لعبة ذكاء اصطناعي من ديب مايند تحطم رقماً قياسياً عمره 50 عاماً

4 دقائق
لعبة ذكاء اصطناعي من ديب مايند تحطم رقماً قياسياً عمره 50 عاماً
مصدر الصورة: إم إس تيك/ إنفاتو

استخدمت شركة ديب مايند (DeepMind) نظام الذكاء الاصطناعي الذي صممته لممارسة الألعاب اللوحية، ألفازيرو (AlphaZero)، لاكتشاف طريقة أسرع لحل مسألة رياضية أساسية في مجال علوم الحاسوب، وتمكنت بهذا من كسر رقم قياس صمد لأكثر من 50 عاماً.

تمثل هذه المسألة، أي ضرب المصفوفات، عملية حسابية أساسية وجوهرية بالنسبة للكثير من التطبيقات المختلفة، بدءاً من عرض الصور على الشاشة وصولاً إلى محاكاة الظواهر الفيزيائية المعقدة. كما أنها أساسية بالنسبة للتعلم الآلي بحد ذاته. وبالتالي، يمكن أن يكون لتسريع هذه العملية تأثير مهم جداً على الآلاف من المهام الحاسوبية اليومية، ما يخفف من التكاليف واستهلاك الطاقة.

يقول الرياضي في جامعة ناغويا في اليابان، والذي لم يشارك في العمل، فرانسوا لوغول: "إنها نتيجة مذهلة حقاً. فضرب المصفوفات مستخدم في الكثير من المسائل الهندسية، واستخدام المصفوفات ضروري في حل أي معادلة بطريقة عددية".

وعلى الرغم من الانتشار الواسع لهذه العملية الحسابية، فهي لا تزال غامضة إلى حد ما. فالمصفوفة عبارة عن شبكة من الأرقام (أسطر وأعمدة)، والتي يمكن أن تمثل أي شيء ترغب فيه. وعادة ما يتضمن ضرب مصفوفتين ضربَ أسطر واحدة منهما (يكون ترتيبها في عملية الضرب أولاً) بأعمدة الأخرى (يكون ترتيبها في عملية الضرب ثانياً). ويتم تعليم الطريقة الأساسية لحل هذه المسألة في مرحلة التعليم الثانوي. يقول رئيس فريق التطبيقات العلمية للذكاء الاصطناعي في ديب مايند، بوشميت كوهلي: "إنها أشبه بالأبجدية الأساسية للحوسبة".

اقرأ أيضاً: مستقبل الذكاء الاصطناعي: رؤية جديدة وجريئة يرسمها أحد كبار خبراء المجال

ولكن الأمور تصبح أكثر تعقيداً عند محاولة العثور على طريقة أسرع. يقول لوغول: "لا أحد يعرف الخوارزمية المثلى لحل هذه المسألة. وهي من أهم المسائل المفتوحة في مجال علوم الحاسوب".

ويعود هذا إلى أن عدد طرق ضرب مصفوفتين ببعضهما يتجاوز عدد الذرات الموجودة في الكون (أي 10 مرفوعة للقوة 33، في بعض الحالات التي درسها الباحثون). يقول المهندس في ديب مايند، توماس هيوبيرت: "إن عدد الخيارات الممكنة يكاد يصل إلى اللانهاية".

كيف يمكن التغلب على ذلك؟

وتقوم الحيلة على تحويل المسألة إلى ما يشبه لعبة لوحية ثلاثية الأبعاد، تحمل اسم تينسورغيم (TensorGame). ويمثل اللوح مسألة الضرب التي يجب حلها، وتمثل كل حركة الخطوة التالية في حل هذه المسألة. وبالتالي، فإن سلسلة الحركات التي تتضمنها اللعبة تمثل خوارزمية الحل.

قام الباحثون بتدريب نسخة جديدة من ألفازيرو، تحمل اسم ألفاتينسور (AlphaTensor)، على لعب هذه اللعبة. وبدلاً من تعلم أفضل سلسلة من الحركات التي يجب تنفيذها في الشطرنج أو لعبة غو، تعلم ألفاتينسور أفضل سلسلة من الخطوات التي يجب تنفيذها عند ضرب المصفوفات. وكان يحصل على المكافأة عند الفوز في اللعبة بأقل عدد ممكن من الحركات.

يقول هيوبيرت، والذي كان أحد الباحثين الأساسيين المشرفين على ألفازيرو: "لقد قمنا بتحويل المسألة إلى لعبة، وهي إطارنا المفضل للعمل".

وصف الباحثون عملهم في ورقة بحثية تم نشرها حديثاً في مجلة نيتشر (Nature). وتتلخص النتيجة الأساسية في أن ألفاتينسور اكتشف طريقة لضرب مصفوفتين بأربعة أعمدة وأربعة أسطر بسرعة تفوق سرعة الطريقة التي طوّرها الرياضي الألماني فولكر ستراسن عام 1969، والتي لم يتمكن أحد من تحسينها منذ ذلك الحين. وتحتاج الطريقة الأساسية التي يتعلمها طلاب المرحلة الثانوية إلى 64 خطوة، على حين تحتاج طريقة ستراسن إلى 49 خطوة. أما ألفاتينسور فقد تمكن من حلها في 47 خطوة.

وفي المحصلة، تمكن ألفاتينسور من التغلب على أفضل الخوارزميات الحالية لمصفوفات من 70 حجماً مختلفاً. فقد تمكن من اختزال عدد الخطوات المطلوبة لضرب مصفوفتين بتسعة أعمدة وتسعة أسطر من 511 إلى 498، كما تمكن من اختزال عدد الخطوات المطلوبة لضرب مصفوفتين بـ11 عموداً و11 سطراً من 919 إلى 896. وفي الكثير من الحالات الأخرى، تمكن ألفاتينسور من إعادة اكتشاف أفضل الخوارزميات الحالية.

وقد تفاجأ الباحثون بالعدد الكبير الذي اكتشفه ألفاتينسور من الخوارزميات الصحيحة المختلفة لكل حجم من المصفوفات. يقول العالم الباحث في ديب مايند، حسين فوزي: "من المذهل أن نعرف بوجود 14,000 طريقة على الأقل لضرب مصفوفتين بأربعة أسطر وأربعة أعمدة".

وبعد أن قام فريق ديب مايند بدراسة أسرع الخوارزميات نظرياً، قرروا تحديد الأسرع من بينها عملياً. ويمكن لخوارزميات مختلفة أن تعمل بشكل أفضل على تجهيزات حاسوبية محددة مقارنة بغيرها، لأن الشرائح الحاسوبية مصممة في أغلب الأحيان لإجراء عمليات حاسوبية محددة. وقد استخدم الفريق ألفاتنسور للبحث عن الخوارزميات المصممة لوحدة معالجة الرسومات إنفيديا V100 (Nvidia V100 GPU) ومعالجات قائمة على وحدة المعالجة التنسورية من جوجل (Google TPU)، وهاتان الوحدتان هما من أكثر الشرائح الحاسوبية استخداماً في تدريب الشبكات العصبونية. وتبين للفريق أن الخوارزميات التي وجدوها أسرع بنسبة تتراوح من 10% إلى 20% في ضرب المصفوفات من الخوارزميات المستخدمة عادة مع هذه الشرائح.

وبالنسبة لعالمة الحاسوب في مختبر علوم الحاسوب والذكاء الاصطناعي في معهد إم آي تي، فرجينيا ويليامز، فإن هذه النتائج مدعاة للحماس. وتشير ويليامز إلى أن الباحثين استخدموا المقاربات الحاسوبية لاكتشاف خوارزميات جديدة لضرب المصفوفات منذ فترة، وأن الكثير من الخوارزميات الحالية الأعلى سرعة تم تصميمها بهذه الطريقة. ولكن لم تتمكن أي من هذه الخوارزميات من التغلب على النتائج القديمة، مثل طريقة ستراسن.

وتقول ويليامز: "إن الطريقة الجديدة مختلفة تماماً عما سبقها، وسيكون من الجيد محاولة معرفة ما إذا كانت هذه الطريقة الجديدة كافية للاستغناء عن جميع الطرق السابقة، أو ما إذا كان بالإمكان جمع هذه الطرق معاً للحصول على شيء أفضل حتى".

اقرأ أيضاً: ابتكار شرائح إلكترونية تعمل بالضوء سيمنح الخوارزميات سرعات جنونية!

تخطط ديب مايند الآن لاستخدام ألفاتنسور للبحث في أنواع أخرى من الخوارزميات. ويقول كوهلي: "إنها طريقة جديدة في إجراء الأبحاث في علوم الحاسوب".

أنا كبير المحررين في مجال الذكاء الاصطناعي في إم آي تي تكنولوجي ريفيو، حيث أغطي الأبحاث الجديدة، والتوجهات الناشئة، والأشخاص الذين يقفون خلفها. وكنت المحرر المؤسس في موقع بي بي سي للتكنولوجيا والمسائل الجيوسياسية فيوتشر ناو (Future Now)، والمحرر التكنولوجي الأول في مجلة نيو ساينتيست (New Scientist). وأحمل درجة الدكتوراة في علوم الحاسوب من كلية لندن الإمبراطورية، كما أمتلك خبرة في العمل مع الروبوتات.

المحتوى محمي