاتصال الوثيق الذي يسمح بانتقال الخلايا (من خلال العضّ أو الاتصال الجنسي، على سبيل المثال). بشكل أساسي، يصبح الأفراد الآخرون في هذه المجموعة بمثابة امتداد متجانس جينياً للفرد الأول، مع انتشار الخلايا وسيطرتها، مما يخلق سرطاناً انتقالياً مروّعاً متعدد الأفراد.

تواجه حيوانات المحار، بما في ذلك الرخويات وبلح البحر والصدفيات، وباءً من السرطانات المُعدية المنتشرة عبر المحيط الأطلسي والمحيط الهادئ كذلك. وكشفت دراسة حديثة خلايا سرطانية مُعدية متطابقة جينياً لدى بلح البحر الفرنسي والتشيلي، مما يشير إلى أن هذا السرطان القابل للانتقال قد انتقل لآلاف الأميال عن طريق الماء. وفي بعض المواقع التي قام الباحثون بالبحث فيها، بلغ معدل الإصابة 13 بالمئة. كما شهد المحار أيضاً حالات نفوق هائلة خلال السنوات الأخيرة، حيث وصلت نسبة تعرّضه للموت إلى 90% في بعض الحالات. وأخبرني مايكل ميتزغر، وهو صديق وزميل لي يدرس السرطانات القابلة للانتقال لدى المحار، أن حالات الموت هذه ناتجة على الأرجح عن انتشار السرطانات المُعدية، على الرغم من صعوبة إثبات ذلك بالدراسات الرجعية.

اقرأ أيضاً: تعرّف على العالِم الأميركي مصري الأصل حلمي الطوخي وإنجازاته في الكشف عن السرطان

هل يمكن أن تنتقل هذه السرطانات المعدية إلينا عبر الحيوانات؟

إذا كنت من محبّي المحار مثلي، فقد تتساءل عما إذا كان لا يزال من الممكن تناول بلح البحر اللذيذ من المطاعم المفضلة لديك. الجواب البسيط هو نعم، فالخلايا السرطانية لا يمكن أن تنتشر من المحار إلى البشر.

لكنها يمكن أن تنتشر بسهولة إلى حيوانات المحار الأخرى من نفس النوع. يعيش المحار حياته بطريقة تجعله عرضة للإصابة بالسرطانات المُعدية ونقلها، فهو يتغذى بالترشيح، مما يعني أن الخلايا السرطانية الموجودة لدى أحد حيوانات المحار يمكن أن تشق طريقها إلى الماء ثم تعلَق في مرشحات حيوانات المحار الأخرى. وقد تؤدي طريقتنا في تربية كميات ضخمة من الحيوانات ذات الصدفتين، التي غالباً ما تكون بتربية الأحياء المائية المتجانسة جينياً، إلى توفير ظروف مواتية لانتشار السرطانات المُعدية. علاوة على ذلك، فقد انتشر السرطان على الأرجح عن طريق أنشطة الشحن الدولية، فغالباً ما ينمو بلح البحر على جوانب السفن، وهذا من شأنه أن يمكّن من انتقال الخلايا السرطانية المُعدية من أحد جانبي خط الاستواء إلى الجانب الآخر. (بلح البحر لا ينمو في المياه الاستوائية).

لا تنتشر هذه الخلايا السرطانية المُعدية من أحد حيوانات المحار إلى محار آخر فحسب، بل يمكنها الانتقال من نوع إلى آخر أيضاً، ولكن يحدث ذلك فقط بين الأنواع شديدة القرب من بعضها، بدءاً من أحد أنواع المحار وانتهاءً بنوع آخر منه. وما زلنا لا نعرف العواقب المترتبة على الحيوانات ذات الصدفتين أو الأنظمة البيئية التي تتواجد فيها.

أحد العوامل الأخرى المساهمة في ظهور وانتشار السرطانات المُعدية هو التفاعلات العدوانية أو الجائرة بين الكائنات، وبالتالي تحدث الكارثة التي تواجهها حيوانات شيطان تسمانيا حالياً. بالنسبة لهذه الحيوانات، ينطوي السلوك الاجتماعي "الطبيعي" على مواجهات عدوانية يمكن أن تنتهي بجروح شديدة نتيجة العضّ. نادراً ما تهدد الجروح بحدّ ذاتها حياة الحيوانات، لكن الخلايا السرطانية المُعدية التي تنتقل خلال هذه العملية يمكن أن تكون مميتة. تنمو الأورام المشوِّهة على وجوه تلك الحيوانات التي تكون جميلة عادةً، ويمكن للخلايا السرطانية القابلة للانتقال أن تتقشر وتتساقط في جروح حيوان آخر أثناء القتال وعض الوجه. يمكن أن تصبح هذه الجروح بعد ذلك أرضاً خصبة لتكاثر الخلايا السرطانية المُعدية، والتي يمكن أن تنمو لتصبح أوراماً قاتلة.

 سيساعدنا فهم كيفية تطور هذه السرطانات المُعدية وأسبابها على ضمان عدم ظهورها بين البشر أبداً.

قام البشر عن طريق الخطأ بإثارة العوامل السيئة المؤهبة لهذه المشكلة الغريبة، إذ قتل المستوطنون الأوروبيون مجموعات من حيوانات شيطان تسمانيا في القرن التاسع عشر، ما أدى إلى نقص أعدادها بحيث أصبحت متجانسة تماماً من الناحية الجينية (ما أدى إلى تفاقم حالة التنوع الجيني المنخفض بالفعل والذي غالباً ما يمثل مشكلة للأنواع التي تعيش على الجزر).

 

بالنسبة للخلايا السرطانية القابلة للانتقال بين مجموعة ذات تنوع جيني منخفض، يمكن أن تكون الكائنات المضيفة المحتملة الجديدة شديدة الشبه من الناحية المناعية بالكائنات المضيفة السابقة، مما يسهل كثيراً من سيطرة السرطان القابل للانتقال. وعلى الرغم من التراجع العفوي في حالات قليلة، لا يزال السرطان القابل للانتقال يمثل تهديداً كبيراً لحيوانات شيطان تسمانيا الضعيفة ويضعها على قائمة الأنواع المهددة بالانقراض.

تشكل الكلاب الأليفة نوعاً آخر من الأنواع ذات التنوع الجيني المنخفض وهي معرضة للإصابة بالسرطانات القابلة للانتقال، وخاصةً الأورام التناسلية التي تنتقل عن طريق الكلاب. وكما هو الحال مع سرطانات حيوانات شيطان تسمانيا، ينتشر هذا السرطان الذي ينتقل عن طريق الاتصال الوثيق. يمكن أن يؤدي الاتصال الجنسي عند الكلاب أحياناً إلى حدوث جروح في المنطقة التناسلية. فعندما تحدث هذه العملية، غالباً ما يظل العضو الذكري للكلب عالقاً داخل الأنثى لعدة دقائق بعد ذلك. إذا حاولت الكلاب الانفصال خلال هذا الوقت (أو إذا حاول البشر فصلهم)، فقد يؤدي ذلك إلى حدوث جروح.

وكما هو الحال مع سرطان حيوانات شيطان تسمانيا، يمكن أن ينمو هذا السرطان المُعدي ضمن هذه الجروح الناتجة. ولحسن الحظ، فإن الكلاب المصابة بالسرطان المُعدي تتمتع بمعدل شفاء مذهل يبلغ نحو 90 بالمئة مع العلاج. وتتراجع العديد من هذه السرطانات التي تنتقل عن طريق الكلاب بشكل عفوي حتى دون علاج، لأن الجهاز المناعي يبدأ بامتلاك القدرة على "الكشف" عن الورم الذي لم يكن من الممكن الكشف عنه من الناحية المناعية، حيث تدخل خلايا خاصة تسمى الخلايا الليمفاوية المرتشحة بالورم إلى داخله وتؤدي إلى الكشف عنه. وكما هو الحال مع حيوانات شيطان تسمانيا، من المحتمل أن تكون سرطانات الكلاب هذه ناجمة عن أخطائنا أيضاً. إذ تتمتع الكلاب الأليفة بتنوع جيني منخفض بسبب التكاثر الانتقائي الذي يقوم به البشر لإنتاج سلالات من الكلاب (غالباً ما تكون متقاربة للغاية).

اقرأ أيضاً: تجربة أميركية جديدة تُثبت أمان استخدام تقنية كريسبر في علاج السرطان

هل يمكن أن يقع البشر فريسةً لهذه السرطانات المُعدية؟

ماذا عنا نحن البشر؟ هل نحن معرّضون لكارثة السرطانات المُعدية؟ من الناحية النظرية نعم، ولكن ليس في الواقع. لا يمكن أن يحدث ذلك سوى في حالات نادرة جداً، كأن يكون هناك اضطراب في الجهاز المناعي و / أو يوجد تشابه جيني كبير. وينتقل السرطان أثناء الحمل (وقت تثبيط المناعة) من أم الجنين وكذلك من توأم إلى آخر داخل الرحم. وتحدث السرطانات المُعدية أيضاً في بعض الأحيان نتيجة لعمليات زرع الأعضاء (لكن خطر الوفاة أثناء انتظار العضو أعلى بكثير من احتمال الإصابة بالسرطان من المتبرع بالعضو، لذا فإن هذا الخطر الضئيل ليس سبباً لرفض التبرع بالعضو عند الحاجة إليه). يجب على الذين تلقوا الأعضاء المزروعة أخذ الأدوية المثبطة للمناعة حتى لا يتعرض العضو المزروع للرفض. لكن هذه الأدوية تقلل من آليات الجسم الدفاعية ضد الخلايا الغريبة، والتي تشمل أي خلايا سرطانية ربما تم زرعها مع العضو الجديد.

كما حدثت السرطانات المُعدية أيضاً في حوادث غريبة في الأوساط الطبية والبحثية عندما تم اختراق الجلد (أهم عضو مناعي لدينا)، لأن ذلك يسمح للخلايا الأجنبية بالوصول إلى أنسجة الجسم. يمكن لآليات شفاء الجروح أن تساعد هذه الخلايا السرطانية القابلة للانتقال على الاستقرار في أنسجة الفرد الجديد، لأن الجروح تمتلئ بعوامل النمو وغيرها من الخصائص التي تخلق بيئة يمكن أن تشجع الخلايا السرطانية على التكاثر. على سبيل المثال، أثناء عملية لإزالة سرطان ساركوما، قام جرّاح بجرح يده اليسرى عن طريق الخطأ. وبعد خمسة أشهر، كان هناك ورم ينمو في تلك المنطقة وتم التأكد جينياً من أنه ناجم عن المريض. في حادث غريب آخر أدى إلى انتقال الخلايا السرطانية، قامت عاملة مختبر بوخز نفسها بإبرة تحتوي على خلايا سرطانية غدّية في القولون وأصيبت بالورم. وفي كلتا الحالتين، تم استئصال الورم بنجاح.

نحن البشر محميون في الغالب لأن أجهزتنا المناعية لديها العديد من طبقات الحماية الإضافية كما أننا نتمتع بالتنوع الجيني بشكل لا بأس به. وليس هناك الكثير من الفرص المواتية لانتقال الخلايا السرطانية لأننا لا نقوم بالتواصل العدواني أو العض بشكل خاص.

لكن هذا لا يعني أنه يمكننا تجاهل السرطانات المعدية. إن احتمال خسارة بعض الأنواع بسبب هذه السرطانات ما هو إلا غيض من فيض. قد تشير السرطانات القابلة للانتقال لدى العديد من الأنواع بأننا ندفع أنظمتنا البيئية والكائنات الحية التي تعيش فيها إلى شفا الهاوية البيولوجية، حيث يمكن أن تنهار الخصائص الأساسية للكائنات الحية التي نعتبرها أمراً مسلّماً به، مثل استمرارية خلاياها ووحدتها. من منظور إنساني أكثر أنانية، سيساعدنا فهم كيفية  تطور هذه السرطانات المعدية وأسبابها على ضمان عدم ظهورها بين البشر أبداً. قد لا تكون هذه الكارثة المريعة قد حلّت علينا حتى الآن، ولكن العديد من الأنواع الأخرى تواجه حالياً مصيراً مروعاً بسبب الأنشطة البشرية.

فماذا يمكننا أن نفعل لتقليل المخاطر الناجمة عن السرطانات المعدية ووطأتها ونحن نتقدم نحو المستقبل؟ يمكننا العمل على حماية أنظمتنا البيئية والحفاظ على التنوع الجيني. وربما يمكننا حتى عدم التشجيع على السلوكيات الاجتماعية العدوانية للتأكد من عدم تعرّضنا للعض. وفي الحقيقة، تعدّ كل هذه الاستراتيجيات رائعة للحدّ من مخاطر حدوث نهاية كارثية لأي سبب كان، سواء بالنسبة للإنسان أو المحار أو الحيوانات الجرابية التي تعض وجوه بعضها بعضاً.

مجلة "فيوتشر تنس" هي شراكة بين مجلة "سليت" (Slate) ومركز التفكير "نيو أميركا" (New America) وجامعة أريزونا ستيت، وهي تتمعن في القضايا المتعلقة بالتكنولوجيات الناشئة والسياسات العامة والمجتمع.

المحتوى محمي