ذكر سام ألتمان الرئيس التنفيذي لشركة أوبن أيه آي أن المستخدمين الذين يقولون "من فضلك" و"شكراً" لبوت الدردشة تشات جي بي تي يكلّفون شركته عشرات الملايين من الدولارات. جاء ذلك في معرض رده على سؤال أحد المستخدمين عن مقدار الطاقة المهدرة في معالجة هذه العبارات المهذبة عبر ملايين التفاعلات اليومية.
وعلى الرغم من أن الشركة نفسها ليست حريصة دائماً على ذكر المسائل المتعلقة باستهلاك تشات جي بي تي للطاقة في عمليات التدريب أو الاستدلال، فإن رد سام ألتمان الغامض نوعاً ما أثار عاصفة من التحليلات والتخمينات والأسئلة المتعلقة بكيفية التعامل معه، كما أن هذا الرد الغامض منه قد يكون طريقة غير مباشرة لتشجيع المستخدمين على التفاعل الجيد بغرض تحسين تدريب تشات جي بي تي، فهل صحيح أن طريقة تفاعلك مع تشات جي بي تي تؤثّر في تكلفة تشغيله بالفعل وفي تدريبه المستقبلي؟
لماذا يتعامل بعض المستخدمين مع بوتات الدردشة مثل تشات جي بي تي بلطف؟
يستخدم الكثير منا بوتات الدردشة المدعومة بالذكاء الاصطناعي التوليدي يومياً، وبصورة أساسية إلى حد ما في طلب المساعدة. لكن بعض المستخدمين أصبحوا أكثر تعلقاً بها وشكّلوا اتصالاً عميقاً معها ويتحدثون إليها بصورة طبيعية مثل محادثاتهم مع أصدقائهم أو أفراد الأسرة.
من ناحية أخرى، في حين أن بوتات الدردشة المدعومة بالذكاء الاصطناعي التوليدي لا يمكنها إبداء العواطف، فإن طبيعة ردودها الشبيهة بردود الإنسان وتفاعلاته تدفع البعض بشكلٍ غريزي لاستخدام عبارات أكثر لطفاً مثل "شكراً لك" و "من فضلك"، خاصة إذا تمكن بوت الدردشة بالفعل من حل مشكلة معقدة له.
إذ وجدت دراسة أجراها معهد إم آي تي (MIT) بالتعاون مع شركة أوبن أيه آي أن بعض الأشخاص قد يصبحون معتمدين عاطفياً أو حتى مدمنين على تشات جي بي تي، حيث إن السلوك الشبيه بالإنسان التي تتصف به بشكلٍ متزايد يعمل على زيادة الإدمان والتبعية لدى المستخدم.
اقرأ أيضاً: الحالة الغريبة للشاب الذكي الذي ضاعت منه الكلمات بسبب تشات جي بي تي
كيف تُكلّف العبارات المهذبة شركة أوبن أيه آي ملايين الدولارات؟
على الرغم من أن رد سام ألتمان فُسِّر على نطاقٍ واسعٍ على أنه فكاهي، لكنه لم ينفِ الفرضية الأساسية القائلة إن اللباقة تزيد تكاليف التشغيل، لأن تشات جي بي تي وبوتات الدردشة الأخرى كلّها تعمل على معالجة النصوص بتقسيمها إلى رموز مميزة (Tokens)، إذ إن كل كلمة أو علامة ترقيم أو جزء من كلمة تُشكَّل رمزاً مميزاً، ما يعني أنه كلما زادت عدد الرموز المميزة في المطالبة زادت الموارد الحاسوبية اللازمة لمعالجتها.
ومن ثَمَّ مع تفاعل مئات الملايين من المستخدمين، فإن حتى الكميات الضئيلة من الطاقة لكل تفاعل تُضاف إلى تكاليف باهظة بمرور الوقت. على سبيل المثال، أصدرت جوجل عام 2024 تقريراً كشف أن مستويات انبعاثات غازات الاحتباس الحراري قد ارتفعت بنسبة 48% منذ عام 2019، وعزت الزيادة بشكلٍ مباشرٍ إلى الطاقة التي تستهلكها مراكز البيانات التي تدير خوادم أدوات الذكاء الاصطناعي.
من ناحية أخرى، وفقاً لتقرير صدر في مايو 2024 عن معهد أبحاث الطاقة الكهربائية الأميركي (EPRI)، فإن إجابة سؤال واحد تتطلب من تشات جي بي تي استهلاك طاقة تصل إلى 10 أضعاف التي تستهلكها محركات البحث التقليدية، كما وجد تقرير لشركة الاستشارات المالية بيست بروكر (BestBrokers) أن تشات جي بي تي يحتاج إلى نحو 1.059 مليار كيلوواط/ ساعي من الكهرباء في المتوسط كل عام أي، إنفاق سنوي يبلغ نحو 139.7 مليون دولار على تكاليف الطاقة وحده.
كما تستهلك بوتات الدردشة المدعومة بالذكاء الاصطناعي التوليدي كميات كبيرة من الماء المستخدم لتبريد الخوادم التي تُنشئ البيانات. على سبيل المثال، أظهر بحث أجرته جامعة كاليفورنيا أن تشات جي بي تي يستهلك نحو 1,408 مل أو نحو ثلاث زجاجات متوسطة الحجم لإنشاء نص رسالة بريد إلكتروني مكون من 100 كلمة، بينما يستهلك نحو 40 إلى 50 مل لإنشاء استجابة من ثلاث كلمات.
اقرأ أيضاً: ما الحلول التي يقترحها سام ألتمان لحل مشكلات الطلب المتزايد على الطاقة في الذكاء الاصطناعي؟
هل ما ذكره سام ألتمان دعوة خفية للمستخدمين للمساهمة في تدريب تشات جي بي تي؟
من غير المرجح بحسب العديد من الشواهد أن يكون دافع سام ألتمان الرئيسي هو دعوة لتحسين تشات جي بي تي وتدريبه بشكل غير مباشر لأن:
- كلمة "شكراً لك" لا تُقدّم قيمة تدريبية تُذكر: في حين تُسهم تفاعلات المستخدم في تدريب تشات جي بي تي بالفعل، إلّا أن العبارات البسيطة مثل "شكراً لك" و"على الرحب والسعة" لا تُقدّم معلومات جوهرية لتحسين فهم النموذج للغة الأساسية أو التفكير المنطقي أو القدرات الإبداعية.
- التركيز على التكلفة لا على البيانات: يتناول رد سام ألتمان بشكلٍ مباشرٍ تكلفة التفاعلات المهذبة وتحديداً نفقات الطاقة، ومن ثَمَّ لو كان الهدف جمع المزيد من بيانات التدريب لكان من المُرجّح أن يُركّز على قيمة محتوى المحادثة نفسه لا على كلمات التهذيب واللباقة.
- وسيلة لتسليط الضوء على التكاليف: من المُرجّح أن ادعاء سام ألتمان بأن شكر تشات جي بي تي يُكلّف ملايين الدولارات قد لا يعني بالضرورة حساباً دقيقاً لقيمة كل عبارة "شُكر"، بل قد تكون وسيلة منه لتسليط الضوء على التكاليف التشغيلية الباهظة المرتبطة بتشغيل نماذج لغوية كبيرة مثل تشات جي بي تي، حيث تُسهم حتى تفاعلات المستخدم التي تبدو صغيرة للغاية في إجمالي استهلاك الطاقة.
- رقم تقديري: يُرجّح أن يكون الرقم المحدد "عشرات الملايين من الدولارات" تقديراً وليس كحساب دقيق، ومع ذلك يتفق الخبراء على أن التكلفة التراكمية لمعالجة مليارات الرموز المميزة الإضافية من اللغة المهذبة قد تصل إلى هذا الحجم بسبب انتشار استخدام تشات جي بي تي.
- تحذير لمستخدمي الخطة المدفوعة: نظراً لأن العديد من الخطط المدفوعة في تشات جي بي تي تفرض رسوماً بناءً على عدد الرموز المميزة المستخرجة، فإن إضافة عبارات مهذبة يمكن أن يزيد بشكل طفيف من تكاليف المستخدم.
اقرأ أيضاً: 8 نصائح لتحسين دقة إجابات تشات جي بي تي وتقليل ظاهرة الهلوسة
عامل الآخرين بالطريقة التي تُريد أن تُعامل بها، لكن هل ينطبق ذلك على الذكاء الاصطناعي؟
يؤكد الخبراء أن المطالبات المهذبة يمكن أن تحسّن تجربة المستخدم في الحصول على استجابات أكثر فائدة أو ملاءمة من الناحية السياقية، لأنها قد توجّه بمهارة فهم بوت الدردشة، إذ يذكر مدير التصميم في شركة مايكروسوفت كورتيس بيفرز (Kurtis Beavers) أن المطالبات التي تتضمن لغة محترمة تميلُ إلى تشجيع بوتات الدردشة إلى إنشاء استجابات أكثر كفاءة مشيراً إلى أن بوتات الدردشة تتعلم من المحادثات البشرية، لذا فإن استخدام لغة مهذبة يُسهم في إضفاء طابع إيجابي على ردوده. من ناحية أخرى تشير الأبحاث أيضاً إلى أن استخدام لغة مهذبة يمكن أن يؤدي إلى استجابات أكثر فائدة، فمن خلال تهيئة بيئة إيجابية وتعاونية، تزداد احتمالية حصولك على المعلومات أو المساعدة التي تحتاج إليها.
كما أن اللغة المهذبة مع بوتات الدردشة يمكن أن تساعد المستخدم على اعتياده على استخدام اللغة نفسها عند المحادثات مع البشر، وهي علامة على احترام الذات ويس لبوت الدردشة نفسه وفقاً لعالمة النفس السريري شيري توركل (Sherry Turkle)، حيث تذكر أنه من وجهة نظرها أننا قد نعتاد على استخدام لغة فظة وغير محترمة مع بوتات الدردشة، ثم نتصرف عن غير قصد بالطريقة نفسها مع البشر.
وقد لوحظت هذه الحالة في عام 2018 عندما بدأ بعض الآباء الأميركيين في الشكوى من أن أطفالهم الذين اعتادوا على الصراخ عند إصدار الأوامر للمساعدين الصوتيين أصبحوا يمارسون السلوك نفسه في حياتهم الطبيعية، وهو ما جعل شركات جوجل وأمازون تقدم على معالجة هذه المشكلة، من خلال تقديم ميزات بمسميات مختلفة في أجهزة الصوت الافتراضية التابعة لها لتشجيع الأطفال على استخدام لغة مهذبة عند تقديم الأوامر.
اقرأ أيضاً: هل نستطيع التمييز حقاً بين الأدب البشري وكتابات الذكاء الاصطناعي؟
كيف يمكنك استخدام تشات جي بي تي بشكلٍ يوفّر استهلاكه للطاقة؟
على الرغم من أن استهلاك تشات جي بي تي الطاقة عند تعاملك المهذب معه قد يكون ضئيلاً، فإن تراكمها على مدى الأعوام يمكن أن يزيد البصمة الكربونية لها. ولكن من خلال من خلال الجمع بين الاستخدام الفردي المسؤول والتغييرات المنهجية يمكنك المساهمة في تقليل الأثر البيئي من خلال الممارسات التالية:
- احصر استخدامه في المهام التي يُضيف لك فيها قيمة حقيقة.
- تجنّب استخدامه في حل المسائل غير الضرورية أو العملية.
- استخدمه للمهام المعقدة أو التي تستغرق وقتاً طويلاً.
- اعتمد على محركات البحث التقليدية للاحتياجات الأساسية.
- اختر نماذج أصغر وأكثر كفاءة في استخدام الطاقة للمهام البسيطة.
- خصّص النماذج ذات عدد المعلمات الكبيرة للمهام المعقدة.