ربما تستطيع حضارة متقدمة أن تقاوم التوسع المتسارع للكون

3 دقائق

يزداد إلحاح بعض المشاكل عن غيرها حين يتعلق الأمر بالتهديدات الوجودية للبشرية؛  فقد أثبتت الدراسات أن المرض، والحروب النووية، والمجاعات، ومخاطر تصادم الكويكبات تحمل جميعاً إمكانية إلحاق الضرر بالمجتمع في عصرنا الحالي، وتقذف هذ التهديدات ببعض الرعب في قلوب الكثيرين وعقولهم.

بيد أن هناك تهديداً ربما يقع في ذيل تلك القائمة، وهو التوسع المتسارع للكون، لكن لم ينظر له -في الحقيقة- على أنه يمثل أي تهديد واضح على الإطلاق حتى الآن.

لكن ذلك قد تغير بعض الشيء حالياً بفضل جهود العالم "دان هوبر" (المتخصص في فيزياء الجسيمات بمختبر "فيرمي" الوطني بمدينة باتافيا، بولاية إلينوي الأمريكية)؛ حيث يشير "هوبر" إلى أننا غير قادرين على دراسة الأمور التي تتجاوز الأفق الكوني (وهو أقصى مسافة يقطعها الضوء ليصل إلينا في عمر الكون)، أو التواصل معها، أو التأثير عليها.

 

 

وقد يكون هناك أشياء كثيرة وراء الأفق الكوني (من نجوم، ومجرات، بل ربما حضارات)، لكن لأن الضوء الصادر منها لا يمكن أن يصل إلينا، فلا يسعنا التواصل معها أو رؤيتها.

لكن الأفق الكوني يتغير، وقد توصل "هوبر" إلى كيفية تأثير ذلك على محيطنا بالكوكب مستقبلاً، وهو ما يطلق عليه علماء الفلك "المجموعة المحلية"، وتلك المجموعة تتألف من ما يقرب من 50 مجرة قريبة من بعضها، وتربطها الجاذبية بمجرة "درب التبانة"، وهي في سبيلها للاصطدام ببعضها البعض في غضون تريليون عام، حينئذ ستشكل مجرة ضخمة واحدة.

وبناءً عليه ستصبح "المجموعة المحلية" مأوى البشرية للمستقبل القريب، وقد نعمرها خلال مليارات السنين بالتنقل بين المنظومات النجمية المختلفة، واستغلال طاقة الشموس على طول الطريق.

ومع ذلك نجد أن توسع الكون المتسارع يُبعد المجرات وراء الأفق بمعدل متزايد؛ يتابع هوبر حديثه قائلاً: "إن نتيجة ذلك أن تسقط النجوم التي تقع خارج "المجموعة المحلية" وراء الأفق الكوني، وذلك على مدار ما يقرب من 100 مليار سنة قادمة، وحينئذ لن تصبح غير قابلة للرصد فحسب، بل لن يمكننا الوصول إليها مطلقاً".

وهذا الأمر يُشكل معضلة بالنسبة لحضارة متقدمة؛ لأنه يحِدُّ من عدد النجوم الجديدة المتاحة لاستغلالها؛ ولذلك نجد أن السؤال الذي يبحث فيه هوبر هو ما إذا كان هناك شيء يمكن لحضارة متقدمة فعله للتخفيف من آثار توسع الكون المتسارع، وقد تبين أن هناك ما يمكن فعله، ولنبدأ أولاً ببعض المعلومات الأساسية.

تنبأ الفيزيائي الأسطوري فريمان دايسون -في الستينيات من القرن الماضي- بأن الحضارات المتقدمة ستحاول جمع أكبر قدر ممكن من الطاقة من شموسها، واقترح أن السبيل الواضح لتحقيق ذلك يكمن في تطويق كل نجم بجسم كروي يمتص الضوء الصادر منه، ومن ثم استغلال تلك الطاقة، وإطلاق الحرارة الفائضة على شكل موجات دون الميلليمتر أو أشعة تحت الحمراء.

وبسبب ذلك أصبحت فكرة "كرة دايسون" مقدسة، وسالت أقلام العديد من مؤلفي الخيال العلمي بالعديد من المجلدات والمؤلفات حول تلك الفكرة، والأهم من ذلك هو بحث علماء الفلك عن التوقيع الإشعاعي المميز الذي يجب عليهم إنتاجه، لكن دون جدوى حتى الآن.

وأضافت أعمال "هوبر" بعداً جديداً للفكرة؛ حيث تبلورت فكرته في أن الحضارة المتقدمة يمكنها أن تنشئ كرة تبعث الأشعة الفائضة صوب اتجاه معين، والتي من شأنها تسريع الكرة -والنجم الذي تحتويه- في الاتجاه المعاكس.

كما ستتمكن تلك الحضارة -بمرور الزمن- من أن تستخدم هذه التقنية في جمع النجوم كمصادر للطاقة، والاحتفاظ بها داخل الأفق الكوني في ظل هذا التوسع.

وهنا يُطرح سؤال مهم، وهو عن نوع النجوم المناسبة لتحقيق هذا الأمر؛ يقول هوبر: إن النجوم الكبيرة عادة تكون أكبر سناً، وتستنزف الطاقة الصادرة منها أثناء محاولة تطويقها، أما النجوم الصغيرة جداً فتنتج طاقة أقل، وليست سريعة في تسارعها؛ فتبقى بذلك داخل الأفق الكوني.

واستنتج هوبر أن النجوم ذات الكتلة المساوية لكتلة الشمس هي الأكثر ملاءمة لهذا النوع من التنقل بين المجرات، وأن تركيز النجوم بهذه الطريقة سيزيد من كمية الطاقة المتاحة للحضارات بمعدل يصل لعدة ألاف، وهذا قد يساعدهم في البقاء لفترة أطول، بخلاف لو لم يحدث ذلك.

وهناك تنبؤ قابل للقياس من أعمال هوبر، وهو أن الحضارات المتقدمة إذا بدأت بالفعل عملية جمع النجوم، فحينئذ ينبغي أن يستطيع علماء الفلك ملاحظته، واختتم قائلاً: "هذه الحضارة يمكن أن تظهر بصورة منطقة يصل قطرها إلى عشرات الفراسخ الفلكية؛ بحيث تُحاط معظم النجوم الأخف من (كتلتين كونيتين)، أو جميعها، ثم تطوَّق بكرات دايسون".

وليس هناك أدنى شك في أن علماء الفلك سيبحثون بشغف عن هذه العلامة المميزة.

ورغم ذلك، تعتمد جهود "هوبر" وأعماله على فرضيتين؛ الأولى أن الحضارة المتقدمة ستسعى لتعظيم الاستفادة من استهلاكها للطاقة، وليس ثمة ما يؤكد هذا الافتراض على الإطلاق؛ إذ ربما تتعلم مثل هذه الحضارات كيفية تدبير أمورها من المصادر التي تملكها، ولا شك في حاجة الأرض لذلك.

والافتراض الثاني هو صحة رأي علماء الفلك في اعتقادهم في توسع الكون بصورة متسارعة، ونكرر أن هذا الافتراض ليس مؤكداً أيضاً.

ويشعر الكثير من الباحثين بعدم تقبلهم لفكرة استمرار توسع الكون إلى الأبد، كما أنهم لا يقبلون بصورة أكبر فكرة أن التوسع يتم بشكل متسارع، ولعل أعظم ما يقلقهم هو أن هذا التسارع يخالف مبادئ قانون بقاء الطاقة، وهو حجر الأساس للفيزياء الحديثة.

ومن الراجح أن الحضارات المتقدمة توصلت لحل تلك المعضلة؛ ولذا فإن غياب "كرة دايسون" في المجموعات التي يتخيلها هوبر ربما تمثل دليلاً على فهم خاطئ لدى علماء الفلك.

المحتوى محمي