مع بدء الحرب الروسية الأوكرانية في نهاية شهر فبراير الماضي، قامت المئات من الشركات الأميركية والشركات متعددة الجنسيات بتجميد استثماراتها وإغلاق متاجرها وإيقاف المبيعات مؤقتاً في روسيا، ثم عدلت بعض الشركات خططها لاحقاً واتخذت قرار الخروج نهائياً، مثل شركة ماكدونالدز للوجبات السريعة التي تخطط لبيع أعمالها لمستثمر محلي.
ولكن بعض الشركات الأخرى ما تزال تأمل في مواصلة عملها وتوفير خدماتها للمواطنين الروس، على الرغم من المضايقات التي تواجهها من الحكومة الروسية، مثل شركة جوجل الأميركية التي ما تزال تصر على التواجد في الأراضي الروسية على الرغم من مواجهتها لخطر الإفلاس.
اقرأ أيضاً: روسيا اخترقت شركة أقمار اصطناعية أميركية قبل بدء الحرب بساعة واحدة
تصعيد روسي مستمر من العقوبات ضد شركة جوجل
مع بدء الحرب الروسية الأوكرانية بدأ الجانبان باتخاذ خطوات تصاعدية أكثر حدة كُلٍ بطريقته الخاصة، حيث قامت شركة جوجل بتعليق جميع الإعلانات من وسائل الإعلام المملوكة للدولة والمستخدمين في روسيا. ثم أتبعتها بتعليق خدمة جوجل باي للمدفوعات الإلكترونية. وهذا يعني أنه لا يمكن للمستخدمين شراء التطبيقات والألعاب أو إجراء مدفوعات الاشتراك أو إجراء أي عمليات شراء داخل التطبيق في متجر جوجل بلاي في روسيا.
وعلى الجانب الآخر قامت روسيا بمطالبة الشركة مراراً بإزالة المحتوى المحظور والتي ترفض جوجل بشدة القيام به، ونتيجة لهذا قامت الهيئات الروسية بفرض غرامة قدرها "7.2 مليار روبل" (نحو 112 مليون دولار) فُرضت على الشركة في نهاية العام الماضي والتي كان يستحق سدادها قبل يوم 19 من شهر مارس/ آذارالماضي، بسبب فشلها في إزالة المحتوى المحظور على الإنترنت.
وفي شهر أبريل/نيسان الماضي ذكرت قناة تلفزيونية روسية أن محضري الديون صادروا "مليار روبل" (نحو 12 مليون دولار) من فرع جوجل الروسي بسبب فشلها في استعادة الوصول إلى حسابها على يوتيوب.
اقرأ أيضاً: ما هي تداعيات إنشاء روسيا شبكة إنترنت منفصلة خاصة بها؟
كما أدرجت قاعدة بيانات الوكالة الفدرالية الروسية مصادرتين منذ منتصف مارس الماضي دون تحديد المبالغ، بالإضافة إلى غرامات أخرى ورسوم إنفاذ. كما ذكرت تقارير أن الشركة تكبدت خسارة صافية في عام 2021 قدرها 26 مليار روبل وهي أول خسارة للشركة منذ عام 2009.
نتيجة للمضايقات المستمرة ونزيف الخسائر المالية، أصبح قطاع جوجل الروسي معرضاً للإفلاس رسمياً وفقاً لمذكرة من هيئة تسجيل الشركات في روسيا، والتي أفادت أن فرع جوجل الروسي قدم إشعار طلب إفلاس بعد أن استولت السلطات الروسية على حسابه المصرفي، ما يجعل من المستحيل دفع رواتب الموظفين والموردين.
وذكر متحدث باسم الشركة في بيان صحفي: "أعلنا سابقاً أننا أوقفنا الغالبية العظمى من عملياتنا التجارية في روسيا، ولكن أدى استيلاء السلطات الروسية على الحساب المصرفي لشركة جوجل روسيا إلى صعوبة استمرار عملنا في روسيا، بما في ذلك توظيف الموظفين المقيمين في روسيا ودفع أجورهم، والدفع للموردين، والوفاء بالالتزامات المالية الأخرى. وقد نشرت الشركة نتيجة لذلك إشعاراً بنية التقدم بطلب للإفلاس".
هل تتحدى شركة جوجل الحكومة الروسية؟
حتى قبل الحرب الروسية الأوكرانية واجهت شركة جوجل ومعها العديد من شركات التكنولوجيا الغربية، صعوبات كبرى في العمل في روسيا.
كما اتهمت هيئة الرقابة الروسية لمكافحة الاحتكار في عام 2016 شركة جوجل بإساءة استخدام مركزها المهيمن في السوق من خلال مطالبة صانعي الهواتف بتثبيت تطبيقاتها مسبقاً على هواتف أندرويد.
اقرأ أيضاً: جوجل تفشل في تطبيق قوانينها الخاصة المتعلقة بالترويج لتطبيقات التتبع
بالإضافة إلى ذلك لم تمتثل شركة جوجل لمطالبات الحكومة الروسية بشكل كامل على الرغم من موجة الغرامات والعقوبات والمضايقات التي تواجهها في روسيا حتى قبل بدء الحرب الروسية الأوكرانية، على سبيل المثال ذكر تحقيق صحفي أن الحكومة قامت في العام الماضي بتهديد مدير تنفيذي رفيع للشركة لإزالة تطبيق للتصويت تم تطويره من قبل المعارضة.
على الرغم من تقديم إشعار بإعلان إفلاسها والذي قد يترتب عليه إيقاف عملياتها في روسيا، إلا أن شركة جوجل ما تزال مصرة على توفير خدماتها المجانية بما في ذلك البحث ويوتيوب وخدمة البريد الإلكتروني والخرائط ومتجر تطبيقات جوجل بلاي في روسيا، لأن العديد من المستخدمين يعتمدون عليها وفق تعبيرها.
خطوات صغيرة من أجل هدف أكبر
بحسب العديد من المراقبين فإن التقييد والتضييق اللذين تواجههما شركات التكنولوجيا في روسيا يُعتبرات جزءاً من خطة كبرى تم الإعداد لها منذ فترة ليست بالقصيرة، حيث تريد الحكومة الروسية فصل نفسها تماماً عن شبكة الإنترنت العالمية وإنشاء شبكة إنترنت خاصة على غرار ما فعلته الصين التي قامت بحظر معظم المواقع والمنصات الغربية، وتلك التي لا تزال تعمل -ومن ضمنها شركة جوجل- فهي تعمل تحت رقابة وأعين الحكومة الصينية وقوانينها.
وعلى الرغم من أن المنصات الأميركية الرئيسية كانت متاحة مجاناً، إلا أنها عملت تحت تهديد الحظر في أي لحظة، حيث تخضع الإنترنت في روسيا للرقابة منذ سنوات وبالتحديد منذ الانتخابات الرئاسية في عام 2011، خاصة إذا كانت تتناول محتوى يُنظر إليه على أنه ينتقد الحكومة الروسية.
لكن في الفترة الأخيرة سعت الحكومة إلى إحكام قبضتها على الإنترنت، حيث سن المشرعون الروس في عام 2019 قانوناً يُسمى "الإنترنت السيادي" يمنح السلطات الحكومية ووكالات إنفاذ القانون سلطات واسعة النطاق لمحاولة فصل البلاد عن شبكة الإنترنت العالمية.
من خلال مطالبة مزودي خدمة الإنترنت وخدمات استضافة الشبكات بحظر أو تقييد محتوى معين عند الطلب، وتركيب معدات لمراقبة حركة الإنترنت والتحكم المركزي في شبكات الاتصالات في البلاد، وإنشاء "نظام اسم نطاق" (Domain Name System) - اختصاراً DNS- خاص بها والذي يعتبر جزءاً أساسياً من البنية التحتية إذا ما أرادت فصل الإنترنت الخاص بها عن بقية العالم.
والآن مع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، تتطلع روسيا إلى زيادة تقييد الوصول إلى منصات الإنترنت الأجنبية، حيث قامت بحظر منصتي فيسبوك وانستغرام بشكل كامل في شهر مارس/ آذار الماضي. بينما تم تقييد الوصول إلى منصة تويتر بشكل جزئي.
اقرأ أيضاً: ما هي تداعيات إنشاء روسيا شبكة إنترنت منفصلة خاصة بها؟
هل تنجح روسيا في فصل نفسها عن شبكة الإنترنت العالمية؟
على الرغم من جهود الحكومة الروسية وسعيها الحثيث لإنشاء شبكة إنترنت خاصة بالبلاد، إلا أنها ما تزال تواجه صعوبات كبيرة، وهذا يعود إلى عدة عوامل مختلفة منها:
- لا يزال مزودو خدمة الإنترنت يقاومون بشدة ضغوط الحكومة الروسية ويرفضون الامتثال لطلبات التحول إلى "نظام اسم النطاق" الخاص بالحكومة، حيث يفضلون دفع الغرامات على اتخاذ هذه الخطوة.
- اعتماد روسيا من الناحيتين الاقتصادية والتكنولوجية على العالم الخارجي بشكل شبه كامل، ومن ثم فإن محاولاتها لبناء شبكة إنترنت خاصة بها قد تكون صعبة للغاية. بعد أن أصبحت الدولة أكثر اندماجاً وتعتمد أكثر من الناحية الاقتصادية على الوصول إلى شبكة الإنترنت العالمية.
- على عكس الصين، اعتاد ملايين الأشخاص في روسيا على الوصول إلى منصات التكنولوجيا العالمية، وعزلهم تماماً عن تلك المنصات هي خطوة قد تأتي بنتائج وردود فعل عكسية غير متوقعة سياسياً.
- لا تمتلك روسيا بدائل قوية لمنصات التكنولوجيا العالمية، وحتى تلك الموجودة فإنها لا تلقى رواجاً كبيراً مثل البدائل التي أنشأتها الصين التي تُنافس بها نظيراتها من شركات وادي السيليكون.
اقرأ ايضاً: ما هي تداعيات إنشاء روسيا شبكة إنترنت منفصلة خاصة بها؟
ومن ثم نجد إن مساعي الحكومة الروسية لفصل البلاد عن شبكة الإنترنت العالمية ليست سهلة وتواجه العديد من التحديات والصعوبات، خاصة وأن مساعيها هذه تأتي في خضم حرب تخوضها لا يُعرف لها نهاية حتى الآن، حيث لم تقم حتى الآن بحظر جوجل وخدماتها بشكل نهائي، بعد ورود تقارير أن الشركة الأميركية لا تزال تعمل في جميع أنحاء روسيا، ولا تزال خوادمها تعمل هناك.