ما هي الروبوتات العاطفية؟ وكيف ستُحدث تغييراً في حياة المصابين بالخرف؟

4 دقيقة
ما هي الروبوتات العاطفية؟ وكيف ستُحدث تغييراً في حياة المصابين بالخرف؟
حقوق الصورة: بيكسلز

منذ فترة وجيزة، كنت أبحث عبر الإنترنت عن كلب روبوتي. فقد أردت شراء هدية عيد ميلاد متأخرة لعمتي، التي شُخصت مؤخراً بالإصابة بمرض آلزهايمر. تشير الدراسات إلى أن وجود حيوان مرافق يمكن أن يخفف المشاعر السلبية التي تصاحب مرض آلزهايمر، مثل الوحدة والقلق والانفعالات. تحب عمتي امتلاك كلب حقيقي، لكن هذا غير ممكن في حالتها.

وهكذا اكتشفت "غولدن بوب" أو "الجرو الذهبي" (Golden Pup) من شركة جوي فور أول (Joy for All). هذا الكلب يميل رأسه، ويرتدي منديلاً أحمر ملفوفاً حول عنقه بصورة أنيقة، وينبح عندما تتحدث، ويهز ذيله عندما تلمسه، وعندما تتحسسه تشعر كأن قلبه ينبض كقلب الكلب الحقيقي. وهو واحد فقط من الكثير من الروبوتات المصممة للأشخاص المصابين بآلزهايمر أو الخرف.

روبوت غولدن بوب مع منديل أحمر

حيوانات روبوتية ترافق مرضى آلزهايمر

يُعد غولدن بوب بسيطاً من الناحية التكنولوجية مقارنة مع الروبوتات الأخرى. ويبلغ سعره في متاجر البيع بالتجزئة 140 دولاراً. أما لقاء 6,000 دولار تقريباً، يمكنك شراء بارو (Paro)، وهو فقمة روبوتية صغيرة وناعمة صُمِّمَت في اليابان، وتستطيع استشعار اللمس والضوء والصوت ودرجة الحرارة والوضعية. ويقول مصنّعو هذه الفقمة إنها قادرة على تطوير شخصيتها الخاصة، حيث تتذكر السلوكيات التي دفعت صاحبها إلى الاهتمام بها.

غولدن بوب وبارو متوفران حالياً في الأسواق. لكن الباحثين يعملون على تصميم روبوتات أكثر تعقيداً بكثير للأشخاص المصابين باضطرابات إدراكية، وهي أجهزة تعتمد على الذكاء الاصطناعي لإجراء المحادثات وممارسة الألعاب. يعمل باحثون من جامعة إنديانا في مدينة بلومينغتون على تعديل نظام روبوتي متاح تجارياً ويحمل اسم "كيو تي" (QT) لخدمة الأشخاص المصابين بالخرف وآلزهايمر. ويبدو الروبوت الذي يعمل عليه الباحثون، والذي يبلغ طوله 60 سنتمتراً تقريباً، أشبه بطفل صغير يرتدي بدلة رواد فضاء. يحمل رأسه المستدير الأبيض شاشة تعرض حاجبين وعينين وفماً لتشكيل مجموعة متنوعة من التعبيرات. يتفاعل الروبوت مع الأشخاص عن طريق الحوار، ويوجه إليهم أسئلة مُوَلدة باستخدام الذكاء الاصطناعي حتى يدفعهم إلى مواصلة الحديث.

نماذج غير كاملة ومخاوف حول الخصوصية

نموذج الذكاء الاصطناعي الذي تستخدمه هذه الروبوتات غير مثالي، شأنه شأن الردود التي تقدمها. ففي إحدى المحادثات الغريبة، قالت إحدى المشاركات في الدراسة للروبوت إن لديها أختاً. ورد الروبوت عليها قائلاً: "يؤسفني سماع ذلك. كيف حالك الآن؟" لكن النماذج اللغوية الكبيرة تشهد تحسناً كبيراً في الوقت الحالي ما سيؤدي بدوره إلى رفع جودة الحوار. عندما رد كيو تي بهذا التعليق الغريب، كان يعتمد على جي بي تي 3 (GPT-3) الذي أطلقته أوبن أيه آي (OpanAI) في 2020. أما النسخة الأحدث من هذا النموذج، جي بي تي 4 أو (GPT-4o)، فهي أسرع وأكثر سلاسة في المحادثات. حيث يمكنك أن تقاطع الحوار، وسيعدل النموذج حديثه وفقاً لذلك.

غير أنه ليس من السهل على الدوام الترويج لفكرة استخدام الروبوتات في الحفاظ على التفاعل والتواصل الاجتماعيين لدى مرضى الخرف. حيث يرى البعض أن هذه الفكرة تمثل تخلّياً عن مسؤولياتنا الاجتماعية. كما أن مخاوف الخصوصية تمثل مشكلة أخرى. فالروبوتات المرافقة الأفضل أداء تحمل طابعاً شخصياً. وتجمع المعلومات عن حياة الأفراد، وتتعرف على ما يحبونه ويكرهونه، وتحدد الوقت المناسب للتفاعل معهم. قد يكون هذا النوع من عمليات جمع المعلومات مثيراً للمخاوف، ليس لدى المرضى فقط بل لدى الطاقم الطبي أيضاً. وقد تحدثت مؤسِّسَة مختبر الابتكار في العناية بالخرف والشيخوخة (Dementia care and Aging lab) أو "آيديا" (IDEA) اختصاراً، في جامعة بريتيش كولومبيا في مدينة فانكوفر، ليليان هونغ، إلى أحد المراسلين الصحفيين حول حادثة وقعت خلال جلسة مجموعة مركزة في أحد مراكز الرعاية. حيث خرجت مع زملائها لتناول الغداء. وعندما عادوا، وجدوا أن أفراد الطاقم فصلوا الروبوت عن التغذية الكهربائية ووضعوا كيساً على رأسه. وقد قالت: "لقد كانوا قلقين بشأن إمكانية تسجيل الروبوت لجلستهم خلسة".

ميزات لصالح الروبوتات

من ناحية أخرى، تتفوق الروبوتات ببعض المزايا على البشر عند استخدامها في التحدث إلى المصابين بالخرف، فلا شيء يعطل انتباهها. كما أنها لا تنزعج أو تغضب عندما يتعين عليها تكرار ما قالته، وهي لا تصاب بالتوتر.

إضافة إلى ذلك، فإن عدد المصابين بالخرف يزداد على نحو يتجاوز عدد الأشخاص القادرين على العناية بهم بكثير. ووفقاً لأحدث تقرير من جمعية آلزهايمر (Alzheimer’s Association)، فسوف نحتاج إلى أكثر من مليون عامل إضافي مختص بالرعاية لتلبية احتياجات المرضى المصابين بالخرف الذين تزايدت أعدادهم خلال الفترة التي تمتد من 2021 إلى 2031. يمثل هذا الفرق أكبر فجوة يسجلها سوق العمالة في الولايات المتحدة بين العرض والطلب على صعيد أي مهنة من المهن.

هل صادف أن ذهبت يوماً إلى مركز مختص برعاية المصابين بمشاكل في الذاكرة وتعاني نقصاً في حجم طاقم العامل؟ أنا ذهبت. غالباً ما يُعطى المرضى عقاقير مهدئة لتسهيل التعامل معهم. وغالباً ما يقَيّدون في الكراسي المتحركة ويُتركون في الممرات. لدينا بالكاد ما يكفي من العاملين في مجال الرعاية للاهتمام بالاحتياجات الجسدية للمصابين بالخرف، ما يعني صعوبة الحديث عن توفير التواصل الاجتماعي وبيئة حاضنة لهم. وقد كتبت كات ماكغوان في هذا المقال الرائع الذي نشرته مجلة وايرد (Wired) عن والديها المصابين بالخرف، والروبوتات الاجتماعية الواعدة، قائلة: "لا يقتصر تقديم الرعاية على العناية بالاحتياجات الجسدية لشخص ما فقط، بل يتطلب أيضاً الاهتمام بالجانب النفسي والروحي لهذا الشخص.

روبوتات تلبي احتياجات نفسية للمرضى

لا يوجد فرق كبير بين احتياجات البالغين المصابين بالخرف وغير المصابين به: فنحن نبحث جميعاً عن الشعور بالانتماء، والمغزى من الحياة، وتحقيق الذات". إذا كان بإمكان الروبوتات المساهمة في إثراء حياة المصابين بالخرف، مهما كانت هذه المساهمة صغيرة، وإذا كانت قادرة على توفير الرفقة والصحبة عند الحاجة إليهما، فهذا أمر إيجابي.

وقد كتب فريق من الباحثين من جامعة كاليفورنيا في مدينة سان دييغو في مقال يعود إلى عام 2021 نشر في مجلة وقائع مؤتمر وي روبوت (Proceedings of We Robot)، يقول: "لقد وصلنا الآن إلى نقطة انعطاف، حيث أصبح تطوير [الروبوتات الداعمة للمهارات الإدراكية] سهلاً وبتكلفة معقولة نسبياً، وذلك لتوفير المساعدة الشخصية للأشخاص المصابين بالخرف، وهو توجه تسعى شركات كثيرة إلى الاستفادة منه مادياً. لكن، من المهم أن نفكر في العواقب بعناية". فثمة الكثير من الروبوتات الأكثر تطوراً التي قد لا تكون جاهزة للاستخدام في الأوقات العصيبة، غير أن غولدن بوب البسيط من الناحية التقنية متاح حالياً.

كان مرض عمتي يتفاقم بسرعة، وهي تصاب بين الحين والآخر بالإحباط وتثور ثائرتها. وآمل بأن ينجح غولدن بوب في تشتيت انتباهها بأسلوب مستحب وباعث على الهدوء. قد يثير مشاعر البهجة لدى عمتي وعمي خلال فترة طالما كانت صعبة ومربكة للغاية بالنسبة إليهما، وقد يخفق في ذلك. من المؤكد أن الجرو الروبوتي ليس مناسباً للجميع. قد لا يكون غولدن بوب كلباً حقيقياً؛ لكنني آمل بأنه سيكون رفيقاً ودوداً ولطيفاً.

المحتوى محمي