تقدم عقرب ساعة يوم القيامة، التي كانت تراقب المخاطر الوجودية التي تهدد البشرية منذ فترة ما بعد الحرب العالمية، خطوة أخرى نحو منتصف الليل الرمزي للكارثة العالمية. والآن تفصلنا 89 ثانية عن نهاية العالم!
89 ثانية تفصلنا عن الهاوية
عام 1945، وخلال الحرب الباردة، أسس ألبرت أينشتاين وعلماء أميركيون شاركوا في بناء أول قنبلة ذرية، منظمة غير ربحية تُعرف بـ ""النشرة العلمية للعلماء الذريين" (The Bulletin of the Atomic Scientists)، ثم أنشأوا عام 1947 ساعة يوم القيامة وهي تمثيل لاحتمال وقوع كارثة عالمية تهدد الوجود البشري، من التهديدات المتمثلة بالأسلحة النووية وتغير المناخ والتقنيات التكنولوجية المدمرة، إذ كلما اقتربنا من منتصف الليل، زاد مستوى التهديد المتصور لبقاء البشرية. وعلى العكس من ذلك، يشير الابتعاد عن منتصف الليل إلى انخفاض التهديدات العالمية.
اقرأ أيضاً: سؤال صعب: مَن يتحمل مسؤولية التغيّر المناخي؟
في 28 يناير/كانون الثاني 2025، أعلن مجلس العلوم والأمن التابع لمجلة "النشرة العلمية للعلماء الذريين"، خلال مؤتمر صحفي في معهد الولايات المتحدة للسلام في واشنطن، تقديم عقرب ساعة يوم القيامة إلى ما قبل الثانية عشرة بـ 89 ثانية، وهو أقرب بثانية واحدة من منتصف الليل على ساعة يوم القيامة عن العام الماضي. يُذكر أنه لم يتقدم العقرب أبداً إلى هذا الحد خلال تاريخ "ساعة يوم القيامة" الممتد لـ 78 عاماً. بعبارة أخرى، أصبحنا أقرب إلى "منتصف الليل" أو "التدمير الذاتي على يد البشر"، أكثر من أي وقتٍ مضى.
يعود إنشاء "ساعة يوم القيامة" إلى عام 1947، عقب إلقاء القنبلتين الذريتين على هيروشيما وناغازاكي. في ذلك الوقت، ضبط العلماء المؤشر على 7 دقائق إلّا 12 ثانية، قبل منتصف الليل. ومنذ ذلك الحين، يحدّث العلماء توقيت "ساعة يوم القيامة" مرة واحدة سنوياً، استجابة للأحداث الجيوسياسية والتقدم العلمي، إذ غالباً ما تزامنت التعديلات المهمة مع الأزمات الجيوسياسية الكبرى أو الاختراقات التكنولوجية.
على سبيل المثال، عام 1953 وخلال فترة التوتر المتصاعد في الحرب الباردة، وأزمة الصواريخ الكوبية والتسلّح النووي، كانت الساعة تشير إلى دقيقتين قبل منتصف الليل. بينما عادت العقارب إلى الوراء إلى أبعد ما يكون عن منتصف الليل (17 دقيقة) بعد انتهاء الحرب الباردة عام 1991، وتخفيض الولايات المتحدة وروسيا ترسانتيهما النوويتين، وتوقيعهما على معاهدة الحد من الأسلحة الاستراتيجية، والمعروفة باسم "ستارت". في عام 2020، قدمت الساعة إلى 100 ثانية قبل منتصف الليل أول مرة، بسبب خطرين وجوديين متزامنين، هما الحرب النووية وتغيّر المناخ، واقتربت عام 2023 إلى 90 ثانية إثر غزو روسيا لأوكرانيا.
اقرأ أيضاً: كيف سيؤثّر فوز ترامب في جهود مكافحة التغيّر المناخي؟
العوامل الحالية المؤثّرة في تعديل وقت ساعة القيامة
أشار العلماء إلى أن التعديل الأخير على ساعة يوم القيامة يعكس المشهد العالمي المتزايد الخطورة حالياً، والناجم عن العديد من العوامل، أهمها:
- التهديدات النووية: أعاد الصراع المستمر في أوكرانيا إشعال المخاوف المحيطة بالحرب النووية. ودق الموقف الروسي وانسحاب روسيا من معاهدة ستارت، ناقوس الخطر ليس فقط بين الدول الأوروبية، ولكن أيضاً على مستوى العالم، بالإضافة إلى النمو المتزايد للترسانة النووية الصينية، وتخلي الولايات المتحدة عن دورها الحذر، وتبني موقف يعزّز الاعتقاد بأن الاستخدام "المحدود" للأسلحة النووية يمكن إدارته.
- دمج الذكاء الاصطناعي في التطبيقات العسكرية: يفرض التقدم السريع لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي تحديات فريدة للأمن العالمي. مع تسابق الدول لتطوير القدرات العسكرية التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي؛ من الطائرات بدون طيار ذاتية القيادة إلى أدوات الحرب السيبرانية المتقدمة، حيث تزداد المخاوف بشأن المدى الذي سيُسمَح فيه للآلات باتخاذ أو دعم القرارات العسكرية، وعواقبها المحتملة، فقد تتخذ أنظمة الذكاء الاصطناعي القرارات بشكلٍ أسرع، ما يمكن للمشغلين البشريين التدخل فيه، ما يؤدي إلى سيناريوهات تتصاعد فيها الصراعات دون إشراف بشري كافٍ. وما يزيد المخاوف، إلغاء الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب، الأمر التنفيذي الذي وقّع عليه سلفه جو بايدن، والذي هدف إلى تقليل مخاطر الذكاء الاصطناعي على الأمن القومي والاقتصاد والصحة العامة أو السلامة.
- التغيّرات المناخية: يُعدّ تغيّر المناخ أحد أكثر عوامل الخطر المهددة للجنس البشري، وهي أزمة تهدد البشر، فقد كان عام 2024 الأكثر سخونة على الإطلاق، بسبب الأحداث الجوية المتطرفة، من حرائق وفيضانات وأعاصير مدارية وجفاف وحرائق غابات أدّت إلى درجات حرارة غير مسبوقة. علاوة على ذلك، تراجعت مكافحة التغيّرات المناخية ضمن أولويات الدول المستثمرة في استراتيجيات الحد من الاحتباس الحراري والانبعاثات الغازية، كما في انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس لتغيّر المناخ. قال رئيس مجلس العلوم والأمن في المجلة، دانييل هولز: "رغم النمو المذهل في طاقة الرياح والطاقة الشمسية، فإن العالم لا يزال يفتقر إلى ما هو ضروري لمنع أسوأ جوانب تغيّر المناخ".
- الأمراض المعدية: بعد تجربة كوفيد-19 أصبح الناس أكثر تشكيكاً في نصائح المسؤولين الصحيين، وخاصة فيما يتعلق باستخدام العلاجات الطبية للسيطرة على الأمراض، وتزايد القلق والمخاوف بشأن وجود مختبرات لإجراء تجارب على مسببات الأمراض في أنحاء العالم كافة، وإساءة استخدام الذكاء الاصطناعي في البحث البيولوجي. اليوم، يحتاج القادة إلى العمل معاً لإنشاء مصادر موثوقة للمعلومات، والإبلاغ عن التغييرات في أنماط الأمراض مع تغيّر المناخ، والحد من عدد المختبرات غير الآمنة وبرامج الأسلحة البيولوجية.