كيف ساعدني الذكاء الاصطناعي على وضع برنامج علاجي لمرضي المناعي (تجربة شخصية)؟

5 دقيقة
كيف ساعدني الذكاء الاصطناعي على وضع برنامج علاجي لمرضي المناعي؟ (تجربة شخصية)
حقوق الصورة: shutterstock.com/PanuShot

بحسب تعريف المعهد الوطني الأميركي لعلوم الصحة البيئية، فإن هجمات أمراض المناعة الذاتية تحدث عندما يهاجم الجهاز المناعي عن طريق الخطأ الخلايا والأنسجة والأعضاء السليمة، ما يؤدي إلى ضعف وظائف الجسم ويهدد الحياة.

تُعدّ الأمراض المناعية حالياً السبب الثالث للوفاة في الولايات المتحدة الأميركية، بعد أمراض السرطان والقلب، ونسبة الإصابة بها عالمياً في تزايد مخيف.

ويُصنّف العلماء حتى الساعة نحو ثمانين مرضاً من أمراض المناعة الذاتية، بعضها شائع لدى الناس كالنوع الأولى من السكري والتهاب المفاصل الروماتويدي والتصلب اللويحي، في حين أن بعض هذه الأمراض صعب التشخيص. وقد تتطور الأعراض وتتشابه مع أمراض أخرى لعقود من الزمن قبل أن يكتشف الأطباء أنهم أخطؤوا التشخيص لسنوات طويلة وأنهم أمام اضطراب مناعي ذاتي، وهذه هي قصتي.

اقرأ أيضاً: الذكاء الاصطناعي يعزز معرفتنا بمرض السكري ويساعد في تطوير علاجات شخصية

رحلتي مع المرض

قبل 25 عاماً، بدأت أعاني صعوبة في الرؤية في عيني اليسرى بعد إصابتها باحمرار شديد. وطوال ستة أشهر من العلاجات الموضعية غير الفعّالة، كانت آراء الأطباء تتراوح ما بين فيروس وبكتيريا إلى أن قررت مشاركة الحالة مع أطباء مختصين في أكثر من دولة، فتقاطعت الآراء على أني أعاني "اعتلال القرنية السطحي" (Superficial Keratitis)، وهي حالة تصبح فيها العين حمراء للغاية وشديدة الحساسية للضوء مع تراجع في الرؤية.

أظهرت الفحوصات المخبرية أن الخلايا المناعية البيضاء في جسمي كانت تتعرف إلى قرنية عيني على أنها جسم غريب لذا تقوم بمحاربتها!

وهكذا اتفق الأطباء على أنه لا بديل من علاجي بواسطة مثبّط مناعي موضعي مشتق من مادة السايكلوسبورين، التي تُستخدَم في العديد من الحالات السرطانية. إلّا أن المرض سرعان ما بدأ يظهر في العين اليمنى أيضاً بشراسة أكبر، ما اضطرني إلى تناول جرعات أكبر من السايكلوسبورين والكورتيزون ومراهم مرطبة بشكلٍ يومي للحفاظ على ما تبقى من نظري الذي انخفض في حالات الذروة إلى أقل من 40%.

طوال عشرين عاماً، اعتمدت هذا العلاج المكلف مع خوض معارك يومية مع عقلي عندما كان يسوء بصري، دون أن أشك ولو لمرة واحدة بتشخيص الأطباء، خاصة وأنني استشرت أطباء مشهورين في دول رائدة في طب العيون.

إلى أن حصلت المفاجأة قبل 5 أعوام. كان العلاج بالكورتيزون تحديداً يتم بشكلٍ متقطع نظراً لأضراره الجانبية، ما يحتّم عليّ التوقف عن استخدامه أكثر من 10 أيام قبل أن أعود إليه عند شعوري بالأعراض.

مرّت أسابيع وأشهر دون أن أشعر بأي أعراض على الرغم من التوقف تماماً عن تناول الكورتيزون ومن بعدها السايكلوسبورين. أذكر يومها أن الطبيب المختص أخبرني أنه يعتقد أن المرض بدأ يخف مع تقدمي في العمر، وأنه لا يجد تفسيراً آخر لاختفاء الأعراض لأشهر طويلة.

إلّا أن سعادتي بالتخلي عن الأدوية جميعها لم تطل كثيراً. ففي عام 2019، وقبل انتشار فيروس كورونا بأسابيع قليلة، شُخِّصت بأني مصاب بداء الصدفية الحادة، وهي حالة يهاجم فيها الجهاز المناعي الجلد ويسبب حكّة شديدة الإزعاج مع تقرحات مغطاة بطبقة فضية شديدة الجفاف. وفضلاً عن تغطيتها 90% من جسمي، كانت شدة المرض تهدد أعضاء أخرى، كالمفاصل وشرايين القلب بالدرجة الأولى، نظراً لشدة الالتهابات الداخلية.

تبين أيضاً أن هذا الداء يُصيب العين أحياناً بشكلٍ متخفٍ متسبباً بالأعراض نفسها التي عانيتها طوال عشرين عاماً وظن الأطباء أنها اعتلال في القرنية!

لقد كان الداء متخفياً في عينيَ، ولما توقف عن مهاجمتهما انتقل إلى جلدي بأسره!

في العادة، أمام المصاب بهذا المرض خيارات قليلة كالعلاج الدائم بالأشعة، والحقن البيولوجية التي تعمل على تثبيط المناعة، وبالتالي زيادة احتمال الإصابة بأمراض أخرى، فضلاً عن أدوية فمويّة قد تسبب عوارض كالاكتئاب بل وتوليد الأفكار الانتحارية.

اقرأ أيضاً: ديب مايند تستخدم الذكاء الاصطناعي لتحديد أسباب الأمراض الجينية

كيف ساعدني تشات جي بي تي على التوصل إلى خطة تساعدني على التخفيف من حدة أعراض المرض؟

فور استعراض الخيارات المتاحة كافة، قررتُ في المرحلة الأولى تجربة العلاج بالأشعة بما أنه الأقل أعراضاً جانبية، والبحث عن علاجات غير تقليدية. امتدت هذه الفترة حتى شهر نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2022، موعد إطلاق "تشات جي بي تي".

كانت حياتي قد انقلبت رأساً على عقب بسبب المرض الذي يعجز الأطباء حتى الساعة عن فهم أسبابه الحقيقية، في حين يعددون ألف عامل مؤثر به؛ من الجينات والوراثة إلى التلوث، ومن الضغوط النفسية إلى أنواع عديدة من الأطعمة.

إلاّ أن هذه التفسيرات جميعها لا تقدّم أي فائدة لشخص مبتلى بمنظر كريه على جلده الذي يؤلمه حد الاحتراق.

كنتُ في تلك الفترة في المراحل الأخيرة من دراستي الأكاديمية العليا لعلم النفس، فقررت قدر الإمكان تطبيق ما أتعلمه على مشاعري وأفكاري وسلوكي بهدف التعامل مع الحالة.

وشاء القدر أن يساعدني، فتراءى لي أني أمام مرض يتأثر بالبيئة المحيطة كما بداخلي بيولوجياً وفيزيولوجياً ومعنوياً، وبالتالي فإن عليّ ضبط المؤثرات كافة لضبط المرض.

ولكنّ هذه الفكرة كانت مستحيلة نظرياً، إذ إن المؤثرات أكثر من أن تُحصى وقد تكون مرتبطة بنوع الكوب الذي أشرب به الماء، أو بنوع حشرة المفروشات التي لا تُرى عادة وتستقر في منازلنا.

وفي إحدى ليالي المرض الحادة، كنت أشغل عقلي بالتحدث إلى "تشات جي بي تي" لاختبار قدراته. كنت قد بدأت بتدوين السلوكيات غير الصحية في حياتي ومحاولة تغييرها واحدة تلو الأخرى، من سهر وتناول الأطعمة السريعة وقلة الحركة وما شابه.

وكنت أدوّن إلى جانب هذه السلوكيات ملاحظات حول أي تغيّر يطرأ على درجة لون البقع وحجم الالتهابات على الجلد بعد تناول الطعام يومياً. وهكذا صارت لدي قاعدة بيانات حول الأطعمة والسلوكيات التي شعرت بعدها باشتداد المرض، كما بالأطعمة والسلوكيات التي شعرت بعدها بالراحة.

اشتركت بالنسخة المدفوعة من "تشات جي بي تي" وأضفت إليه حينها إضافات (plugins) تساعد على عملية البحث العلمي، في المجال الطبي تحديداً، وبدأت بإدخال البيانات التي جمعتها طوال ثلاثة أعوام تقريباً.

لا أخفيكم أني استخدمت أيضاً بعض الخدع لضمان أداء أفضل من تطبيق الذكاء الاصطناعي، خاصة أنه يسارع عادة إلى رفض تقديم أجوبة مطوّلة عند سؤاله عن استشارات طبية.

أفهمته أني أبحث عن نظرية علاجية في إطار بحث علمي.

بعد البيانات الشخصية، صرتُ أزوّده بدراسات مخبرية حديثة حول فوائد متممات غذائية بعد أن قمت باختيار هذه المتممات بناءً على بحث مستقل عبر تشات جي بي تي نفسه حول التفسيرات العلمية لأسباب الالتهاب في حالتي بناءً على آخر الأبحاث.

وبما أن الأبحاث تستخدم مصطلحات ومنهجية غريبة عني، فقد كان تشات جي بي تي يفسّر لي الدراسة بأسلوب بسيط بناءً على طلبي، ومن ثَمَّ أقوده إلى تبيان الفوائد المحتملة للمتممات في معالجة ما اكتشفته الدراسات التي شرحها لي.

وهكذا أصبح أمامي لائحة بسلوكيات جيدة وأخرى بسلوكيات سيئة. لائحة بأطعمة جيدة وأخرى بأطعمة ضارة، ولائحة بمتممات مفيدة وأخرى غير نافعة أو قد تسبب خطورة.

وبدأت بمساعدة الذكاء الاصطناعي التوليدي باستخدام أسلوب "الإزالة" (Elimination) الذي يتبعه الأطباء في تشخيص الحالات الطبية، بهدف استبعاد أكبر قدر ممكن من المسببات والعوامل وتخفيض عددها إلى حد يصبح بمقدوري ضبطها والتعامل معها.

اقرأ أيضاً: دراسة تكشف فشل تشات جي بي تي في تقديم توصيات طبية موثوقة

برنامج صحي متكامل بمساعدة تشات جي بي تي

كنت أطلب إليه في كل مرة إنتاج جدول يتضمن أسماء المتممات المفيدة، وأنواع الأطعمة الصحية، والتمارين الرياضية المناسبة، مع أوقات محددة لتناولها أو ممارستها.

في نهاية المحادثة، كان أمامي برنامج متكامل نظرياً لا تنقصه سوى التجربة لقياس مدى نجاحه. وبما أن محتوى الجدول يرتبط بعادات غذائية وسلوكيات يومية، فقد قررت استشارة خبير في الطب التكاملي (Integrative medicine) لأقف عند رأيه بالبرنامج الذي توصلت إليه.

طوال ساعتين من الزمن، كان الطبيب المختص، الذي صودف أيضاً أنه أكاديمي في مجال التصنيع الغذائي، يستمتع بفهمي لحالتي وحديثي عن دراسات حديثة كان يواكبها بنفسه، لأنه ببساطة يعاني المرض نفسه ولكن بحدة أقل بكثير.

بعد أسبوعين من البدء في تطبيق ما توصلت إليه بمساعدة تشات جي بي تي وبموافقة الطبيب، كانت البقع الحمراء الحادة تختفي بشكلٍ كلي من مساحات واسعة من جسدي.

لم أُشفَ تماماً من المرض بعد، ولكني استطعت السيطرة على عوارضه الحادة وخفض مساحة انتشاره في جسدي من 90% إلى 30% تقريباً.

قبل 5 أشهر، أبلغتُ طبيبي الجلدي المختص الذي كان يُشرف على علاجي بالأشعة بعدم حاجتي إلى تحديد مواعيد لجلسات بعد الآن. العلاج الذي أعتمده، بمساعدة تشات جي بي تي، يسير بشكلٍ جيد ومُرضٍ، ولا ينقصه سوى أشهر إضافية من الإصرار والمثابرة على حياة صحية ليتحول مرضي من داء مستفحل إلى رفيق عمر مميز يذكرني دائماً بأن لنفسي عليّ حقاً.

ملاحظة: هذا المقال لا يُعتبر بأي حال من الأحوال نصيحة طبية وهو لا يدعو إلى أي ممارسات غير تقليدية بمعزل عن آراء الأطباء المختصين.

المحتوى محمي