البيانات لا تموت: قصة حياة المعلومة من لحظة ولادتها إلى اختفائها

3 دقيقة
shutterstock.com/LuckyStep

تنتج البشرية يومياً نحو 2.5 كوادريليون بايت من البيانات، ليصل حجم البيانات في العالم إلى 147 زيتابايت عام 2024، ما يجعل إدارتها عبر دورة الحياة ضرورة استراتيجية.

  • دورة حياة البيانات هي المراحل التي تمر بها البيانات من الإنشاء حتى الحذف، وتهدف إلى ضمان جودتها وأمانها وتحو…

تولد البشرية اليوم ما يقارب 2.5 كوادريليون بايت من البيانات يومياً، تضاف إلى عالم رقمي بلغ مقدار ما يحتويه من البيانات في نهاية عام 2024، 147 زيتابايت من البيانات، وهو ضعف ما كان عليه الأمر عام 2020.

مع هذا الحجم الهائل، تصبح إدارة هذه البيانات طوال دورة حياتها مسألة جوهرية لأي مؤسسة تطمح لتحويلها إلى قيمة فعلية. ويقصد بدورة حياة البيانات الطريق الذي تسلكه من لحظة جمعها أو تكوينها، وحتى تدميرها أو التصرف فيها. إذ تولد المؤسسات والأفراد كماً هائلاً من البيانات بصورة مستمرة، من المعاملات البنكية والتفاعلات على وسائل التواصل إلى أجهزة الاستشعار وإنترنت الأشياء.

ما هي دورة حياة البيانات وما أهميتها؟

دورة حياة البيانات (Data Lifecycle) تشير إلى تسلسل المراحل التي تمر بها أي وحدة من البيانات، من لحظة إنشائها أو الحصول عليها حتى لحظة التخلص النهائي منها. قد تختلف تسميات المراحل وعددها من مصدر لآخر، لكن المفهوم الأساسي ثابت: التعامل مع البيانات كأصول تتحرك داخل منظومة مؤسسية وتخضع لسياسات ومعايير عبر كل مرحلة.

تكمن أهميتها في أنها تساعد المؤسسات على ضمان جودة البيانات وسلامتها، ما يسهم في اتخاذ قرارات أفضل، وهي تمكن من الامتثال للتشريعات والمعايير مثل اللائحة العامة الأوروبية لحماية البيانات GDPR من خلال إرساء سياسات واضحة للحوكمة والاحتفاظ والحذف، كما تقلل التكاليف والمخاطر المرتبطة بالتخزين غير المنظم أو البيانات المتقادمة أو غير المستخدمة.

اقرأ أيضاً: البيانات الضخمة: كيف تحول الأرقام إلى قرارات فعالة؟

المراحل النموذجية لدورة حياة البيانات

تتألف دورة حياة البيانات من المراحل التالية:

1. إنشاء البيانات أو الحصول عليها

في هذه المرحلة تولد البيانات أو تكتسب من مصادر متعددة كأجهزة الاستشعار وتفاعلات المستخدم والمعاملات التجارية وقواعد البيانات الخارجية. وتكون الاعتبارات الرئيسية في هذه المرحلة هي ضمان موثوقية المصادر والتحقّق من جودة البيانات وتصنيفها (مثلاً: سرية أو عامة) منذ البدء. إذا فشلت هذه المرحلة، كأن تدخل مثلاً بيانات غير دقيقة أو مفقود جزء منها، فإن كل المراحل التالية ستتأثر.

2. التخزين

بعد الإنشاء، تخزن البيانات في بنى تحتية مناسبة كقواعد البيانات ومستودعات البيانات وبحيرات البيانات، أو في أماكن التخزين السحابي أو المحلي. ومن التحديات التي تواجه هذه المرحلة اختيار خيارات التخزين المناسبة وإدارة حجم البيانات المتزايد وتأمين الوصول والتراجع عن النظام عند الحاجة. كما يجب الأخذ بعين الاعتبار أن التخزين ليس مجرد احتفاظ؛ بل يشمل النسخ الاحتياطي وتنظيم الوصول وضمان أن تكون البيانات قابلة للاسترجاع عند الحاجة.

3. المعالجة والتنظيم

في هذه المرحلة تحول البيانات الخام إلى صيغ قابلة للاستخدام بعد أن تكون قد خضعت إلى عملية تنظيف من القيم المفقودة أو الخاطئة، كما يتم الدمج بين مصادر متعددة للبيانات وتحويل الصيغ، وربما تشفير أو ضغط. والهدف من هذه المرحلة إنتاج بيانات جاهزة للتحليل، وليس بيانات خام غير منظمة. هذه المرحلة أيضاً تشمل المحافظة على تتبّع الأصل (Data Lineage) وفهم كيف تحولت البيانات عبر العمليات.

4. الاستخدام والتحليل

هنا تظهر القيمة الحقيقية للبيانات عبر تحليلها واستخدامها لاتخاذ القرار أو تحسين العمليات. تتضمن تمثيل البيانات وتقارير BI (ذكاء الأعمال) والنمذجة التنبؤية وحتى تشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي، ما يجب الالتفات إليه في هذه المرحلة أن ليس كل استخدام يؤدي إلى قيمة؛ إذ يجب التأكد من أن التحليل يتم ضمن سياق تجاري أو تشغيلي واضح. وفي هذه المرحلة تظهر مشكلات مثل التحيّز في البيانات أو استخدام بيانات غير مناسبة يؤدي إلى تفسيرات خاطئة.

5. الأرشفة أو الاحتفاظ طويل الأجل

بعض البيانات لا تستخدم بانتظام، لكن يجب الاحتفاظ بها لأسباب قانونية وتنظيمية أو خبرية. وتهدف هذه العملية إلى تحسين كفاءة التخزين النشط وتقليل تكلفة الاحتفاظ وضمان إمكانية الوصول عند الحاجة. يجب مراعاة تحديد سياسة واضحة للاحتفاظ، كأن يحتفظ ببيانات خاصة بإحدى الشركات لمدة محددة من السنوات ثم تنقل للأرشيف.

6. الحذف أو التخلص النهائي

في نهاية حياتها، تحذف البيانات أو تدمر بطريقة آمنة لتفادي المخاطر مثل الاختراق أو تسريبها. ومراعاة للأمن والخصوصية، يعد التخلص الآمن جزءاً من الحوكمة والمساءلة. تتجاهل الكثير من المؤسسات هذه المرحلة، ما يؤدي إلى تراكم بيانات ميتة تشكل عبئاً أو خطراً.

اقرأ أيضاً: ما هي تهديدات البيانات الشخصية في أكبر مجموعة لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي؟

إدارة دورة حياة البيانات وحوكمتها

إدارة دورة حياة البيانات لا تقتصر على تنفيذ المراحل فحسب، بل تتطلب حوكمة مستمرة من رسم السياسات وتعيين الأدوار (مالكي البيانات، وأمناء البيانات)، وتتبّع الصفات ومراقبة الجودة وضمان الامتثال. تضمن الحوكمة أن كل مرحلة لا تعمل بمعزل، بل ضمن إطار مؤسسي شامل يعزز الثقة والشفافية.

التحديات والصعوبات في هذه المرحلة

  • تحديد من المسؤول عن البيانات في كل مرحلة.
  • معالجة التحيّز في البيانات أو الخوارزميات التي تعالجها.
  • إدارة كميات هائلة من البيانات بمصادر مختلفة وبجودة متباينة.
  • التوافق مع التشريعات والتغيرات التنظيمية المستمرة.
  • التخلص من البيانات بطريقة آمنة مع المحافظة على الأرشيف المطلوب.

اقرأ أيضاً: دليل القادة لاكتشاف فجوات المهارات باستخدام تحليل البيانات

دورة حياة البيانات هي ليست مجرد مفهوم نظري، بل هي الخريطة التي ترشد المؤسسات في رحلة البيانات كأصول تجارية. من لحظة إنشائها إلى استخدامها وأرشفتها أو حذفها، كل مرحلة تحتاج إلى انتباه واستراتيجية. عند إدارة هذه المراحل بوعي، تتحول البيانات من عبء محتمل إلى ميزة تنافسية. والأهم من ذلك: دون دورة حياة واضحة وحوكمة جيدة، فإن البيانات مهما كانت ضخمة قد لا تترجم إلى قيمة حقيقية بل إلى تكدس ومخاطر.

المحتوى محمي