إذا كنت تخشى من أن يحل الذكاء الاصطناعي مكانك في المهام الروتينية والتكرارية أو غيرها، فعليك أن تعلم أن ما يجب أن تحسب حسابه حقاً هو وكلاء الذكاء الاصطناعي الذين صُمِموا تحديداً ليحلوا محل العاملين في الكثير من المهام. أي يمكن إعداد وكيل ذكاء اصطناعي لينفذ العديد من المهام المحددة مسبقاً.
كيف أصبح الذكاء الاصطناعي وكيلاً؟
في عام 1950، كتب آلان تورينغ مقاله الشهير "هل تستطيع الآلات أن تفكر؟" "Can machines think?" لمجلة التايم، فيما كان المرة الأولى التي يُشار فيها إلى الآلات بأنها يمكن أن تفكر. وبعده بست سنوات خرج جون مكارثي مع زملائه ناثان روشستر وكلاود شانون ومارفن مينسكي بورقة عمل عنونت بـ "اقتراح دارتموث"، وفيها طُرِح مصطلح الذكاء الاصطناعي الذي كان يمكن أن يُطلق على إحدى الآلات لدى اجتيازها اختبار تورينغ الشهير، فقد أراد مكارثي تخصيص هذا المصطلح لمجال محدد منفصل عن مجال التحكم الآلي، ولتعريف الآلات التي يمكن أن تحاكي جانباً من جوانب الذكاء البشري، لا سيما وهو الذي لم يكن يرى في الذكاء البشري ذلك الأمر الذي لا يمكن فهمه. وفقاً لماكارثي وزملائه، سيكون كافياً وصف أي سمة من سمات التعلم البشري بالتفصيل، ثم إعطاء هذه المعلومات إلى آلة بُنيت لمحاكاتها.
كانت هذه الورقة بمثابة شرارة الانطلاق، إذ أثارت الكثير من الحماس في أوساط علماء الكمبيوتر، فبعدها خرج آرثر صموئيل بلعبة الضاما التي كانت برنامجاً يمكنه التعلم من نفسه إلى أن يتفوق على مهارات صانعه، وهو الذي خرج بمصطلح التعلم الآلي، وحدد نهجين متميزين؛ أولهما الشبكة العصبونية التي تعتمد على مبدأ المكافأة والعقاب في عملية التعلم العامة، وهو النهج الذي استطاع من خلاله تطوير آلات تحاكي جوانب التفكير البشري وتعالج اللغة، ونهجه الثاني كان محدداً، أي أن تُوجه عملية التعلم لتدريب البرنامج على مهام محددة.
مرَّ الذكاء الاصطناعي كمجال بحثي مستقل بالكثير من العثرات والشتاءات، حتى كاد العامة ينسون هذا المصطلح على الرغم من أن الثورة التكنولوجية كانت في أوجها في الربع الرابع من القرن العشرين، ليعود إلى الواجهة في عام 1995 مع مصطلح الذكاء الاصطناعي الضيق، وليبدأ انطلاقة موفقة مع جوجل ديب مايند عام 2010 التي تأسست على يد ديميس هاسابيس ومصطفى سليمان وشين ليغ. ليدخل الكثير من الشركات هذا السباق فيما بعد، ومن أشهرها أوبن أيه آي، وأنثروبيك، وغيرها.
اقرأ أيضاً: أيّهما أخطر: الذكاء الاصطناعي العام أمْ إساءة استخدام الذكاء الاصطناعي الحالي؟
هذه النهضة في مسيرة الذكاء الاصطناعي شهدت نقطة علام في أواخر عام 2022 مع إطلاق بوت الدردشة تشات جي بي تي، القائم على النماذج اللغوية جي بي تي، ورافقته العديد من النماذج اللغوية التابعة لشركات أخرى، التي أصبحت حديث الساعة، حتى إن كثيرين يتخوفون من أنها قد تحل محلهم في مجالات عملهم. لتبين التجارب اللاحقة أن استخدامها من قِبل العاملين أنفسهم قد يُحدِث فرقاً في حال استخدام الأمر المناسب. ويعني مما يعني، أن تكون محدداً فيما تطلبه من بوت الدردشة.
ولم تنتهِ الضجة المثارة حول بوتات الدردشة بعد إلّا وشاعت في الأجواء عبارة أخرى وهي "وكيل الذكاء الاصطناعي"، وهو برنامج يمكنه التفاعل مع بيئته وجمع البيانات واستخدامها لأداء مهام محددة بغرض تحقيق أهداف محددة مسبقاً. بكلمات أخرى، إذا كنت طبيباً وتستخدم وكيل ذكاء اصطناعي، فمن المفترض أن يتمكن من جمع بيانات مرضاك، ليعطيك تشخيصاً أولياً لأمراضهم المحتملة. وقد حدث هذا التحول بعد طفرة بوتات الدردشة والتطورات الكبيرة التي شهدها مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي، إذ لم تقف الحاجة عند وجود بوتات دردشة ونماذج لغوية يمكنها الإجابة عن تساؤلاتنا وتلخيص تقاريرنا وكتابتها أحيانا، أو مساعدتنا على كتابة التعليمات البرمجية وإنشاء البرامج أو توليد الصور، لقد أردنا مساعدات حقيقية، كسيري وكورتانا وأليكسا، لكن بإمكانات تتجاوز مجرد الاستجابة للمطالبات. أردنا مساعدات تتدخل بشكلٍ حقيقي في أعمالنا وتضمن تنفيذها حتى في غيابنا، مع التزامها بمسار محدد والقدرة على معالجة البيانات التي تجمعها، واتخاذ القرار المناسب، والتعلم من أخطائها ذاتياً دون أن يُعاد تلقينها لها. هؤلاء الوكلاء لا يأتون بنمط ونوع واحد، بل لهم أنواع عدة.
اقرأ أيضاً: كيف يسرّع تشات جي بي تي تطور وكلاء الذكاء الاصطناعي وانتشارها؟
ما هي أنواع وكلاء الذكاء الاصطناعي؟
يتدرج وكلاء الذكاء الاصطناعي الممكن استخدامه في الأعمال من أدوات التشغيل الآلي البسيطة المخصصة إلى المساعدات المتطورة متعددة الأغراض التي يمكنها إنجاز سير العمل بالكامل. يعتمد اختيار وكيل الذكاء الاصطناعي المناسب أو تطويره على عدة عوامل -بما في ذلك التعقيد الفني وتكاليف التنفيذ وحالات الاستخدام المحددة- حيث تختار بعض المؤسسات حلولاً جاهزة للاستخدام بينما تستثمر مؤسسات أخرى في وكلاء مخصصين مصممين خصيصاً لتلبية احتياجاتهم الفريدة، إذ توجد منصات مخصصة ببناء وكلاء الذكاء الاصطناعي.
1- الوكيل البسيط الذاتي Simple reflex agents
من أبسط أشكال الذكاء الاصطناعي. يتخذ هؤلاء الوكلاء قرارات بناءً فقط على المدخلات، وتحدث استجابة بناءً عليها دون الحاجة إلى الذاكرة أو عمليات التعلم. ويخضع سلوكهم لقواعد الإجراء الشرطي المحددة مسبقاً، التي تحدد كيفية الاستجابة لمدخلات معينة.
العناصر الرئيسية في هؤلاء الوكلاء: هي أجهزة الاستشعار Sensors، وقواعد الإجراء الشرطي Condition-action rules، والمشغلات Actuators.
أين يمكن استخدامه؟
يمكن استخدام هذا النوع من الوكلاء في البيئات التي يمكن التنبؤ بسير العمليات فيها وتكون ذات متغيرات محدودة. مثال عليها:
- أجهزة استشعار السلامة الصناعية: التي توقف تشغيل الآلات فوراً عند اكتشاف خلل في منطقة العمل.
- أنظمة الرش الآلية: التي تُفعّل عند اكتشاف الدخان.
- الرد التلقائي عبر البريد الإلكتروني: الذي يرسل رسائل محددة مسبقاً بناءً على كلمات رئيسية محددة أو عناوين المرسل.
على الرغم من محدودية استخدام هؤلاء الوكلاء، فإن طريقتهم المباشرة تضفي عليهم صفتي الكفاءة والسهولة، خاصة في البيئات التي يكون فيها نطاق الإجراءات الممكنة محدوداً.
2- الوكيل البسيط القائم على النموذج Model-based reflex agents
شكل أكثر تطوراً من الوكلاء الأذكياء المصممين للعمل في بيئات يمكن مراقبتها جزئياً. على عكس الوكيل البسيط الذاتي، الذي يتفاعل فقط بناءً على المدخلات في الوقت الفعلي. يحافظ الوكيل المستند إلى النموذج على تمثيل داخلي أو نموذج للعالم. العناصر الرئيسية في هؤلاء الوكلاء: هي تتبع الحالة State tracker، ونموذج العالم World model، ومكون الاستدلال Reasoning component.
أين يمكن استخدامه؟
هذا النوع من الوكلاء مناسب للبيئات التي لا يمكن فيها مراقبة العمليات بشكلٍ كامل من خلال بيانات المستشعر وحدها. مثل:
- أنظمة أمن المنازل الذكية: تُستخدم فيها نماذج من أنماط النشاط المنزلي العادي للتمييز بين الأحداث الروتينية والتهديدات الأمنية.
- أنظمة مراقبة الجودة: مراقبة عمليات التصنيع من خلال الحفاظ على نموذج قياسي للعمليات للكشف عن الانحرافات.
- أدوات مراقبة الشبكة: تتبع حالة الشبكة وأنماط حركة المرور لتحديد المشكلات أو الحالات الشاذة المحتملة.
يتتبع هذا النموذج كيفية تطور البيئة، ما يسمح للوكيل باستنتاج جوانب غير ملحوظة من الحالة الحالية. وفي حين أن هؤلاء الوكلاء لا "يتذكرون" الحالات الماضية في الواقع بالطريقة التي يفعلها الوكلاء الأكثر تقدماً، فإنهم يستخدمون نموذج العالم لاتخاذ قرارات أفضل بشأن الحالة الحالية.
اقرأ أيضاً: ما الذي تعرفه عن مصادر البيانات المستخدمة في بناء أنظمة الذكاء الاصطناعي؟
3- الوكيل القائم على الهدف Goal-based agents
صُمِم الوكيل القائم على الأهداف لتحقيق أهداف محددة من خلال النظر في نتائجها. العناصر الرئيسية لهؤلاء الوكلاء: حالة الهدف Goal state، وآلية التخطيط Planning mechanism، وتقييم الحالة State evaluation، واختيار الإجراء Action selection، ونموذج العالم World model.
أين يمكن استخدامه؟
هذا النوع من الوكلاء مناسب للمهام ذات الأهداف الواضحة والمحددة جيداً ونتائج العمل التي يمكن التنبؤ بها.
- الروبوتات الصناعية: التي تتبع تسلسلات محددة للعمل في المصانع.
- أنظمة المستودعات الآلية: تخطيط المسارات المُثلى لحركة العناصر فيها.
- أنظمة التدفئة الذكية: تخطيط تعديلات درجة الحرارة للوصول إلى المستويات المطلوبة.
- أنظمة إدارة المخزون: تخطيط جداول إعادة الطلب للحفاظ على مستويات المخزون .
- أنظمة جدولة المهام: تنظيم تسلسل العمليات للالتزام المواعيد النهائية للانتهاء.
على عكس النوعين السابقين القائمين على القواعد أو النماذج العالمية، فإن الوكلاء القائمين على الأهداف يخططون لتسلسل الإجراءات لتحقيق النتائج المرجوة، ويستخدمون خوارزميات البحث والتخطيط للعثور على تسلسلات الإجراءات التي تؤدي إلى أهدافهم.
اقرأ أيضاً: ما هي المتطلبات الحالية والمستقبلية التي تضمن عمل تطبيقات الذكاء الاصطناعي على النحو الأمثل؟
4- وكيل التعلم Learning agent:
هو نظام ذكاء اصطناعي قادر على تحسين عمله بمرور الوقت من خلال التفاعل مع بيئته والتعلم من تجاربه. يعدّل هؤلاء الوكلاء سلوكهم بناءً على التغذية الراجعة والخبرة المكتسبة، وذلك باستخدام آليات التعلم المختلفة لتحسين أدائهم.
العناصر الرئيسية في هؤلاء الوكلاء:عنصر الأداء Performance element، والناقد Critic، وعنصر التعلم Learning element، ومولد المشكلات Problem generator.
أين يمكن استخدامه؟
وكيل التعلم مناسب للبيئات التي لا يكون فيها السلوك الأمثل معروفاً مسبقاً ويجب تعلمه (للسلوك) من خلال الخبرة.
- التحكم في العمليات الصناعية: تعلّم الإعدادات المثلى لعمليات التصنيع من خلال التجربة والخطأ.
- أنظمة إدارة الطاقة: تعلم أنماط الاستخدام لتحسين استهلاك الموارد.
- بوتات الدردشة المخصصة لخدمة العملاء: تحسين دقة الاستجابة بناءً على نتائج التفاعل.
- أنظمة مراقبة الجودة: تعلم تحديد العيوب بدقة أكبر مع مرور الوقت.
على عكس أنواع الوكلاء الأبسط، يمكنهم اكتشاف كيفية تحقيق أهدافهم من خلال الخبرة بدلاً من الاعتماد على المعرفة المبرمجة مسبقاً فقط.
اقرأ أيضاً: كيف يمكن ترشيد استهلاك الطاقة في أثناء تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي؟
5- وكيل على أساس الفائدة أو المنفعة A utility-based agent
يتخذ الوكيل القائم على المنفعة القرارات من خلال تقييم النتائج المحتملة لأفعاله. العناصر الرئيسية في هؤلاء الوكلاء: دالة المنفعة Utility function، وتقييم الحالة State evaluation، وآلية القرار Decision mechanism، ونموذج البيئة Environment model.
أين يمكن استخدامه؟
هذا النوع من الوكلاء مناسب للسيناريوهات التي تتطلب التوازن بين الأهداف المتنافسة المتعددة.
- أنظمة تخصيص الموارد: الموازنة بين استخدام الآلة واستهلاك الطاقة وأهداف الإنتاج.
- إدارة المباني الذكية: التحسين بين الراحة وكفاءة الطاقة وتكاليف الصيانة
- أنظمة الجدولة: الموازنة بين أولويات المهام والمواعيد النهائية وقيود الموارد.
يمكن للوكلاء المعتمدين على المنفعة التعامل مع الفروقات بين الأهداف المتنافسة عن طريق تعيين قيم رقمية لنتائج مختلفة، تعطي تقييماً للمهام المختلفة يتعامل معها النموذج.
6- الوكيل الهرمي Hierarchical agents
يعمل هذا النوع من الوكلاء وفق نظام متدرج، حيث يدير الوكلاء أصحاب المستوى الأعلى ويوجّهون تصرفات الوكلاء أصحاب المستوى الأدنى. تقسّم هذه البنية المهام المعقدة إلى مهام فرعية يمكن التحكم فيها، ما يسمح بمزيد من التحكم المنظم واتخاذ القرار. العناصر الرئيسية في هؤلاء الوكلاء: تحليل المهام Task decomposition، والتسلسل الهرمي للأوامر Command hierarchy، وآليات التنسيق Coordination mechanisms، وتفويض الهدف Goal delegation.
أين يمكن استخدامه؟
الوكيل الهرمي ملائم للأنظمة ذات التسلسلات الهرمية الواضحة للمهام والمهام الفرعية المحددة جيداً.
- أنظمة التحكم في التصنيع: تنسيق المراحل المختلفة لعمليات الإنتاج.
- أتمتة البناء: إدارة الأنظمة الأساسية مثل التدفئة والتهوية وتكييف الهواء والإضاءة من خلال التحكم الطبقي.
- تخطيط المهام الروبوتية: تقسيم المهام الروبوتية البسيطة إلى حركات وإجراءات أساسية.
اقرأ أيضاً: كيف تؤثّر الأتمتة في إدارة الأعمال والموظفين؟
7- نظام متعدد الوكلاء Multi-agent System اختصاراً (MAS)
يتضمن النظام متعدد الوكلاء العديد من الوكلاء الذين يتفاعلون ضمن بيئة عمل مشتركة، ويعملون بشكلٍ مستقل أو تعاوني لتحقيق الأهداف الفردية أو الجماعية. تركّز الأنظمة متعددة الوكلاء التقليدية على عوامل بسيطة نسبياً تتفاعل من خلال البروتوكولات والقواعد الأساسية. العناصر الرئيسية في هؤلاء الوكلاء: بروتوكولات الاتصال Communication protocols، وقواعد التفاعل Interaction rules، وإدارة الموارد Resource management، وآليات التنسيق Coordination mechanisms: أنظمة لتنظيم أنشطة الوكلاء ومنع التعارض بينها.
أين يمكن استخدامه؟
النظام المتعدد الوكلاء هو الأنسب للسيناريوهات ذات قواعد التفاعل الواضحة.
- إدارة المستودعات: تنسّق العديد من الروبوتات لنقل العناصر وفرزها.
- التصنيع الأساسي: تنسيق مهام التجميع البسيطة بين أجهزة متعددة.
- تخصيص الموارد: إدارة الموارد المشتركة مثل وقت المعالجة أو مساحة التخزين.
كيف تختار وكيل الذكاء الاصطناعي المناسب لك؟
قد يكلفك استخدام وكيل ذكاء اصطناعي ميزانية لا يُستهان بها، ولتتأكد من أنك لا تهدر أموالك على وكيل قد لا تكون بحاجة إليه، اقرأ أنواع وكلاء الذكاء الاصطناعي جيداً، وحدّد متطلبات استخدام الوكيل، ثم اختر ما يناسبك.
من العوامل الإضافية التي ينبغي مراعاتها:
- حجم الاستجابات: علامة فارقة يمكن أن تؤثّر في رغبتك بشراء وكيل دون آخر حتى لو كان سعره مرتفعاً.
- تعدد قنوات الاستجابة: لتلبي استفسارات العملاء التي قد تكون من مصادر متعددة.
- تعقيد الاستجابة: بحيث ترضي العميل أو صاحب العمل.
- تقييمه لما يقدمه من إجابات: قد يكون العامل الأهم، إذ على الوكيل أن يُميّز المعلومات المحدّثة من تلك التي بحاجة إلى تحديث. هذا مهم لا سيما في حال الوكيل الممكن استخدامه لأغراض طبية.