هل تتجه روسيا لبيع صادراتها النفطية بعملة البيتكوين؟

5 دقائق
هل تتجه روسيا لبيع صادراتها النفطية بعملة البيتكوين؟
حقوق الصورة: شترستوك. تعديل إم آي تي تكنولوجي ريفيو العربية.

مع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية واتجاه الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها إلى تكثيف العقوبات الاقتصادية التي تهدف إلى خنق الاقتصاد الروسي، بدأ الكرملين في الرد بالمثل مستخدماً سلاحه الأكبر، صادرات الطاقة (النفط والغاز)، بوصف روسيا من أكبر الدول المصدرة لهما ولاعتماد القارة الأوروبية عليها بشكل كبير.

في هذا الصدد، ذكر نائب رئيس لجنة الطاقة الروسية إن بلاده مستعدة لبيع النفط والغاز للدول الصديقة مثل الصين وتركيا بعملاتها الوطنية أو عملة البيتكوين، بينما على الدول الغربية أن تدفع بالعملة الوطنية (الروبل) أو الذهب إذا أرادت شراء الطاقة الروسية.

وأضاف: "قد تختلف مجموعة العملات، وهذه ممارسة عادية، وإذا كانت هناك عملات بيتكوين فسنقوم بالتداول باستخدام عملة البيتكوين". وتشير تصريحات المسؤول الروسي إلى أن البلاد في طريقها لأن تكون أكثر مرونة بشأن استخدام بدائل لليورو أو الدولار الأميركي -العملة المهيمنة في التجارة الدولية- للدفع مقابل صادرات الطاقة الخاصة بها.

وعلى الرغم من أن هذه التصريحات لا تؤكد هذا الخطوة بعد، إلا أنه أثار الكثير من اللغط فيما يخص توجهات التجارة الدولية المستقبلية، فماذا يعني اتجاه روسيا لبيع صادراتها من النفط والغاز بالعملات المشفرة؟ وهل هي خطوة يمكن تحقيقها بالفعل؟

ما هو موقف الحكومة الروسية من العملات المشفرة؟

تعتبر الطاقة من أهم مصادر الدخل بالنسبة لروسيا، ففي عام 2021 حققت البلاد من صادرات النفط والغاز إيرادات وصلت إلى 199 مليار دولار، أكثر من نصفها من الدول الغربية التي تعتمد بشكل كبير على الطاقة الروسية من أجل التدفئة، حيث شكلت واردات النفط الروسي نحو 25% من مشتريات الاتحاد الأوروبي من النفط في عام 2020 وحده.

والآن مع التغييرات التي حصلت بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، يدرك المسؤولون الروس جيداً مدى أهمية الصادرات الروسية من النفط والغاز بالنسبة للدول الغربية، ولكن بيعها بعملة الاتحاد الأوروبي (اليورو) والدولار الأميركي يمكن أن يعرض روسيا للمزيد من الضغط الاقتصادي.

خاصة وأن الدول الغربية، وإن لم تُصرح علناً عن نيتها في وقف استيراد النفط والغاز الروسيين، إلا أنه ومع استمرار الحرب وعدم بروز أي حل في الأفق لهذه الأزمة، أو قيام روسيا بخطوة كبيرة في الحرب الدائرة الآن مثل استخدام الأسلحة الكيماوية، فقد يؤدي ذلك مجتمعاً إلى اتخاذ قرار جماعي بإيقاف استيراد الطاقة الروسية نهائياً.

أو في أسوأ الاحتمالات، فقد تتجه الدول الغربية إلى إيجاد دول أخرى تستورد منها احتياجاتها من النفط والغاز، ما يؤدي إلى عدم الاعتماد بشكل شبه كُلي على صادرات الطاقة الروسية، وهذا يمكن أن يكون بمثابة الضربة القاضية للاقتصاد الروسي.

وقد بدأت مؤشرات خفض الاعتماد على منتجات الطاقة الروسية بالفعل، حيث أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن ومسؤولون أوروبيون عن شراكة جديدة لزيادة شحنات الغاز الطبيعي من الولايات المتحدة وشركائها إلى أوروبا بهدف تقليل اعتماد القارة الأوروبية على منتجات الطاقة الروسية

وبالتالي فإن اتجاه الحكومة الروسية لبيع نفطها بالعملات المشفرة ربما يُمثل حلاً أخيراً للتخفيف من آثار العقوبات الاقتصادية، حيث قال بوتين في عام 2021 إنه يدرك جيداً قيمة العملات المشفرة لكنه أضاف أنه من السابق لأوانه معرفة ما إذا كان يمكن استخدامها في تجارة النفط.

وذكر أيضاً: "أعتقد أن الولايات المتحدة ترتكب خطأ فادحاً في استخدام الدولار كأداة للعقوبات، نحن مضطرون، ليس لدينا خيار آخر سوى الانتقال إلى المعاملات بعملات أخرى، وإن روسيا حريصة على التخلي عن المدفوعات التي تعتمد على الدولار".

ونتيجة لذلك قامت روسيا قبل بدء الحرب بالاعتراف رسمياً بعملة البيتكوين وغيرها من العملات المشفرة في أوائل فبراير الماضي، ومع ذلك فإن التحول للتداول بالعملات المشفرة على مستوى صناعة النفط الحكومية بحسب الخبراء أمر مستبعد بعكس الشركات والأفراد. حيث ذكرت مديرة صندوق النقد الدولي إن الأفراد والشركات الروسية يتجهون إلى العملات المشفرة للتهرب من العقوبات الغربية، بينما يوضح بعض الخبراء أن العملات المشفرة تمثل فرصة لروسيا للتخفيف من تأثير العقوبات الاقتصادية. وبينما يُظهر القطاع الخاص الروسي علامات على التحول إلى العملات المشفرة، إلا أن التحول في القطاع العام، وبالتحديد قطاع النفط، يُعتبر أمراً مختلفاً تماماً.

اقرأ أيضاً: الحكومة الأميركية تمتلك سلاحاً خفياً لمواجهة البيتكوين

أبرز الأسباب التي تجعل استخدام العملات المشفرة في مجال النفط أمراً محفوفاً بالمخاطر

حتى الآن نجد أن العملات المشفرة وعلى رأسها عملة البيتكوين لم تحظَ باعترافٍ من أغلب الدول من حول العالم نظراً إلى تقلباتها الشديدة، إلا أن بعض الدول بدأت تفكر جدياً في اعتمادها كعملة رئيسية في التعاملات التجارية، مثل دولة السلفادور التي أصبحت من أوائل الدول في العالم التي تعتمد عملة البيتكوين بشكل رسمي وقانوني في تعاملاتها التجارية إلى جانب الدولار الأميركي.

ومع ذلك فإن الاتجاه إلى استخدام العملات المشفرة وعلى رأسها عملة البيتكوين في مجال صناعة النفط سيلقى العديد من التحديات منها:

محدودية العملات المشفرة المتوفرة

نسبة لضخامة حجم صناعة النفط، فإن محدودية العملات المشفرة الموجودة الآن تمثل أكبر عائق أمام هذه الخطوة التي ربما قد تقوم بها روسيا، فنقص السيولة النسبي لعملة البيتكوين قد لا يدعم معاملات تجارة دولية بهذا الحجم، حيث لا يتوفر الآن سوى عدد محدود من عملة البيتكوين يصل إلى 19 مليون وحدة، من المجموع الكلي البالغ 21 مليون وحدة بيتكوين.

تقلبات العملات المشفرة غير المتوقعة

 منذ ظهورها شهدت عملة البيتكوين تقلبات كبيرة في أسعارها، حيث لا تستقر في منحى واحد بل كثيراً ما تتأثر بعوامل أخرى أغلبها تكون ناجمة عن شائعات، فتصريح صحفي أو تغريدة على تويتر يمكن أن يرفعا سعرها أو يخفضانه بشكل كبير.

وهذا ما حصل بعد المؤتمر الصحفي لرئيس لجنة الطاقة الروسية، حيث ارتفعت قيمة البيتكوين بما يقرب من 0.3% خلال الـ 24 ساعة اللاحقة للتصريح الصحفي للمسؤول الروسي لتصل إلى نحو 44 ألف دولار أميركي.

الآثار البيئية لتعدين العملات المشفرة

استهلاك تعدين البيتكوين للطاقة له آثار وخيمة على تغير المناخ وتحقيق أهداف اتفاق باريس، لأنه يطلق ما يقدر بنحو 22 إلى 22.9 مليون طن متري من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون كل عام، وهو ما يعادل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن استخدام الطاقة في 2.6 إلى 2.7 مليار منزل لمدة عام واحد، وهذا من شأنه أن تكون له آثار بيئية مدمرة على المدى البعيد.

كما أنه وفقًا لدراسة من جامعة كامبريدج، فإن تعدين البيتكوين حول العالم يستهلك ما يصل إلى 121.36 تيراواط/ساعة في السنة، وهذا أكثر مما تستهلكه دولة الأرجنتين، ويفوق استهلاك شركات جوجل وآبل وفيسبوك ومايكروسوفت مجتمعة.

اقرأ أيضاً: قضية جاك دورسي عديمة الجدوى حول إمكانية أن تكون عملة البيتكوين خضراء

تخوف الحكومات من اعتمادها

حتى الآن لم تقر معظم الدول التعامل بعملة البيتكوين بصورة قانونية أو رسمية باستثناء دولة السلفادور، حيث قامت الصين، التي تعتبر من أكبر البيئات التي تحتضن عمليات تعدين البيتكوين على مستوى العالم، باتخاذ إجراءات صارمة وكثفت جهودها لتضييق الخناق على تعدين العملات المشفرة وتداولها.

بالإضافة إلى ذلك فإن الحكومات حتى الآن متخوفة بشكل كبير من اعتماد العملات المشفرة، لأنها من الممكن أن تلغي دور الحكومات في السيطرة المالية، كما ارتبطت عملة البيتكوين في الفترة الأخيرة بشكل كبير بالمعاملات المشبوهة مثل تجارة السلاح والمخدرات.

وأخيراً، نجد أن خطة روسيا -غير المؤكدة- في استخدام البيتكوين كأساس للدفع مقابل صادراتها النفطية قد تجد ترحيباً خاصة من الدول الموالية لها، وكونها المصدر الأول للغاز الطبيعي على مستوى العالم فإن وضع هذه الاحتمال يجب أن يُؤخذ بشكل جدي حيث إنها الآن تواجه موقفاً اقتصادياً بالغ الصعوبة مع استمرار حزم العقوبات الاقتصادية التي توقعها الولايات المتحدة والدول الحليفة لها.

وبغض النظر عن الآثار البيئية أو غياب التشريعات الحكومية أو أي سبب آخر فإن ذكر المسؤولين الروس لهذا الفرضية الآن مع الحرب الأوكرانية الروسية والعقوبات الاقتصادية المستمرة، من الممكن أن يُجبرها على السير في هذا الطريق، ومن المؤكد أنها ستجد دولاً تتعامل معها بعملة البيتكوين في شراء صادراتها النفطية.

المحتوى محمي