شركة ناشئة تصمم نظام ذكاء اصطناعي يجيد قيادة أنواع مختلفة من المركبات

4 دقائق
شركة ناشئة تصمم نظام ذكاء اصطناعي يجيد قيادة أنواع مختلفة من المركبات
مصدر الصورة: ويف

اتخذت شركة ويف الناشئة لتصميم السيارات ذاتية القيادة مقراً لها في لندن، وقد صممت نموذج تعلم عميق يستطيع قيادة نوعين مختلفين من السيارات: سيارة ركاب عادية وشاحنة توصيل صغيرة. وهي المرة الأولى التي يتمكن فيها نظام ذكاء اصطناعي واحد من تعلم قيادة عدة مركبات آلية.

نظام واحد لقيادة عدة أنواع من السيارات 

ويأتي هذا الخبر بعد أقل من سنة على استعراض ويف لنظام الذكاء الاصطناعي الذي قامت بتدريبه على شوارع لندن واستخدامه لقيادة السيارات في أربع مدن أخرى عبر المملكة المتحدة، وهو تحدٍّ يمكن أن يتطلب عادة تعديلات هندسية كبيرة. يقول نائب رئيس شركة ويف للشؤون التكنولوجية جيف هوك: "إن الأمر أشبه باستئجار سيارة أخرى، فأنت ما تزال قادراً على قيادتها أيضاً".

يشير هذا التطور إلى أن مقاربة ويف لتصميم السيارات ذاتية التحكم (AV)، حيث يتم تدريب نموذج التعلم العميق على القيادة بدءاً من الصفر، يمكن أن تساعد على توسيع نطاق العمل بوتيرة أسرع مما تقوم به الشركات الكبيرة في هذا المجال، مثل كروز (Cruise) ووايمو (Waymo) وتسلا (Tesla).

اقرأ أيضاً: هل يتعين علينا تقبّل انتشار السيارات ذاتية القيادة على الطرقات دون أن نميزها؟

إن ويف شركة أصغر بكثير من منافساتها التي تتميز بتمويل أفضل بكثير. ولكنها جزء من جيل جديد من الشركات الناشئة، والذي يتضمن شركات مثل وابي (Waabi) وغوست (Ghost)، وهو جيل يعرف أحياناً باسم "AV2.0"، ويتبع أسلوب التخلي عن عقلية الروبوت التي تعمل الموجة الأولى من شركات السيارات ذاتية القيادة وفقها، وهي عقلية تتلخص بتوجيه السيارات ذاتية القيادة بالاعتماد على خرائط ثلاثية الأبعاد ودقيقة التفاصيل، مع عدة وحدات مستقلة للاستشعار والمسح. ولكن هذه الشركات الناشئة تعتمد على أسلوب آخر، وهو الاعتماد على الذكاء الاصطناعي بالكامل لقيادة السيارة.

تجارب سابقة لسيارات أجرة ذاتية القياة

لقد تمكنت مقاربة الروبوتات من إطلاق سيارات أجرة روبوتية في مجموعة صغيرة من الشوارع في مدينتي فينيكس وسان فرانسيسكو، ولكن بتكاليف هائلة، ودون أي مؤشرات تدل على إمكانية انتشار هذه الخدمات إلى مراحل أخرى تلي المرحلة التجريبية في أي وقت قريب. وتأمل ويف وغيرها من الشركات الناشئة بتغيير هذه الحالة، وتكرار نجاحات التعلم العميق في الرؤية الحاسوبية ومعالجة اللغات الطبيعية في السيارات ذاتية القيادة، ما يسمح لها بالتكيف بشكل أفضل مع الشوارع غير المألوفة والسيناريوهات الجديدة دون الاحتفاظ بخرائط معقدة يجب تحديثها باستمرار أو الاعتماد على أنظمة حاسوبية مبرمجة يدوياً.

لقد زرت مقر ويف في لندن لرؤية الشاحنة الصغيرة الجديدة "ماكسوس إي 9" (Maxus e9) للشركة، والتي ركنتها إلى جانب أسطولها الموجود مسبقاً من سيارات جاغوار آي-بيس ( Jaguar I-PACE). وقد تم تزويد الشاحنة بنفس نظام الاستشعار التي تحمله السيارات الأخرى، والمؤلف من سبعة مستشعرات بحجم كاميرات الويب، ولكن بارتفاع أكبر وبزوايا مختلفة. وهذا يعني أن مدخلات النموذج –أي إشارة الفيديو من كل كاميرا، والتي يتفقدها ما يقرب من 30 مرة في الثانية- تختلف بين نوعي السيارات، ولكن الذكاء الاصطناعي تعلم كيفية التحكم فيها بكلتا وضعيتي الكاميرات. كما أنه تعين على نظام الذكاء الاصطناعي أن يتكيف مع زيادة الحجم والوزن للشاحنة الصغيرة مقارنة بالسيارة. فنصف قطر دوران الشاحنة مختلف عن نصف قطر دوران السيارة، كما أنها تحتاج إلى وقت أطول للتوقف.

ومع أن الشاحنة والسيارة تعملان وفق توجيهات نفس النظام لاتخاذ القرار، فإن هذه القرارات يجب أن تُحسب بطرق مختلفة. وتحت غطاء محرك الشاحنة الصغيرة، تتولى مجموعة متشابكة من الأسلاك والعناصر الحاسوبية المصممة تصميماً خاصاً ترجمة أوامر النموذج وفقاً لنوع السيارة التي يتحكم فيها.

تم تدريب نموذج الذكاء الاصطناعي لشركة ويف باستخدام تركيبة من التعلم المعزز، والذي يعتمد على التجربة والخطأ، والتعلم بالتقليد، حيث يقوم باستنساخ أفعال السائقين البشر. وقد تطلب تدريب النموذج على قيادة سيارة الآلاف من الساعات من بيانات القيادة. قامت الشركة أولاً بتدريب نموذج الذكاء الاصطناعي على قيادة الشاحنة الصغيرة ضمن بيئة محاكاة، وتطلبت هذه العملية 80 ساعة إضافية من البيانات وحسب.

وهو ما شكل مفاجأة للفريق. تقول العالمة في ويف، بيكي غولدمان: "عندما بدأنا بهذا المشروع، لم نكن نعرف مقدار البيانات المطلوبة للوصول بالنظام إلى مرحلة قيادة عدة سيارات مختلفة". ولكن النتيجة تشير إلى أن النموذج قادر على التكيّف مع سيارات جديدة بسرعة أكبر من المتوقع. وقد وجدت ويف أيضاً أن تعلم قيادة الشاحنة الصغيرة يحسّن الأداء عند قيادة السيارة.

وبعد أن تمكن النموذج من قيادة الشاحنة الصغيرة والسيارة في بيئة المحاكاة، قررت الشركة اختباره على الطريق. وتجلس العاملة المختصة بالأمان في ويف، ناومي ستاندارد، داخل السيارات في أثناء قيادتها لنفسها. وتعترف بأنها شعرت بالخوف لدى ركوب الشاحنة الصغيرة لأول مرة: "لقد كنت أشعر وكأنني معلم قيادة سيارات يصطحب سائقاً جديداً قيد التدريب لأول مرة". ولكن الشاحنة الصغيرة تكيفت بشكل جيد مع شوارع لندن الضيقة، وتمكنت من المناورة والتعامل بشكل جيد مع الطرقات، والمشاة العابرين، والحافلات، والسيارات المركونة في الصف الثاني.

وبالنسبة لجاي جيراك الذي يعمل في شركة غوست في منطقة ماونتن فيو في كاليفورنيا، فإن نتائج تجربة ويف مثيرة للإعجاب، ما يدفعه إلى الاتفاق مع وجهة نظر الشركة الإجمالية. ويقول جيراك: "ليست المقاربة التي تعتمد على الأسلوب الروبوتي مناسبة لهذا التطبيق".

اقرأ أيضاً: تدريب الذكاء الاصطناعي في السيارات ذاتية القيادة باستخدام محاكاة افتراضية واقعية

مقاربة غوست

ولكنه ليس مقتنعاً تماماً بالتزام ويف الكامل بالتعلم العميق. فبدلاً من نموذج واحد كبير، تقوم غوست بتدريب عدة مئات من النماذج الصغيرة التي ينفرد كل منها بتخصص معين. وتقوم بعد ذلك بتدوين قواعد بسيطة تحدد لنظام القيادة الذاتية النماذج التي يجب استخدامها في كل وضع. (تشابه مقاربة غوست مقاربة شركة أخرى من مجموعة AV2.0، وهي شركة أوتوبراينز (Autobrains). ولكن أوتوبراينز تستخدم طبقة أخرى من الشبكات العصبونية حتى تتعلم هذه القواعد).

ووفقاً لأحد مؤسسي غوست ورئيس قسم التكنولوجيا فيها، فولكمار أوليغ، فإن تقسيم نظام الذكاء الاصطناعي إلى قطع صغيرة وكثيرة، تتولى كل منها وظائف محددة، يزيد من سهولة تدقيق المركبة ذاتية التحكم من حيث السلامة. ويقول: "ستقع مشكلة ما، عاجلاً أم آجلاً، وسيطلب منك القاضي في المحكمة تحديد التعليمات البرمجية التي تقول للسيارة: "إذا ظهر شخص أمامك، فيجب أن تضغط الفرامل". هذه التعليمات البرمجية يجب أن تكون موجودة". وعلى الرغم من إمكانية تعلم هذه المهارة، فإن العثور على مكانها ضمن نموذج ضخم مثل نموذج ويف سيكون صعباً للغاية، كما يقول أوليغ.

ولكن الشركتين تعملان على تحقيق هدفين مختلفين ومتكاملين: فغوست تريد تصنيع سيارات استهلاكية تستطيع قيادة نفسها على الطرقات السريعة، على حين تريد ويف أن تكون أول شركة تنشر السيارات ذاتية القيادة في 100 مدينة. وتعمل ويف حالياً مع الشركتين العملاقتين في مجال البقالة في المملكة المتحدة، أسدا (Asda) وأوكادو (Ocado)، وذلك لجمع البيانات من سياراتهما المخصصة للتوصيل في المدن.

اقرأ أيضاً: لماذا لا تزال السيارات ذاتية القيادة بحاجة إلى إشراف بشري؟

ولكن، ووفقاً للكثير من المعايير، فإن كلتا الشركتين ما زالتا متأخرتين عن الشركات الكبيرة في هذه الصناعة. فقد تمكنت كروز ووايمو من مراكمة المئات من الساعات من القيادة دون وجود شخص في سياراتهما، وبدأتا بتقديم خدمة سيارات الأجرة الروبوتية للعامة في بعض الأماكن.

يقول هوك: "لا أرغب في الاستخفاف بالتحديات التي تواجهنا. فصناعة السيارات ذاتية القيادة تعلمك التواضع".

المحتوى محمي