تقرير خاص

دولة قطر، الرائدة في مجال الرعاية الصحية الدقيقة بالمنطقة تتطلع لجذب المزيد من الشركاء في مجال التكنولوجيا الحيوية الدوائية

3 دقيقة
حقوق الصورة: قطر فاونديشن

ركّز الإعلان الرسمي عن معهد قطر للرعاية الصحية الدقيقة على عقد الشراكات وتطويرها

أسهم الطب الدقيق في الدفع بديناميكية للتحوّل من الرعاية الصحية التقليدية التي تعالج الأعراض والمرض السريري، والانتقال بها إلى رعاية صحية متقدّمة تعالج المريض تبعاً لخصائصه وتركيبته الوراثية، فهو يُعيد تصور مفهوم الطب التقليدي من خلال التنبؤ بالأمراض والوقاية منها وعلاجها - وبالتالي تبني استراتيجيات مخصصة تُلبي الاحتياجات المختلفة للمريض. وبذلك، فإن الطب الدقيق يمثل تحولاً جذرياً نحو رعاية صحية أكثر استباقية ودقّة تُمكّن الأفراد من عيش نمط حياة صحي وآمن.

تُعد دولة قطر من أوائل البلدان في المنطقة التي تبنت مفهوم الرعاية الصحية الدقيقة وأسست برنامجاً يدرس التركيب الجيني للسكان من خلال برنامج قطر جينوم، وهو البرنامج الأكبر والأكثر تقدماً في الشرق الأوسط. وتعتبر قطر الدولة الوحيدة في المنطقة التي نجحت في تحليل السلسلة الجينومية لأكثر من 10% من سكانها المحليين.

على مدار السنوات الثماني الماضية، بذل قطر بيوبنك، وبرنامج قطر جينوم، التابعان لمؤسسة قطر، جهوداً حثيثة لضمان تمثيل التسلسل الجيني العربي بشكل أفضل في مجموعات البيانات الجينومية العالمية، بعدما كان في السابق يعرف تمثيلاً متدنّياً. وقد استطاع عضوا مؤسسة قطر حتى الآن إجراء أكثر من 40 ألف تسلسل جينوم قطري وعربي، ما وفر ثروة من البيانات حول الجينوم العربي.

وفي إطار دعم مساعي البلاد وتسخيرها في اعتماد ممارسات الطب الشخصي وتطبيقها، أطلقت مؤسسة قطر رسمياً في أبريل/نيسان 2024 معهد قطر للرعاية الصحية الدقيقة، الذي يهدف إلى توحيد الجهود المبذولة في مجال العلوم الصحية والجينوم لدى كلٍ من قطر بيوبنك وبرنامج قطر جينوم. 

أسهمت الجهود الحثيثة التي بذلها كل من قطر بيوبنك وبرنامج قطر للجينوم خلال العشر سنوات الماضية في تمهيد الطريق نحو تأسيس معهد قطر للرعاية الصحية الدقيقة، حيث يعمل المعهد على دمج جهود المراكز البحثية التابعة لمؤسسة قطر وغيرها في أنحاء قطر، لتقديم الأدلة والمعلومات المستندة على نتائج البحوث العلمية، واستخدامها لاستكشاف تأثيرات أنماط الحياة والبيئة والوراثة التي تطال السكان وتحقيق رؤية قطر الوطنية 2030.

كما سيعمل معهد قطر للرعاية الصحية الدقيقة على تقديم الطب الشخصي من خلال نقل نتائج البحوث من المختبرات إلى العيادات، وهو نهج يُعرف باسم "من المختبر إلى السرير"، ما يحقق الاستفادة المباشرة للمرضى من خلال تحديد مجالات التركيز السريرية الرئيسية التي تلبي احتياجات قطر، وتوسيع نطاق الطب الشخصي لاستخدامه في الممارسات السريرية، ووضع برامج السياسات التي توّفر التوجيه والإرشاد في مجال الطب الشخصي إلى جانب الرقابة والتنظيم.

وقد شارك علماء وباحثون ومتخصصون في الرعاية الصحية وصانعو السياسات من جميع أنحاء المنطقة والعالم في جلسة نقاشية تزامنت مع فعالية الإعلان الرسمي عن تدشين معهد قطر للرعاية الصحية الدقيقة. خلال الجلسة جرت مناقشة مستقبل الطب الدقيق في قطر، بينما ركز خبراء ينتمون إلى قطاع صناعة الأدوية والتكنولوجيا الحيوية على الفرص والتحديات المتمثلة في الشراكات الاستراتيجية من حيث تنفيذ أهداف الرعاية الصحية الدقيقة في قطر.

انعقدت الجلسة التي أدارتها الدكتورة إيليني فتينو، العالمة في قطر بيوبنك، التابع لمعهد قطر للرعاية الصحية الدقيقة، تحت عنوان "عقد الشراكات مع شركات الأدوية والتكنولوجيا الحيوية في الشرق الأوسط"، وشارك فيها خبراء يمثلون الشركات الرائدة في مجال علم الجينوم والطب الدقيق، منهم الدكتور فهمي ساطور الرئيس الطبي لشركة "روش" في منطقة الخليج، والدكتورة رنا لونين المدير العام لشركة "سي في سي نوفارتس"، والدكتورة آن أيرتس رئيسة مؤسسة "نوفارتيس"، والدكتور محمد غانم رئيس قسم الرعاية الصحية في جهاز قطر للاستثمار. 

في مستهل النقاش، تناول المتحدثون تجليات البيئة البحثية في المنطقة والمشهد الاستثماري السائد، مع التركيز على قطر كمركز لجذب أهم شركات العلوم الحيوية العالمية للاستثمار في البحوث الصحية الدقيقة. فقد سلط الدكتور غانم الضوء على أهمية الرعاية الصحية الدقيقة وتطورها المستمر في قطر. وقال: "نحن نركز على توفير البنية التحتية المناسبة بحيث نتمكن من تطوير الخدمات الطبية في المنطقة والعالم أجمع".

من جهتها، أكدت الدكتورة أيرتس على أهمية إتاحة الوصول إلى البيانات الطبية والموارد التكنولوجية المتقدمة، والاستفادة منها في التحوّل من الأساليب التقليدية للرعاية الصحية. وقالت: "نحتاج إلى إنجاز الأمور بشكل مختلف. علينا تغيير عقليتنا، والتركيز على التوقع والتنبؤ واستشراف المستقبل في نهجنا للرعاية الصحية. كما علينا الاستفادة من هذه الكمية الهائلة من البيانات، والقدرات التحليلية الضخمة، والتقنيات الحسابية المتقدمة لمساعدتنا على التحول من النهج التفاعلي إلى نهج استباقي يتيح لنا تأسيس أنظمة صحية وقائية".

ناقشت الجلسة أيضاً وجهات النظر المقترحة لعقد الشراكات وضمان استدامتها، بما في ذلك دور رأس المال الاستثماري في دعم الابتكار الطبي الحيوي والتوصل إلى علاجات جديدة.

وفي إطار عرض وجهة نظر المستثمرين، أشارت الدكتورة لونين إلى كون الطب الدقيق أو الرعاية الصحية الدقيقة بات يمثل أولوية قصوى لكل شركة مستثمرة في مجال الأدوية، مركزة على أهمية التعاون، مع التأكيد على أن الثقة تمثل جزءاً أساسياً في أي شراكة. وأضافت: "لنتذكر أننا نتعاون ولا نتنافس مع بعضنا البعض".

كما تطرقت الندوة إلى المكاسب المتبادلة التي تحققها الشراكات في تحسين قدرات كل من صناعة التكنولوجيا الحيوية ومعاهد البحوث في المنطقة، بما يتخطى إنجاز البحوث السريرية والوصول إلى البيانات، ليطال أيضاً الاكتشافات البحثية وتحويلها إلى إجراءات طبية قابلة للتطبيق.

تعليقاً على ذلك، أكد الدكتور فهمي ساطور أنه "يمكننا الوصول إلى معادلة تؤمن الفوز للطرفين. فتحقق صناعة الأدوية انتشاراً عالمياً وتستفيد من أحدث التكنولوجيا وتتبع أساليب عمل جديدة مرنة. في المقابل، تساعد المؤسسات العلاجية، مثل المستشفيات، من خلال بناها التحتية في تأمين القدرة على الوصول للمرضى والتعامل معهم. سنحقق بذلك المكاسب لنا وللمرضى على حد سواء". 

ويمثل إنشاء معهد قطر للرعاية الصحية الدقيقة محطة رئيسية في رؤية دولة قطر لتطبيق الرعاية الصحية الدقيقة في منطقة الشرق الأوسط.  فمن خلال التركيز على الشراكات الاستراتيجية والتعاون الهادف، يروم المعهد تلبية احتياجات الرعاية 

الصحية المتطورة والإسهام في رسم ملامح مستقبل الرعاية الصحية في دولة قطر عبر تفعيل ممارسات الطب الدقيق، ما يمهد الطريق لمستقبل صحي وحيوي.

المحتوى محمي