يمكن لأداة ذكاء اصطناعي جديدة أن تساعد الباحثين على اكتشاف بروتينات لم تكن معروفة من قبل وتصميم بروتينات جديدة تماماً. إن استخدام هذه الأداة من شأنه أن يساعد في تطوير لقاحات أكثر كفاءة، أو تسريع البحث عن علاج للسرطان، أو أن يقود إلى اكتشاف مواد جديدة تماماً.
ألفا فولد تتنبأ بالبنية النهائية للبروتين
فاجأ مختبر الذكاء الاصطناعي "ديب مايند" (DeepMind) المملوك لشركة "ألفابت" (Alphabet)، العالم في عام 2020 عندما أعلن عن أداة "ألفا فولد" (AlphaFold)، وهي أداة ذكاء اصطناعي تستخدم التعلم العميق لحل أحد "التحديات الكبرى" في علم الأحياء: وهو التنبؤ بأشكال البروتينات بدقة. تعتبر البروتينات ضرورية للحياة، ولكي نتعامل معها يجب علينا أن نفهم شكلها جيداً. في وقت سابق من هذا الصيف، أعلنت شركة ديب مايند أن أداة ألفا فولد يمكنها الآن التنبؤ بأشكال جميع البروتينات المعروفة علمياً.
الأداة الجديدة، المعروفة باسم "بروتين إم بي إن إن" (ProteinMPNN)، التي وصفها مجموعة من الباحثين من جامعة واشنطن في بحثين نُشرا في مجلة "ساينس" (Science) بتاريخ 15 سبتمبر 2022 (يمكن الاطلاع من هنا)، تقدم إضافة فعّالة لتلك التكنولوجيا.
هذه الأبحاث هي أحدث مثال على كيفية قيام التعلم العميق بإحداث ثورة في تصميم البروتين من خلال تزويد العلماء بأدوات بحثية جديدة. يقوم الباحثون بشكل تقليدي بتصميم البروتينات عن طريق تعديل البروتينات التي توجد في الطبيعة، ولكن "بروتين إم بي إن إن" سيفتح الباب أمام عالم جديد تماماً من البروتينات التي يمكن للباحثين تصميمها بدءاً من الصفر.
اقرأ أيضاً: هل سيتمكن التعلم العميق من القيام بكل شيء كما يقول جيف هينتون؟
يقول مدير معهد تصميم البروتين في جامعة واشنطن، وأحد العلماء القائمين على هذه الأبحاث، ديفيد بيكر: "في الطبيعة، تحل البروتينات بشكل أساسي جميع مشكلات الحياة، بدءاً من تجميع الطاقة من ضوء الشمس إلى صنع الجزيئات، كل شيء في علم الأحياء يحدث من البروتينات".
"لقد تطورت البروتينات خلال رحلتها لحل المشكلات التي واجهتها الكائنات الحية في أثناء نموها. لكننا نواجه اليوم مشكلات جديدة، مثل كوفيد. إذا تمكنا من تصميم البروتينات التي كانت جيدة في حل المشكلات الجديدة مثل تلك التي تطورت في حل المشكلات القديمة، فستكون فعّالة حقاً ".
تتكون البروتينات من مئات الآلاف من الأحماض الأمينية التي يتم ربطها في سلاسل طويلة، ثم يتم طيّها إلى أشكال ثلاثية الأبعاد. تساعد أداة ألفا فولد الباحثين على التنبؤ بالبنية النهائية للبروتين، وتقدم فكرة حول كيفية تصرفها.
سوف يساعد بروتين "إم بي إن إن" الباحثين في حل المشكلة العكسية. إذا كانت لديهم بالفعل بنية بروتينية دقيقة، فسيساعدهم ذلك في العثور على تسلسل الأحماض الأمينية التي تنطوي في هذا الشكل. يستخدم النظام شبكة عصبية مدربة على عدد كبير جداً من أمثلة تسلسل الأحماض الأمينية، والتي تنطوي إلى هياكل ثلاثية الأبعاد.
اقرأ أيضاً: قد يكشف لنا التعلم العميق عن السبب وراء سير العالم بالكيفية التي يسير بها
طرق تصميم البروتينات
لكن الباحثين بحاجة أيضاً إلى حل مشكلة أخرى. لتصميم البروتينات التي تعالج مشكلات العالم الحقيقي، مثل إنزيم جديد يهضم البلاستيك، يجب عليهم أولاً معرفة العمود الفقري للبروتين الذي سيقوم بهذه الوظيفة.
للقيام بذلك، يستخدم الباحثون في مختبر بيكر طريقتين للتعلم الآلي، تم شرحهما في مقال نشر في مجلة ساينس في يوليو الماضي، يسميهما الفريق "الهلوسة المقيّدة" و"في اللوحة".
تتيح طريقة "الهلوسة المقيدة" للمستخدمين إجراء بحث عشوائي بين جميع سلاسل البروتين الممكنة وتفضيل التسلسلات ذات الوظائف المحددة. تُمكّن هذه "الهلوسة" من استكشاف مساحة جميع الهياكل البروتينية المتاحة، وذلك بفضل قدرة التعلّم الآلي على معالجة مجموعات البيانات الضخمة. هناك 20 حمضاً أمينياً، يمكن دمجها في عدد هائل من التسلسلات الممكنة.
يقول بيكر: "لقد أخذت الطبيعة عيّنات فقط منها.. وهي جزء ضئيل، لذلك إذا اقتصر البحث على التسلسلات الموجودة في الطبيعة، فلن نصل إلى أي نتيجة".
تعمل طريقة "في اللوحة" إلى حد كبير مثل الإكمال التلقائي في معالج النصوص، ولكن تنفذ ذلك على هياكل وتسلسلات البروتين. باستخدام هذه الأساليب، يمكن للباحثين إنشاء بروتين جديد تماماً لم تتم رؤيته في الطبيعة من قبل، مثل هيكل عملاق يشبه الحلقة.
يقوم فريق بيكر بإجراء تجارب لمعرفة ما إذا كان يمكن استخدام تلك الهياكل الشبيهة بالحلقات كمكونات لآلات دقيقة تعمل على مقياس النانو. ويمكن استخدام هذه الآلات النانوية في المستقبل لفتح الشرايين المسدودة، على سبيل المثال.
تقول أستاذة الكيمياء الحيوية والتكنولوجيا الحيوية في جامعة إدنبرة، لين ريجان، إن القدرة على استخدام التعلّم الآلي لتصميم البروتينات بهذه الطريقة هي "صفقة كبيرة جداً".
سيجعل التعلّم الآلي العملية بأكملها أسرع وأسهل بكثير، وسيسمح للباحثين بإنشاء بروتينات وهياكل جديدة تماماً على نطاق أوسع بكثير. يعد البرنامج أسرع بـ200 مرة من أفضل أداة سابقة ويتطلب الحد الأدنى من مدخلات المستخدم، ما قد يقلل من الحواجز التي تحول دون الدخول لتصميم البروتين.
يقول أستاذ الهندسة الكيميائية والجزيئية الحيوية في جامعة جونز هوبكنز، جيفري غراي: "تعمل هذه المساهمات وغيرها في الآونة الأخيرة على تغيير مجال التنبؤ بالبنية الجزيئية الحيوية وتصميمها".
اقرأ أيضاً: بفضل الذكاء الاصطناعي: ديب مايند تتيح بنية جميع البروتينات المعروفة للعلماء
يقول غراي: "إن النتائج المترتبة على ذلك مثيرة من حيث فهم علم الأحياء، والصحة، والمرض وتصميم جزيئات جديدة لتقليل المعاناة البشرية".
يقول غراي إن مختبره سيجمع بين أدوات التعلم العميق التي طوّروها مع أدوات من مختبر بيكر لفهم الجهاز المناعي والأمراض المرتبطة بالمناعة بشكل أفضل، واستخدام الذكاء الاصطناعي لتصميم العلاجات.
يقول بوشميت كولي، رئيس فريق الذكاء الاصطناعي للعلوم في مختبر ديب مايند: "بدأت أداة ألفا فولد عهداً جديداً لعلم الأحياء من خلال حل بنية البروتين للتنبؤ بالمشكلة وإظهار التحول الجذري الذي سيؤديه الذكاء الاصطناعي و [التعلم الآلي] في علم الأحياء. بروتين إم بي إن إن هو دليل آخر على هذا التحول الجذري، وتصميم البروتينات لمهام محددة".
اقرأ أيضاً: باحثون يتمكنون من استخدام الرياضيات في تسهيل قياس شكل البروتينات
سيوفر بروتين إم بي إن إن، المتاح الآن مجاناً في مستودع البرامج مفتوح المصدر من شركة غيت هاب، للباحثين الأدوات اللازمة لعمل تصميمات جديدة غير محدودة. "التحدي بالطبع.. هو ماذا سوف تصمم؟" يقول بيكر.