في المستقبل القريب، تهدف وكالات الفضاء من حول العالم لإرسال رواد فضاء في رحلات طويلة إلى القمر والمريخ، لكن أحد أهم التحديات التي تواجههم هو احتمال تعرض أحدهم لوعكة صحية مفاجئة تتطلب تدخلاً جراحياً، لكن لا وجود للجراحين هناك.
أحد الحلول، وقد يكون الحل الوحيد، إرسال روبوتات مبرمجة على إجراء الجراحة عن بعد. وقد طوّر مهندسون من جامعة نبراسكا لينكولن (NIC) هذا الروبوت بالفعل، وهو قيد التحضير حالياً لإرساله إلى محطة الفضاء الدولية، في مهمة اختبار لتقييم قدرته على إجراء التدخلات الطبية في الفضاء.
طوّر الروبوت البروفيسور شين فاريتور وزملاؤه في جامعة نبراسكا لينكولن، وأطلقوا عليه اسم ميرا (MIRA) اختصاراً لـ "مساعد الروبوت المصغر داخل الجسم الحي". ومن المخطط نقله إلى محطة الفضاء الدولية في عام 2024. عمل كلٌ من فاريتور وديمتري أولينيكوف وزملاؤهما على تطوير الروبوت منذ ما يقرب من 20 عاماً، برأسمال تخطى الـ 100 مليون دولار.
وقد منحت وكالة ناسا شركة فيرتشوال إنسيجن (Virtual Incision)، التي أسسها فريتور وأولينيكوف والتي يقع مقرها في جامعة نبراسكا لينكولن، منحة قدرها 100 ألف دولار من خلال برنامج وزارة الطاقة الأميركية لتحفيز البحوث التنافسية (EPSCoR) لمساعدة المهندسين وعلماء الروبوتات على إعداد الروبوت الجراحي للاختبار على متن محطة الفضاء الدولية.
اقرأ أيضاً: شاهد: كتف روبوتية تدرب أنسجة الأوتار المستزرعة بالفتل والشد
قال فاريتور: "بينما يذهب الناس أبعد وأعمق في الفضاء، قد يحتاجون إلى إجراء عملية جراحية في يوم من الأيام. نحن نعمل لتحقيق هذا الهدف".
.@IncisionVirtual's miniaturized robot invented by Nebraska’s Shane Farritor (@ShaneFarritor) is on schedule to blast off into space to showcase its skills. Read more ›› https://t.co/ekk02Qi6Wg #InOurGritOurGlory pic.twitter.com/qZTJwDY4zN
— University of Nebraska-Lincoln (@UNLincoln) August 2, 2022
تعرّف أكثر على الروبوت الجراحي ميرا MIRA
المنصة الجراحية ميرا عبارة عن روبوت محمول يسمح للجراحين بإجراء عمليات جراحية في البطن وذلك بشق واحد (جرح واحد) في السرة باستخدام الأدوات والتقنيات الحالية المألوفة للجراحين، ولا يتطلب غرفة عمليات أو بنية تحتية متخصصة والتي تكون ضرورية عادةً للأنظمة الروبوتية الأخرى.
يعمل الروبوت بأقل قدر من التدخل الجراحي في أي مستشفى أو مركز صحي، ويمكن نقله من مكان إلى آخر بسهولة. يركز في الأساس على استئصال القولون، لكن يعمل المهندسون على تطويره لإجراء عمليات الفتق وإزالة المرارة، واستئصال الطحال، واستئصال الغدة الكظرية، وتكميم المعدة، والمجازة المعدية، واستئصال الرحم، وغيرها في الكبد والبنكرياس والقنوات الصفراوية.
يزن الروبوت أقل من كيلوغرام، وله شكل أسطوانة ذات شقين متحركين في القاعدة، قادران على قطع الأنسجة البشرية وحمل الأشياء وأعضاء من الجسم.
لماذا اُختير ميرا دون الروبوتات الجراحية الأخرى؟
يتمتع الروبوت ميرا بميزات تؤهله للتفوق على الروبوتات الجراحية الأخرى، وذلك لأنه:
- يمكن إدخال أدواته من خلال شقوق صغيرة، ما يسمح للأطباء إجراء عمليات طفيفة التوغل مثل جراحة البطن واستئصال القولون.
- يمكن استخدامه في التطبيب عن بُعد، حيث يمكن للجراحين إجراء العمليات عن بُعد وتقديم الخدمات إلى مواقع بعيدة عن منشأة طبية، مثل الأماكن التي لا تتوفر فيها الخدمات الطبية.
- يمكن للروبوت إجراء العمليات بشكل مستقل، ما يعني أن رواد الفضاء على القمر والمريخ يمكن أن يتلقوا رعاية طبية دون الحاجة إلى جراح بشري.
- يتمتع الروبوت بوزن خفيف، وحجم صغير. يمنحه ذلك ميزة إضافية بالنسبة للجراحين وموظفي المستشفيات، ويجعله مثالياً للاستخدام في المساحات الضيقة في المهام الفضائية طويلة الأمد.
اقرأ أيضاً: نجاح أول عملية جراحية عالية الدقة على الإنسان بمساعدة روبوت متخصص
مهمة الروبوت ميرا في محطة الفضاء الدولية
قال فاريتور: "كانت ناسا داعماً طويل الأمد لهذا البحث، وكتتويج لهذا الجهد، ستتاح لروبوتنا فرصة الطيران في محطة الفضاء الدولية".
لكن ما زال الروبوت في حاجة إلى المزيد من التطوير ليصبح ملائماً لإرساله إلى محطة الفضاء الدولية، وسيعمل المهندسون خلال العام المقبل على ملاءمته للخزانة الصغيرة (بحجم فرن الميكروويف) التي سيوضع فيها أثناء إجراء التجارب، بالإضافة إلى اختبار متانته للتأكد من أنه سيصل سليماً إلى محطة الفضاء الدولية بعد إطلاقه على متن الصاروخ وأن أنظمته ستعمل كما هو متوقع في الفضاء. بعد ذلك، سينتظرون لمدة عام أو نحو ذلك حتى يحصل الروبوت على دوره على متن المحطة.
ستكون التجارب التي سيقوم بها هناك على شكل أنشطة دقيقة تحاكي تلك المجراة في العمليات الجراحية، مثل قطع الأربطة المطاطية المشدودة بإحكام لمحاكاة جرح الجلد، والتلاعب بالأجسام الصغيرة مثل دفع الحلقات المعدنية على طول السلك لمحاكاة العمليات الدقيقة. تكمن أهمية تجارب المحاكاة هذه في البيانات التي ستُجمع أثناء الاختبارات التي ستكون العملية الأكثر استقلالية للروبوت حتى الآن، والتي تهدف إلى الحفاظ على النطاق الترددي لاتصالات المحطة الفضائية وتقليل الوقت الذي يقضيه رواد الفضاء في التجربة.
اقرأ أيضاً: نظارات هولولنز من مايكروسوفت تُمكّن الأطباء من التعاون خلال العمليات الجراحية
ومن أهداف المهمة أيضاً ضبط عمليات الروبوت في حالة انعدام الجاذبية. ستساعد هذه التجارب في التحقق من آلية عمل الروبوت في البعثات المستقبلية طويلة الأمد داخل المدار الأرضي المنخفض وخارجه. وقد قال فاريتور: "لدى ناسا خطط طموحة للسفر الفضائي طويل الأمد، ومن المهم اختبار قدرات التكنولوجيا التي قد تكون مفيدة خلال المهمات التي تُقاس بالشهور والسنوات". ويضيف: "نحن سعداء بأدائه حتى الآن خلال التجارب السريرية. نحن متحمسون لاتخاذ خطوة إلى الأمام والمساعدة في تحديد ما يمكن أن يكون ممكناً في المستقبل حيث أصبح السفر إلى الفضاء أكثر واقعية للبشرية".
وقال جون مورفي، الرئيس التنفيذي لشركة فيرتشوال إنسجن: "نحن نستهل حقبة جديدة من الابتكار لجلب فوائد الجراحة الروبوتية للمرضى في كل مكان"، وأضاف في بيان صحفي للشركة: "تم تصميم منصة "فيرتشوال إنسجن ميرا" لتوفير قوة جهاز الجراحة بمساعدة الروبوت بالحجم الصغير، بهدف جعل الجراحة بمساعدة الروبوت متاحة في أي غرفة عمليات على هذا الكوكب. العمل مع وكالة ناسا على متن المحطة الفضائية سيختبر كيف يمكن لميرا أن تجعل الجراحة متاحة حتى في الأماكن البعيدة".
اقرأ أيضاً: ناسا تستخدم روبوتات تنصُّت من أجل الكشف عن الأخطار على متن محطة الفضاء الدولية
الروبوت ميرا دخل غرف العمليات بالفعل
تُجرى الآن المراحل النهائية من التجارب السريرية قبل أن يحصل ميرا على ترخيص من إدارة الغذاء والدواء الأميركية، وقد أجرى تجارب جراحية سابقة بالفعل.
أول عملية جراحية ناجحة عن بعد
في أغسطس/ آب 2021 أجرى الدكتور مايكل جوبست في مركز بريان الطبي في لينكولن في نبراسكا أول عملية جراحية ناجحة عن بعد في العالم بواسطة الروبوت ميرا، وفيها تم استئصال النصف الأيمن من القولون لمريض، وذلك بإحداث شق واحد فقط داخل السرة. وقال الدكتور جوبست حينها: "ميرا هو ابتكار حقيقي للجراحة العامة، ومن دواعي سروري أن أكون أول جراح في العالم يستخدم هذا النظام. سارت العملية بسلاسة والمريض يتعافى بشكل جيد".
اقرأ أيضاً: كيف دخلت تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي غرف العمليات الجراحية؟
الجراحة الثانية
في التجربة الثانية، شغّل رائد الفضاء المتقاعد كلايتون أندرسون الروبوت ميرا من مركز جونسون للفضاء، وعمل على توجيهه لأداء مهام شبيهة بالجراحة في غرفة العمليات في المركز الطبي بجامعة نبراسكا، من على بعد 1450 كم.