على مر التاريخ كانت التدخلات الجراحية تعتمد تقليدياً على دقة الجراحين المتخصصين ومهاراتهم وخبراتهم، والآن مع التطور التقني الكبير للمعدات الطبية ودمجها مع تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي أصبحنا نرى تطورات غير مسبوقة في إجراء العمليات الجراحية من حيث الكفاءة والدقة وحصول المريض على أفضل رعاية صحية ممكنة.
حيث أثبتت قدرة أنظمة الذكاء الاصطناعي على تحليل كميات هائلة من البيانات، والتعلم من الحالات المتنوعة، وتقديم رؤى في الوقت الفعلي، أنها في طريقها إلى تغيير قواعد اللعبة للجراحين ومؤسسات الرعاية الصحية على حدٍ سواء، فقد ظهر أثر تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي واضحاً في إنقاذ حياة أحد المرضى في الإمارات بعد أدائها دوراً بارزاً في تشخيص حالته الطبية، ما ساعد لاحقاً الأخصائيين الطبيين على اتخاذ القرار المناسب للتدخل بدقة وكفاءة كبيرين.
الذكاء الاصطناعي يسهم في إنقاذ حياة مريض في الإمارات
في أثناء وجوده بالمنزل في إمارة عجمان بدولة الإمارات العربية المتحدة، شعر الشاب البالغ من العمر 26 عاماً مهند عبدالله مراد فجأة بألم حاد في صده وصفه بأنه مثل اشتعال النار، وقال إن هذه هي المرة الأولى التي يشعر فيها بمثل هذا الألم في صدره.
ومع إدخاله للمستشفى توصل التشخيص الطبي إلى أن الشاب المعروف عنه ممارسة الرياضة كان لديه مفهوم خاطئ حول كيفية علاج مرض السكري الذي يعانيه، حيث اعتقد أنه يمكن السيطرة عليه من خلال النظام الغذائي وممارسة الرياضة وحدها، ما أدّى إلى إصابته بنوبة قلبية تُعرف باسم احتشاء عضلة القلب الحاد (Acute Myocardial Infarction، اختصاراً إم آي MI) بعد نسيانه تناول دواء مرض السكرى من النوع الأول الذي يعانيه.
وتعتبر هذه النوبة القلبية الناتجة عن انسداد حاد في الشريان التاجي أكثر شيوعاً عند الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 50 عاماً، وعادة ما يعالج الذين يعانون هذه الأعراض من خلال الأدوية التي تمنع تجمع السكر في خلايا الدم الحمراء التي تسبب انسداداً وتلفاً في الأوعية الدموية التي تنقل الأوكسجين إلى القلب.
اقرأ أيضاً: نجاح أول عملية جراحية عالية الدقة على الإنسان بمساعدة روبوت متخصص
لتشخيصه استخدم أطباء القلب في المستشفى الألماني السعودي في إمارة عجمان تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي لتقييم الآلاف من الحلول الممكنة للعثور على الدعامة الدقيقة المطلوبة لفتح شريانه ومنع مزيد من الانسداد، في البداية اعتقد الأطباء نظرياً أن الدعامة المطلوبة لفتح الشريان التاجي الأيمن للمريض يبلغ قطرها 2.5 مم على ما يبدو.
ومع ذلك أشار التحليل المعمق بواسطة نظام الذكاء الاصطناعي إلى أن قُطر الدعامة الدقيقة الفعلية للحالة هو 4 مم، وقد كانت لهذه المساعدة التي قدمتها أنظمة الذكاء الاصطناعي في تخفيف عامل الخطأ دور بارز في إنقاذ حياة الشاب مراد وعودته إلى عمله وممارسة حياته الطبيعية مرة أخرى بعد 10 أيام فقط قضاها في المستشفى.
اقرأ أيضاً: كيف دخلت تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي غرف العمليات الجراحية؟
الذكاء الاصطناعي يؤدي دوراً حاسماً في تقليل الأخطاء التشخيصية الطبية
يقول مستشار أمراض القلب التداخلية في المستشفى السعودي الألماني، الدكتور شادي حبوش (Shady Habboush)، الذي قاد العملية الجراحية لمراد، إن استخدام الذكاء الاصطناعي في تشخيص حالة المريض من خلال التصوير داخل الأوعية الدموية أدّى دوراً مهماً ومحورياً في إنقاذه، ويبين في الوقت نفسه التقدم الكبير في تطبيقات الذكاء الاصطناعي المرتبطة بأمراض القلب.
وأضاف قائلاً: "إن استخدام كاميرات التصوير داخل الأوعية الدموية للإنسان ليس بالأمر الجديد، لكن الجديد هو أن هذه الكاميرات المدعومة بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي يمكنها الآن مقارنة الأوعية الدموية الضيقة للشريان التاجي بما يصل إلى 10,000 وعاء دموي آخر، لتخبرنا بالضبط بما نحتاج إلى فعله، ودون هذا النوع من التدخل الدقيق كان يمكن أن تكون النتائج قاتلة للمريض".
يمكن أن تكون لهذه التناقضات عواقب وخيمة إذا لم تُحدد بشكلٍ صحيح وسريع، وفقاً لحبوش. فإذا كانت الدعامة أصغر من المطلوب كما كانت ستكون دون تدخل الذكاء الاصطناعي، يمكن أن يؤدي ذلك تدريجياً إلى إغلاق الشريان التاجي مع مرور الوقت، والذي يؤدي في كثيرٍ من الأحيان إلى مضاعفات شديدة، وربما تتوَّج بنتائج كارثية بما في ذلك وفاة المريض، وعادة ما يحصل ذلك في غضون عام من إجراء العملية الجراحية.
اقرأ أيضاً: أطباء يجرون عمل جراحي لجمجمة طفل بمساعدة الواقع الافتراضي
التأثير الإيجابي للذكاء الاصطناعي في مجال الرعاية الصحية ينمو
تشير إحدى الدراسات الاستقصائية التي أجرتها مؤسسة بيو للأبحاث (Pew Research) عام 2023، إلى أن أكثر من 60% من الأميركيين كانوا متشككين في استبدال عملية صنع القرار البشري بالذكاء الاصطناعي، وغير مرتاحين لفكرة اعتماد أطبائهم على الذكاء الاصطناعي في التشخيص، ولكن عندما يتعلق الأمر بدور الذكاء الاصطناعي مساعداً لمقدم الخدمة، فإن المرضى يكونون أكثر تفاؤلاً، حيث يعتقد أكثر من 40% أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يقلل من الأخطاء الطبية.
كما وجدت دراسة استقصائية عالمية أجرتها مؤسسة لويدز ريجستر (Lloyds Register Foundation) الخيرية في المملكة المتحدة عام 2022، أن ما يقرب من ثُلثي الأشخاص الذين استُطلِعت آراؤهم والبالغ عددهم 130 ألف شخص في اليابان والصين وألمانيا، لديهم ثقة في التأثير الإيجابي للذكاء الاصطناعي على مدار العشرين عاماً القادمة.
بينما يعتقد أقل من نصف المشاركين في الاستطلاع في المملكة المتحدة وكندا وفرنسا والولايات المتحدة أن الذكاء الاصطناعي سيكون إيجابياً للبشرية، مع انخفاض الثقة في استخدام الذكاء الاصطناعي في صناعة الرعاية الصحية إلى 22% في إندونيسيا و19% في باكستان.
اقرأ أيضاً: أطباء يجرون عملاً جراحياً لجمجمة طفل بمساعدة الواقع الافتراضي
وفي هذا الصدد يقول المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة الرعاية الصحية الرقمية إنوفايسر (Innovaccer) أبهيناف شاشانك (Abhinav Shashank): "على الرغم من أنه لا يزال هناك الكثير من عدم الثقة في استبدال عملية صنع القرار البشري بالذكاء الاصطناعي، فإنني أعتقد أن هذا يمكن معالجته من خلال التواصل بوضوح مع متخذي القرار ومعرفة الدور البشري عند الاستعانة بالتكنولوجيا".
بالإضافة إلى ذلك ووفقاً للخبراء، يمكن للذكاء الاصطناعي استخدام كميات هائلة من البيانات التي تولّدها المستشفيات للمساعدة على إدارة الخدمات بشكلٍ أكثر كفاءة، حيث يقول المدير الطبي للمجموعة الطبية في شركة برجيل القابضة واستشاري الجراحة العامة البروفيسور عبدالرحمن عمر: "نحن نسميها الذكاء المعزز بدلاً من الذكاء الاصطناعي، لأنه يساعدنا على جعل الرعاية الصحية أفضل وأكثر أماناً وأكثر ملاءمة خلال إطار زمني أقصر".
اقرأ أيضاً: كيف دخلت تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي غرف العمليات الجراحية؟
ويُضيف: "هناك تطبيقات مختلفة للذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية، ولكن على وجه التحديد يعمل الذكاء الاصطناعي على تعزيز قدرتنا على التشخيص في مجال الأشعة، حيث يمكنك الحصول على تقرير شامل في وميض من الثانية لإخبارك بأي تشوهات شائعة أو تسليط الضوء على المناطق التي تحتاج إلى مراجعة بالعين البشرية. وعلى الرغم من أن هذا الأمر لا يزال قيد التطوير، لكننا سنصل إلى مرحلة يكون فيها كل شيء بواسطة الذكاء الاصطناعي".