من الشائع جداً اليوم أن نرى روبوتات مستوحاة من الحيوانات، سواء في الشكل أو في امتلاكها بعض الصفات والخصائص، لكن عالمة إيطالية طوّرت روبوتاً مستوحى من النباتات، يمكنه اختراق التربة وتثبيت المركبات الفضائية على القمر أو الكواكب الأخرى.
روبوت مستوحى من جذور النباتات
نظرت باربرا مازولاي، عالمة الأحياء والمهندسة الإيطالية، إلى عالم النباتات واستوحت منه صنع روبوت قد يعتقد الناس أنه ممل لكونه غير متحرك، وسيكون مختلفاً تماماً عمّا هو شائع، خاصة وأن الحركة صفة مميزة للروبوتات.
لكن الحقيقة مختلفة، فالنباتات ليست ثابتة، وإنما عليك أن تنظر إليها بطريقة مختلفة، إذ ليس عليك أن تنظر إلى الجزء الظاهر من النبات، بل يجب أن تنظر في عمق التربة، حيث يوجد ما يمكن أن يُسمى مجازاً "الجهاز العصبي للنبات"، أي الجذر.
تُثبّت الجذور النبات في التربة بقوة، وتجمع باستمرار المعلومات منها لتحديد الاتجاه الذي ينبغي أن تنمو فيه لتجد العناصر الغذائية، وتبتعد عن التربة المالحة، وتتجنب التداخل مع جذور النباتات الأخرى.
تحفر الجذور التربة ببطء وكفاءة، ولا تتطلب الكثير من الطاقة مقارنة بديدان الأرض مثلاً. لذلك هي نظام تنقيب رائع تحت الأرض، وهو الجزء من النبات الذي استلهمت منه مازولاي روبوتها.
اقرأ أيضاً: ثورة علمية جديدة في الزراعة: أول بذور روبوتية رباعية الأبعاد
كيف يمكن الاستفادة من الروبوت في قطاع الفضاء؟
تواصلت مازولاي مع المجموعة المسؤولة في وكالة الفضاء الأوروبية (ESA) عن استكشاف التقنيات المبتكرة التي تبدو مثيرة للاهتمام ولكنها بعيدة عن التطبيق، وقد أدركت حينها أن مهندسي الفضاء يعانون من مشكلة إرساء المركبات الفضائية المصممة للهبوط على القمر أو الكواكب الأخرى وجمع عينات منها.
تكون قوة الجاذبية على هذه الكواكب أضعف من قوة الجاذبية الأرضية، ومن الصعب أن تبقى المركبات الفضائية ثابتة على سطحها، لذلك يزوّد المهندسون المركبات بأجزاء للتثبيت ومثاقب للحفر، لكن في بعض الحالات تفشل أجزاء التثبيت هذه ما يؤدي إلى توقف المهمة.
وصفت مازولاي وفريقها عام 2008، نظام تثبيت للمركبات الفضائية مستوحى من جذور النباتات، يمكن أن يتكاثر ويُرسَل إلى كواكب أخرى، وذلك بسبب قدرته على الحفر في التربة والتثبت بها.
وتخيلت مع وكالة الفضاء الأوروبية مركبة فضائية تهبط على كوكب يصعب الهبوط عليه، لكن يمكن حفر حفرة صغيرة على سطحه، وإدخال "بذرة" عميقة بدرجة كافية في التربة، بطريقة لا تختلف كثيراً عما يحدث للبذور الحقيقية.
يبدأ الجذر الآلي في النمو عن طريق ضخ الماء في سلسلة من الغرف الصغيرة المعيارية التي من شأنها أن تتوسع وتضغط على التربة، يمكن لمثل هذا النظام الحفر من خلال الغبار أو التربة الرخوة.
يجب أن يكون الجذر قادراً على الشعور بالبيئة تحت الأرض والابتعاد عن الصخور الصلبة.
ترى مازولاي أن المريخ هو الأنسب لتجربة هذا النظام، بسبب جاذبيته المنخفضة والضغط الجوي على مستوى السطح، وتربته الرملية.
لم تكن الفكرة مقبولة في حينها، وكانت بعيدة التحقق لأن التقنية اللازمة لتطبيقها لم تكن متوفرة.
بعد نحو أربعة أعوام، استطاعت مازولاي إقناع المفوضية الأوروبية بتمويل دراسة مدتها ثلاث سنوات من شأنها أن تؤدي إلى روبوت مستوحى من النباتات، اسمه بلانتويد (Plantoid).
اقرأ أيضاً: أوراق نبات اصطناعية تولّد الطاقة من الرياح والمطر
شكل الروبوت وآلية عمله
لم يكن هناك شكل محدد للروبوت، إذ تقول مازولاي: "كان ذلك يعني إنشاء روبوت دون شكل محدد مسبقاً يمكن أن ينمو ويتحرك عبر التربة، روبوت مصنوع من وحدات مستقلة تنظم ذاتياً وتتخذ القرارات بشكل جماعي، لقد أجبرنا ذلك على إعادة التفكير في كل شيء، من المواد إلى الاستشعار والتحكم في الروبوتات".
واجه المشروع تحديين كبيرين: كيفية إنشاء روبوت متنامٍ، وكيفية تمكين الجذور من جمع المعلومات ومشاركتها واستخدامها لاتخاذ قرارات جماعية.
لمواجهة هذين التحديين، صمم الفريق جذور الروبوت على شكل هياكل أسطوانية مرنة ومفصلية مع آلية تشغيل يمكنها تحريك طرفها في اتجاهات مختلفة، كما صمم آلية نمو فعلية، وهي في الأساس طابعة ثلاثية الأبعاد مصغرة يمكنها باستمرار إضافة مادة خلف طرف الجذر، وبالتالي دفعه إلى التربة.
تشرح مازولاي آلية العمل، وتقول: "يتم لف سلك بلاستيكي حول بكرة موجودة في الجذع المركزي للروبوت ويتم سحبه باتجاه الطرف بواسطة محرك كهربائي، يدفع محرك آخر السلك إلى ثقب يسخن طبقة بلاستيكية تلتصق بالطبقة القديمة، خلف طرف الجذر، يتم تثبيت الطرف على محمل كروي وهو يدور ويميل بشكل مستقل عن باقي الهيكل، ويتم إجبار الفتيل بواسطة لوحات معدنية على الالتفاف حوله، كما يُلف وتر الغيتار".
تدفع الطبقة البلاستيكية الجديدة الطبقة القديمة بعيداً عن الحافة وتلتصق بها. عندما يبرد، يصبح البلاستيك صلباً ويخلق هيكلاً أنبوبياً صلباً يبقى في مكانه حتى عندما تدفعه ترسبات أخرى فوق الألواح المعدنية.
للتوضيح، تشرح مازولاي أيضاً وتقول تخيل أن تلف حبلاً حول عصا ويصبح الحبل صلباً بعد ثوانٍ قليلة من تشكله. يمكنك بعد ذلك دفع العصا أكثر قليلاً، ولف المزيد من الحبل حولها، وبناء أنبوب أطول بالعصا القصيرة نفسها كدعم مؤقت. الطرف هو الجزء الوحيد المتحرك من الروبوت، ويمتد باقي الجذر إلى الأسفل فقط بلطف ويدفع الطرف التربة.
يتم ملء الجذع العلوي وفروع الروبوت بأوراق ناعمة قابلة للطي تتحرك برفق نحو الضوء والرطوبة، لكنها لا تستطيع حتى الآن تحويل الضوء إلى طاقة، لكن أستاذ الكيمياء في المعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا EPFL مايكل جريتزل، طوّر أغشية شفافة وقابلة للطي مليئة باليخضور الصناعي القادر على توليد الكهرباء من الضوء وتخزينها. يأمل الفريق في الاستفادة من هذه الأوراق مستقبلاً لتشغيل الروبوت.
يتميز الروبوت عن المثاقب المستخدمة عادة بأنه لا يؤذي التربة، فهو يبحث عن الشقوق الموجودة فيها حتى ينمو، وإن لم يجد شقوقاً، يضغط التربة برفق ليتمكن من اختراقها.
اقرأ أيضاً: تطوير روبوت مستوحى من قنديل البحر يجمع البلاستيك من المحيط
تطورات أخرى تنتظر الروبوت
يمكن تطبيق هذه التقنية مستقبلاً لتطوير روبوتات استكشاف تعمل في بيئات مظلمة، وفيها الكثير من المساحات الفارغة مثل الكهوف أو الآبار.
يمكن أيضاً الاستفادة منه بغرض المراقبة البيئية، على سبيل المثال، يمكن للجذور الآلية قياس التراكيز المتغيرة للمواد الكيميائية في التربة، وخاصة المواد السامة، أو يمكنها التنقيب عن المياه في التربة القاحلة، وكذلك النفط والغاز. يمكنهم أيضاً الاستفادة من هذه التقنية بتطوير أجهزة طبية جديدة، مثل المناظير الداخلية، أكثر أماناً، فهي تتحرك في الجسم دون إتلاف الأنسجة.
يمكن للروبوتات المستوحاة من النباتات أيضاً أخذ عينات من التربة، وإطلاق مواد كيميائية لجعلها أكثر خصوبة، سواء على الأرض أو على المريخ.