السباق لإيجاد علاجات دوائية فعالة لمرض كوفيد-19

6 دقائق
سباق إيجاد علاجات فعالة لكوفيد-19
مصدر الصورة: أوكتافيو باسوس/غيتي إيميدجيز

كان الجهد العالمي لتطوير لقاحات ضد كوفيد-19 انتصاراً علمياً، إلا أن البحث عن علاجات جديدة حقق نجاحاً أقل بكثير.

فبعد مرور أكثر من عام ونصف على الوباء، لا يوجد سوى عدد قليل من الخيارات العلاجية لمرض كوفيد-19، ويبدو أن تأثير المتاح منها على مسار المرض يعد بسيطاً.

قد تكون معدّلات أخذ اللقاح في بعض البلدان الغنية مرتفعة بما يكفي لتحقيق المناعة الجماعية، ولكن لا تزال هناك حاجة ماسة لعلاجات جديدة. ينتشر الفيروس بسرعة في بعض الدول التي لديها وصول محدود إلى اللقاحات. وحتى في المناطق التي تتوافر فيها اللقاحات على نطاق واسع، لا تزال هناك أعداد من الناس الذين لم يأخذوا اللقاح. تقول راشيل كوهين، المديرة التنفيذية الأميركية الشمالية لمبادرة أدوية الأمراض المهملة (DNDi)، وهي عبارة عن برنامج يهدف إلى تطوير أدوية جديدة للأمراض التي تم تجاهلها تاريخياً من قبل شركات الأدوية: "إن الحاجة إلى علاجات لجميع مراحل المرض هي في الواقع أكثر وضوحاً الآن من أي وقت مضى؛ ففي تاريخ مكافحة الأمراض المُعدية، لم يسبق أن شعرنا بالرضا بتوافر مجموعة واحدة فقط من الأدوات".

إن تطوير أدوية جديدة قد يساعد الأشخاص المصابين بالمراحل الأولية من مرض كوفيد على تجنب دخول المستشفى، "خاصة في الأماكن التي تكون فيها وحدات العناية المركزة وقدرة المستشفيات على استقبال المرضى محدودة للغاية"، كما تقول كوهين. وقد يؤدي أيضاً إلى وقاية أولئك الذين يدخلون المستشفى من الوفاة.

يمكن أن تكون العلاجات الجديدة أيضاً بمنزلة أحد البدائل المهمة إذا تعرض فيروس كورونا لطفرات تكفي لتفادي الاستجابة المناعية لدى الأشخاص الذين تلقوا اللقاح. وهناك سبب آخر لمواصلة البحث عن أدوية جديدة. يعدّ فيروس كورونا الحالي هو ثالث فيروسات كورونا التي انتقلت من الحيوانات إلى البشر خلال السنوات العشرين الماضية. يقول مايكل دياموند، عالم الفيروسات في كلية الطب بجامعة واشنطن: "قد لا يكون هذا الفيروس هو آخر فيروس كورونا نشهده".

وتأمل إدارة بايدن في المساعدة على تزويد مخزون الأدوية؛ ففي منتصف شهر يونيو، أعلن المسؤولون أن الحكومة الفدرالية ستخصص 3.2 مليار دولار لاكتشاف وتطوير الأدوية المضادة للفيروسات من أجل التوصل إلى علاجات تستهدف مرض كوفيد-19 والفيروسات الوبائية المستقبلية. وتقول كوهين بأن ذلك مجرد جزء بسيط من أكثر من 10 مليارات دولار أنفقتها إدارة ترامب على تطوير اللقاح من خلال عملية أوبريشن وورب سبيد​​، لكنه لا يزال مبلغاً "ضخماً". كما يجري العمل على عدد من المبادرات الأخرى لتعزيز تطوير مضادات الفيروسات.

موارد متفرقة

لا يوجد سوى عدد قليل من العلاجات المتاحة لعلاج كوفيد-19. بالنسبة للمرضى الذين يعانون من الحالات الشديدة، أظهرت الدراسات أن الدواء الستيرويدي ديكساميثازون يقلل من خطر الوفاة بمقدار الثلث عن طريق تثبيط الاستجابة الالتهابية الموجودة.

وتستهدف علاجات أخرى الفيروس بحد ذاته. حصلت عدة شركات على ترخيص الاستخدام الطارئ للأجسام المضادة وحيدة النسيلة. تعمل هذه الأجسام المضادة المصنعة في المختبر بشكل مماثل للأجسام المضادة الطبيعية، فهي ترتبط بالفيروس وتمنعه ​​من إصابة الخلايا. عندما تم إعطاء الأجسام المضادة وحيدة النسيلة أو الجمع بين هذه العلاجات في وقت مبكر، فإنها قللت من الحاجة إلى دخول المستشفى أو الوفاة بنسبة 70% إلى 87% لدى الأفراد المعرضين لخطر الإصابة بأعراض شديدة أو دخول المستشفى. تكون فعالية هذه الأدوية أفضل لدى المرضى الذين لم يصابوا بحالات شديدة بعد. ومع ذلك، يبدو أن تركيبة الأجسام المضادة من شركة ريجينيرون، وهي العلاج الذي تلقاه الرئيس السابق دونالد ترامب، تساعد أيضاً الأشخاص الذين دخلوا إلى المستشفى بالفعل ولكن أجسادهم لم تنتج أجساماً مضادة خاصة بهم. ففي منتصف شهر يونيو، أعلن الباحثون أنها خفضت الوفيات بنسبة 20% في مجموعة مؤلفة من 9000 شخص شملتهم التجربة. ولم يستفد من ذلك الأشخاص الذين كان لديهم أجسام مضادة طبيعية.

لكن العلاجات بالأجسام المضادة لها عيوبها؛ فهي غالية الثمن ويجب إعطاؤها عن طريق الوريد أو الحقن. وهذا ما يجعلها خياراً سيئاً للعديد من البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل. وقد لا تكون فعاليتها جيدة مع بعض السلالات المنتشرة. وفي الواقع، أوقفت إدارة الغذاء والدواء الأميركية في 25 يونيو توزيع مزيج للأجسام المضادة من شركة ليلي على مستوى الولايات المتحدة؛ بسبب الانتشار المتزايد لسلالتين لا يبدو أنهما تستجيبان لتلك الأدوية.

وتصبح الخيارات أقل حتى عندما يتعلق الأمر بالأدوية المضادة للفيروسات، والتي تثبط قدرة الفيروس على التكاثر. يعدّ دواء ريمديسفير هو الوحيد المعتمد من هذا النوع لعلاج كوفيد-19، ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى أنه كان أحد الأدوية القليلة المرشحة التي تم اختبار سلامتها لدى البشر عندما بدأ الوباء، ولذلك كان له أفضلية عن غيره. لكن مدى فعاليته لا يزال محلاً للتساؤل؛ فقد وجدت بعض الدراسات أنه يقصر مدة المرض، بينما تشير دراسات أخرى إلى أنه ليس له تأثير يذكر. ولا توصي منظمة الصحة العالمية باستخدامه.

علاجات معقدة

تأخر تطوير أدوية مضادة للفيروسات لعدة أسباب؛ فحتى بداية كوفيد-19، لم يكن لدى الشركات الكثير من الحوافز المالية لإنتاج هذه الأدوية. تستهدف مضادات الفيروسات الموجودة فعلاً 10 فيروسات فقط، ونصفها لعلاج فيروس مرض الإيدز. أما حالات العدوى المزمنة فتتطلب علاجات أطول، وبالتالي تؤدي إلى كسب المزيد من المال. يقول جون بامفورث، المدير التنفيذي المؤقت لمبادرة READDI، وهي شراكة بين القطاعين العام والخاص تأسست في جامعة نورث كارولينا في تشابل هيل لتطوير مضادات فيروسات جديدة: "إذا لم يكن هناك سوق واضحة للعلاج، فلن تقوم الشركات بشكل عام بالاستثمار في تلك الأنواع من العلاجات".

كما أن هناك عدد من العقبات العلمية. فلمنع التكاثر، يرتبط الدواء ببروتين أو إنزيم فيروسي أساسي ويمنع نشاطه دون إلحاق الضرر بالخلية المضيفة. ولكن على عكس البكتيريا، تعتمد الفيروسات على الآليات الموجودة داخل الخلايا التي تعيش فيها لنسخ نفسها؛ لذا فهي تمتلك القليل من البروتينات الخاصة بها. وحتى عندما يصادف الباحثون مركباً فعالاً، فإن فعاليته تميل لأن تكون قصيرة الأمد؛ لأن الفيروسات تتطور باستمرار.

يعمل بعض الباحثين -بمن فيهم أولئك المشاركون في مبادرة READDI- على الأدوية التي تستهدف البروتينات الخلوية الضرورية لتكاثر الفيروس. تستهدف معظم مضادات الفيروسات فيروساً واحداً فقط. ويتمثل الأمل في أن تكون هذه المركبات فعالة ضد عائلات فيروسية بأكملها. وقد تكون أيضاً أقل احتمالاً لتطوير المقاومة.

لكن تطوير العلاجات الجديدة يستغرق وقتاً أطول. وهذا هو السبب في أن أسرع طريقة للحصول على الأدوية هي إعادة استخدام المركبات التي تمت الموافقة عليها بالفعل لهدف آخر. فقد تم اختبارها للتأكد من سلامتها، وهناك عدد أقل من العقبات التنظيمية للحصول على موافقة لاستخدام جديد لدواء موجود. تقوم مبادرة أدوية الأمراض المهملة (DNDi) باختبار مجموعة متنوعة من المركبات الموجودة في تجربة سريرية تسمى (ANTI-COV). تبحث أحدث دراسة في الجمع بين دواء نيتازوكسانيد المضاد للطفيليات مع الأدوية الستيرويدية التي يتم استنشاقها. وتقول كوهين: "الرأي المتفق عليه الذي بدأ يظهر هو الحاجة إلى مضاد فيروسات قوي أو مجموعة من مضادات الفيروسات ذات آليات عمل مختلفة، والجمع بينها وبين بعض أنواع مضادات الالتهاب".

يهدف برنامج بايدن المضاد لفيروسات الأوبئة إلى تسريع اختبار 19 دواءً مضاداً للفيروسات يتم تطويرها الآن. كما سيوفر حوالي مليار دولار لإنشاء برنامج لاكتشاف الأدوية للبحث عن مركبات لا يمكنها علاج فيروس كورونا فحسب، ولكن غيره من الفيروسات الأخرى أيضاً. كما أعلنت الإدارة أنها ستشتري ما يصل إلى 1.7 مليون جرعة من دواء مولنوبيرافير المضاد للفيروسات من شركة ميرك مقابل 1.2 مليار دولار، وذلك بانتظار الحصول على تصريح الهيئات التنظيمية. كان الباحثون يخططون لأن يكون هذا الدواء علاجاً للأنفلونزا، ولكن عندما بدأ الوباء، كان عليهم أن يغيروا مسار خططهم. ونجح المركب بالفعل في اجتياز المرحلة الثانية من الاختبار لعلاج كوفيد-19.

وقد تحالفت أكثر من 20 شركة في مجال التكنولوجيا الحيوية والأدوية معاً لتشكيل تحالف (INTREPID) لتقديم 25 دواءً جديداً مرشحاً في مرحلة متأخرة من التجارب؛ وذلك لاستهداف العوامل الممرضة الفيروسية التي تشكل أكبر المخاطر الوبائية، بما فيها فيروسات كورونا. وهناك اتحاد دولي يسمى (COVID Moonshot) ويضم علماء من الأوساط الأكاديمية وشركات التكنولوجيا الحيوية والدوائية، الذين يعملون بشكل تطوعي أو مأجور لتطوير أدوية لتثبيط أحد إنزيمات فيروس كورونا. يعتمد المشروع على التمويل والتعهيد الجماعيين. ويمكن لأي شخص إرسال تصميم لدواء واستعراض التصاميم التي تم تقديمها بالفعل. وحتى 28 يونيو، جمع المشروع 17,976 تصميماً جزيئياً، وقام بتركيب واختبار ما يقرب من 1,500 تصميم منها.

قد لا تظهر نتيجة كل هذه المبادرات الجديدة لسنوات. لكن الأمل يتمثل في أننا سنكون أكثر استعداداً عندما يبدأ الوباء القادم. وتقول كوهين: "علينا أن نوقف دورة الإهمال التي يليها الذعر".

وصول غير متكافئ

ظهرت تفاوتات واسعة في عمليات طرح لقاحات كوفيد؛ ففي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، حصل أكثر من 45% من السكان على اللقاح. أما في جمهورية الكونغو الديمقراطية وتشاد، فلم يحصل عليه سوى أقل من 0.1% من الناس. وعندما تكون تغطية اللقاح منخفضة، يمكن أن ينتشر الفيروس بسرعة. وتقول كوهين: "إننا نشهد أزمات متصاعدة في شبه القارة الهندية وفي أميركا اللاتينية، وفي أفريقيا خلال الأسابيع القليلة الماضية". هذه هي المناطق التي هي في أمسِّ الحاجة إلى علاجات جديدة، إلا أنها عبرت عن قلقها من أن أي علاجات جديدة يتم تطويرها لن تصل إلى هذه البلدان.

تفكر مبادرة (READDI) في هذا الأمر. ويقول بامفورث: "عند ترخيص دواء ما، فربما سنضع في العقد بعض العبارات بشأن الوصول العالمي. لا بدّ من التأكد من أن هذه الأدوية هي في متناول جميع البلدان في العالم، وليس فقط الدول الرأسمالية التي يمكنها تحمل كلفتها".

المحتوى محمي