البروفيسور ديفيد سنكلير أمام مجلس محمد بن زايد يكشف عن جديد العلم في إطالة عمر الإنسان

7 دقائق
البروفيسور ديفيد سنكلير أمام مجلس محمد بن زايد يكشف عن جديد العلم في إطالة عمر الإنسان
لقطة من مشاركة ديفيد سنكلير في ندوة استضافها مجلس محمد بن زايد في أبوظبي

نتعرف في هذا المقال على جديد أبحاث أحد أبرز علماء العالم المشتغلين في مجال إطالة عمر الإنسان، ومعالجة الشيخوخة. حيث يصف البروفيسور ديفيد سنكلير في جلسة جديدة استضافها مجلس محمد بن زايد في أبوظبي، الشيخوخة بأنها مرض وأن علاجها سيتم بشكل أسرع من علاج السرطان. بحسب البروفيسور سنكلير، لم يعد العلماء يطرحون السؤال: هل سنتمكن من التغلب على الشيخوخة؟ بل السؤال المطروح اليوم هو: متى سنتغلب على الشيخوخة؟

الآن حان الوقت لنضع هدفاً جديداً يتمثل في زيادة متوسط العمر الذي يعيشه البشر بصحة جيدة، ويمكن تحقيق ذلك من خلال دعم الأبحاث والدراسات في مجال الشيخوخة والوقاية منها.

الشيخوخة وأسبابها وطرق الوقاية منها

لمناقشة موضوع الشيخوخة وأسباب تدهور صحة البشر مع التقدم في العمر وطرق علاجها، استضاف مجلس محمد بن زايد ندوة علمية شارك فيها البروفيسور ديفيد سنكلير، وهو عالم أحياء معروف متخصص في أبحاث الشيخوخة وأستاذ علم الوراثة في كلية الطب بجامعة هارفارد الأميركية والمدير المشارك في مركز بول إف غلين لبيولوجيا أبحاث الشيخوخة.

بدأ سنكلير الندوة بالحديث عن الوضع الحالي، وقال إن وصول أي شخص في العالم إلى عمر 80 أو 90 سنة يعني أنه سيعيش مع الإعاقة أو المرض. لكن بناءً على الأبحاث التي أجراها في مختبره والتي امتدت لأكثر من 30 سنة، وجهود الكثير من الباحثين والعلماء والشركات الناشئة، ربما سيتغير ذلك في المستقبل القريب. 

سنكلير متأكد من أننا خلال العقد القادم سنشهد تغييرات في مجال مكافحة الشيخوخة، بحيث يصل الشخص إلى عمر 80 سنة وربما يتجاوزه وهو بصحة جيدة ولا يخاف الأمراض التي عادةً ما تصيب كبار السن، مثل أمراض القلب وألزهايمر والسرطان. وبدلاً من انتظار الموت، يمكن لكبار السن أن يتطلعوا لعيش عقود أخرى بسعادة مع أحفادهم، والمساهمة بشكلٍ فعال في مجتمعهم. ووجه سنكلير دعوة إلى الجميع بالحفاظ على صحتهم خلال الستوات العشر القادمة، ليتمكنوا بعدها، بفضل التقدم العلمي الكبير الذي يتوقعه في مجال أبحاث الشيخوخة، من الاستمتاع برؤية أحفاد أحفادهم.

اقرأ أيضاً: الشيخوخة: مرض أم عملية بيولوجية مسببة للمرض؟ جدل قديم متجدد

متى سنتغلب على الشيخوخة؟

بحسب البروفيسور سنكلير، لم يعد العلماء يطرحون السؤال: هل سنتمكن من التغلب على الشيخوخة؟ بل السؤال المطروح اليوم هو: متى سنتغلب على الشيخوخة؟

يرى سنكلير أن ذلك سيتحقق قريباً، لكننا بحاجة إلى الإسراع في تطوير التكنولوجيا ودعم المشاريع التي تختص بأبحاث الشيخوخة، وضرب مثالاً على ذلك مشروع الجينوم الإماراتي الذي يهدف إلى رسم خريطة وراثية لسكان الإمارات واستخدامها في أبحاث الرعاية الصحية.

وقال سنكلير: "ما أعرفه هو أنه من خلال تطوير تكنولوجيا الجينوم، والتي تعتبر دولة الإمارات العربية المتحدة متقدمة جداً فيها، أو بالأحرى هي على الأرجح الدولة الرائدة في العالم في علم الوراثة، ومن خلال التطورات في مجال الذكاء الاصطناعي والقدرة على قراءة بنى الخلية بالتفصيل، فإن ذلك سيدفع عجلة تقدم الطب بسرعة كبيرة بحيث لا يستطيع أحد منا تخيل كيف ستكون عليه الحياة في المستقبل القريب".

اقرأ أيضاً: برنامج الجينوم الإماراتي: استراتيجية شاملة نحو الحدّ من الأمراض الجينية والوراثية في الإمارات

استعادة الشباب أمر ممكن

تطرق سنكلير إلى اكتشافٍ رائع تم تحقيقه على يد أحد طلابه ويدعى وان تشنغ لو، وهو أن كل خلية من خلايا الجسم تحتفظ بنسخة احتياطية للشباب.

هذا يعني أننا لو رأينا شخصاً عجوزاً ضعيفاً ومريضاً، لا ينبغي أن نقول عنه مسناً، بل يمكن تشبيهه بحاسوب فيه برنامج تالف، ويجب إعادة تثبيته.

يعمل سنكلير في مختبره مع الطلاب على إجراء تجارب تساعدهم على الاستفادة من هذا الاكتشاف بغرض استعادة الشباب، وتُجرى هذه التجارب على بعض أنواع القوارض مثل الفئران، بالإضافة إلى بعض الرئيسيات مثل القردة. وأكد أن نتائج هذه التجارب مبشرة، وأنه سيتم بدء التجارب على البشر خلال عامين فقط.

يشبّه سنكلير الاكتشاف الأخير بمحاولة الطيران الأولى التي قام بها الأخوان رايت، فقد كانت تلك المحاولة بسيطة للغاية، لكنها أحدثت ثورة كبيرة. فبعد 65 سنة منها، وصل البشر إلى القمر. تخيل ما يمكن أن يحصل في المستقبل، لا سيما وأن التكنولوجيا قد تطورت بشكلٍ كبير، فقد كان تحديد تسلسل الحمض النووي لشخص واحد يتطلب سنوات من العمل وبتكلفة تتجاوز 2 مليار دولار، لكن اليوم، يستطيع طلاب سنكلير القيام بذلك خلال أيام وبتكلفة لا تتجاوز 200 دولار. لذلك، سيكون القرن الحادي والعشرين هو القرن الذي سنتعلم فيه التحكم في أنفسنا.

اقرأ أيضاً: استراتيجية جديدة لإبطاء الشيخوخة تجتاز أول اختبار لها هذا العام

الشيخوخة مرض بحد ذاتها

خلال معظم التاريخ البشري، لم نكن نفهم الشيخوخة ولم يكن هناك تعريف واضح لها، يرى سنكلير أن ذلك كان خطأ كبيراً. فالشيخوخة مسؤولة عن 90% من الأمراض التي تنجم عنها معظم المعاناة والوفيات كل يوم.

في كل أنحاء العالم، يقضي نحو 150 ألف شخص يومياً بسبب الشيخوخة. وقد صنف الباحثون نتائجها وأطلقوا أسماء عليها، مثلاً شيخوخة الدماغ تعرف باسم ألزهايمر، وشيخوخة الشرايين تسمى أمراض القلب. وشيخوخة البنكرياس والعضلات تسمى مرض السكري.

كل هذه الأمراض تحدث بالآلية نفسها، لذلك، لا يجب أن ننظر إلى الأمراض على أنها مستقلة عن بعضها بعضاً وأن نعالجها بأدوية مختلفة، الطريقة الصحيحة هي تطوير أدوية يمكنها أن تنعش جسد المريض بالكامل.

لذلك، برأي سنكلير، ينبغي علينا أن ندرس الشيخوخة على أنها مرض.

ما الذي يسبب الشيخوخة؟

الاعتقاد الشائع أن سبب الشيخوخة هو اهتراء الجسم بسبب تراكم الفضلات أو المخلفات، لكن سنكلير يرى أن سبب الشيخوخة ببساطة هو فقدان المعلومات. يبدو ذلك كما لو أن برنامج الجسم يتلف. وإذا كان ذلك صحيحاً، يمكننا إعادة الشباب مجدداً إلى كبار السن.

يشبه الحمض النووي في خلايا الجسم القرص المضغوط الذي يتم تخزين المعلومات عليه، وهذه المعلومات ليست مجرد صفر وواحد كما في في الحاسوب، وإنما إيه وتي وسي وجي (ATCG) في صيغة كيميائية للأدينين والثيامين والسيتوزين والغوانين، الشيخوخة لا تمثل فقدان المعلومات المخزنة في الحمض النووي، وإنما عدم القدرة على قراءة تلك المعلومات، على غرار الخدوش التي تمنع قراءة المعلومات من القرص المضغوط. فإذا كنا قادرين على استعادة قدرة الخلايا على قراءة المعلومات الموجودة في الحمض النووي مرة أخرى، سنكون قادرين على عكس مسار الشيخوخة.

اقرأ أيضاً: تعرف على الأدوية المكافحة للشيخوخة التي أغرت المستثمرين

مفهوم الإبيجينوم

الإبيجينوم (Epigenome) هو علم جديد من علوم الحياة، وهو يدرس الهياكل التي تخبر الخلية أي جين تنبغي قراءته. ففي الدماغ، تقرأ الخلية العصبية مجموعة مختلفة من الجينات عن  التي تقرؤها خلية الكبد.

عندما نولد، يوجد نفس الحمض النووي في كل الخلايا، لكن كل منها تحتوي على إبيجينوم مختلف، هذا يعني أن المعلومات على الحمض النووي تبقى كما هي مع التقدم في السن، لكن معلومات الإبيجينوم تتلف أو يصيبها التشوه.

كيف عرفنا ذلك؟

في دراسة استمرت 13 عاماً بمشاركة 64 عالماً، تم طرح سؤال بسيط: ماذا سيحدث إذا أتلفنا الإبيجينوم؟

تم إجراء التجربة على الفئران، وأدى إتلاف الإبيجينوم إلى تقدم الفئران في السن بسرعة أكبر من الفئران التي تمتلك نفس الحمض النووي.

اقرأ أيضاً: سام ألتمان يستثمر 180 مليون دولار في شركة تحاول تأخير الموت

طريقة علاج الشيخوخة

يوجد في كل خلية من خلايا الجسم جزيء يدعى إن إيه دي (NAD)، وهو ضروري للحياة وبدونه نموت في غضون 30 ثانية.

يتحكم إن إيه دي في نشاط بروتين وقائي شارك سنكلير في اكتشافه قبل نحو 25 عاماً اسمه سيرت 1، وهو واحد من 7 إنزيمات تحمي الجسم من الأمراض. ويبقى الأشخاص الذين لديهم مستويات عالية من سيرت 1 أو مستويات عالية من جزيء إن إيه دي بصحة جيدة لفترة أطول.

ما يعتقده العلماء هو أن سيرت 1 يحمي المعلومات المخزنة على الحمض النووي ويبطئ تلف الإبيجينوم.

بحسب التجارب التي أجراها سنكلير، يؤدي رفع مستويات إن إيه دي عند بعض الحيوانات إلى عكس التقدم في السن. وهناك طريقة واحدة فقط لتحقيق ذلك، وهي تناول أو حقن مادة طليعية من إن إيه دي، وثمة عدد من هذه المواد الطليعية، من بينها أحادي نيوكليوتيد أميد النيكوتين المعروفة اختصاراً بـ (NMN).

اقرأ أيضاً: كيف يحاول العلماء تجديد شبابك؟

لكن ماذا سيحدث لو تم رفع مستويات إن إيه دي عند البشر؟

في التجارب التي أجريت في جامعة هارفارد، تم إعطاء هذا الجزيء كمكمل غذائي لبعض كبار السن، وتبين أنهم أصبحوا أكثر صحة وتمتعوا بذاكرة أفضل، كما انخفضت لديهم نسبة الكوليسترول وضغط الدم.

يقول سنكلير إننا حين نرفع مستويات إن إيه دي في الجسم، فإننا نطلب من الخلية قراءة المعلومات الوراثية الموجودة على الحمض النووي مرة أخرى كما كانت الخلايا الأخرى تفعل ذلك منذ 20 عاماً، والخبر السار هو أننا نجحنا في ذلك.

تسمى هذه العملية باسم إعادة البرمجة الجزئية الإيبيجينية، أو إعادة تشغيل الجسم.

تحدث إعادة البرمجة الجزئية الإيبيجينية بفضل إعادة تنشيط الجينات التي تكون نشطة فقط عند صغار السن أو الرضّع أو الأجنة في الرحم، والتي توقفت عن العمل عند البالغين. فقد تبين وجود العديد من هذه الجينات في جسم كل شخص بالغ لكنها غير نشطة. وتؤدي إعادة تنشيطها إلى جعل الخلايا تتصرف كخلايا الأطفال مرة أخرى.

اقرأ أيضاً: هل يستطيع الطب أن يقضي على الشيخوخة؟

عمل سنكلير وطلابه على دراسة الجينات التي اكتشفها العالم الياباني شينيا ياماناكا الحائز على جائزة نوبل عام 2016، وهي أربعة جينات تكون نشطة في الخلايا الجنينية، وإذا تم تنشيطها في أي خلية فإنها تتحول إلى خلية جنينية (خلية جذعية) يمكن تحويلها فيما بعد لأي نوع من الخلايا.

يؤدي تنشيط الجينات الأربعة معاً عند أي كائن حي إلى موته لأن إحداها تسبب السرطان، لذلك، تم تنشيط ثلاثة منها فقط عند القردة، أي استبعاد الجين المسبب للسرطان، وكانت النتيجة مذهلة، لقد تراجع عمر الخلايا بنسبة 75% وتوقف تقدمها في العمر.

أجريت هذه التجربة على فئران تم إتلاف العصب البصري لديها ما تسبب في إصابتها بالعمى، لكن عندما تمت إعادة تنشيط الجينات الثلاثة، نمت الخلايا العصبية مجدداً، وتمكنت الفئران من استعادة بصرها. هذا يبشر بعلاجات مستقبلية للأمراض الناجمة عن تلف أجزاء من الجهاز العصبي مثل الشلل أو العمى.

يقول سنكلير إن شركته ومختبره سيتعاونان مع دولة الإمارات العربية المتحدة لجعل الإمارات مركزاً رائداً في علاج العمى وعكس مسار الشيخوخة والتقدم بالعمر.

في تجارب أخرى أجريت على فئران مسنّة فقدت ذكريات معينة، تمت استعادة تلك الذكريات المنسية، ما يعني أن كبار السن الذين يعانون من ألزهايمر أو الخرف لا يزالون يحتفظون بالذاكرة، ولكنهم لا يستطيعون استعادتها، ومن خلال عكس عمر خلايا الدماغ، سيكونون قادرين على تذكر الأشياء مرة أخرى.

اقرأ أيضاً: تحذير من أحد العلاجات الجينية الباهظة للشيخوخة

قال سنكلير في الندوة: "أردت أن أعطيكم بعض الدروس المستفادة، إن تجديد شباب جسم الإنسان قادم، سيبدأ بالعين، ثم نخطط للانتقال إلى معالجة فقدان السمع، ثم الخرف، ثم تجديد شباب العضلات والكلى، لذلك، ما نحتاج القيام به جميعاً هو البقاء على قيد الحياة لأطول فترة ممكنة حتى تصبح تلك التقنية جاهزة".

ما هي أفضل الطرق المتاحة حالياً لإبطاء الشيخوخة؟

ختم سنكلير ندوته بالحديث عن بعض النصائح التي أثبتت أبحاثه أنها تبطئ من الشيخوخة:

  • الصيام: يحاول سنكلير تناول معظم الطعام خلال ست ساعات فقط من اليوم، إنها إحدى أفضل الطرق لإبطاء الشيخوخة بحسب رأيه. فقد اكتشف مختبره أن الصيام يزيد من مستويات جزيء إن إيه دي الذي يساهم في ضبط الإبيجينوم وتفعيل قدرة الجسم على مكافحة الشيخوخة.
  • تجنب الوجبات الخفيفة: لجعل الجسم يرتاح من الطعام.
  • ممارسة الرياضة: لأنها تقوم بتنشيط بروتين سيرت 1، ويكفي فقط الجري ثلاث مرات في الأسبوع، كل مرة لمدة 15 دقيقة.
  • تجنب الإكثار من السكر: لأنه يرتبط بالبروتينات في الدم ويسبب مرض السكري.
  • تجنب اللحوم: تناول الأطعمة النباتية أكثر بكثير من اللحوم، وتجنب اللحوم الحمراء قدر الإمكان.
  • الحصول على ما يكفي من الفيتامينات: وبالأخص فيتامينات دي و كي وبي.

يؤكد سنكلير أننا نستطيع إطالة أعمارنا بما يصل إلى 15 عاماً إضافياً بمجرد تطبيق هذه النصائح.

اقرأ أيضاً: مقابلة مع البروفيسور جوزيبي موتشي: هل يمكن للخلايا الجذعية أن تعيد إليك شبابك؟

بالإضافة إلى هذه النصائح، ينصح سنكلير بأخذ الريسفيراترول والفيزيدين وسبيرميدين، وهي مركبات كيميائية تفرزها النباتات التي تتعرض للإجهاد. يمكن شراؤها على شكل مكملات غذائية. وقد ثبت أنها تطيل عمر العديد من الحيوانات.

المحتوى محمي