قررت إدارة شركة ما أن الوقت قد حان لتبني الثقافة الرقمية بشكل كامل، وتمهيداً لذلك أراد فريق الإدارة أن يشعر كل فرد، من المتدربين إلى المدراء التنفيذيين بأنهم على اتصال من مناحي الشركة كافة من خلال التكنولوجيا، التي ستمكنهم أيضاً من تحقيق تبنٍ جيد للثقافة الرقمية. ولنشر هذه الثقافة، أطلقت الإدارة مبادرة فريدة من نوعها بعنوان "اليوم الرقمي".
في اليوم الرقمي الأول، ضج المكتب بالحماس والفضول. استبدل الموظفون اجتماعاتهم المعتادة بورش عمل تفاعلية حول أدوات المشاركة والمنصات السحابية والأمن السيبراني. وكان الحدث الأبرز هو لعبة البحث عن الكنز الرقمي، حيث استخدمت الفرق التطبيقات والموارد الإلكترونية لحل الألغاز، وكشفت عن حقائق شيقة حول مسيرة الشركة الرقمية.
ومن اللحظات التي لا تنسى عندما اكتشفت سارة، متدربة التسويق، ملفاً مخفياً على محرك الأقراص المشترك للشركة، يحتوي على فيديو مؤثر من الرئيس التنفيذي حول أهمية الانفتاح الرقمي والتعلم المستمر. ألهمها هذا الفيديو، فشاركته على منصة الشركة للتواصل الاجتماعي، ما أثار موجة من الحماس والأفكار الإبداعية.
مع نهاية اليوم، أدرك الفريق أن الثقافة الرقمية لا تقتصر على الأدوات فحسب، بل تشمل أيضاً العقلية والتواصل والنمو المشترك. وأصبح اليوم الرقمي تقليداً شهرياً، محولاً التكنولوجيا إلى جسر يربط بين الأفراد والأفكار والابتكارات في جميع أنحاء الشركة.
لكن هذه هي البداية فقط، فالشركة لا تريد يوماً رقمياً في الشهر، بل تريد أن تتبنى التحول الرقمي أسلوب عمل تسير عبره بأمان وسط التحولات الجارية في عالم التكنولوجيا والأعمال. فما هي ثقافة العمل الرقمية؟ وما أهمية نشرها في المؤسسات والشركات؟ وكيف تبني ثقافة عمل رقمية ناجحة؟ والأهم كيف تساعدك التكنولوجيا على نشر الثقافة الرقمية في مؤسستك؟
ما هي ثقافة العمل الرقمية؟
ثقافة العمل الرقمية هي مجموعة القيم والسلوكيات والممارسات المشتركة التي تتشكل من خلال دمج التقنيات الرقمية في الحياة العملية اليومية داخل المؤسسة. وتتجاوز هذه الثقافة مجرد استخدام الأدوات الرقمية، فهي تمثل تحولاً جذرياً في كيفية تواصل الأفراد وتعاونهم وأداء المهام، مع تبني المرونة وسرعة الاستجابة والتعلم المستمر. وتعتمد هذه الثقافة على تقنيات مثل المراسلة الفورية ومؤتمرات الفيديو ومنصات التعاون السحابية وتحليلات البيانات لتبسيط العمليات وتعزيز الابتكار.
وعلى عكس ثقافات العمل التقليدية التي تركز على الاجتماعات المباشرة واتخاذ القرارات الهرمية ومساحات المكاتب الثابتة، تدعم ثقافة العمل الرقمية نماذج العمل عن بعد والعمل الهجين والتعاون الفوري واتخاذ القرارات القائمة على البيانات، وتشجع على الشفافية والانفتاح على الابتكار وعقلية تتكيف بسرعة مع التغيرات التكنولوجية. علاوة على ذلك، لا تؤثر ثقافة العمل الرقمية في الكفاءة التشغيلية فحسب، بل تؤثر أيضاً في مشاركة الموظفين ورفاهيتهم من خلال تعزيز التكامل بين العمل والحياة والمرونة.
أكاديمياً، تعتبر ثقافة العمل الرقمية نظاماً اجتماعياً تقنياً يعيد تشكيل الهويات المهنية والهياكل التنظيمية في بيئة عالمية مترابطة، كما يثير اعتبارات مهمة حول الحفاظ على التواصل الإنساني والأهداف والاستدامة في بيئة عمل رقمية.
اقرأ أيضاً: كيف يعزّز البلوك تشين كفاءة التحول الرقمي في الصناعات الغذائية؟
ما هي أهمية نشر الثقافة الرقمية في المؤسسات؟
لنشر ثقافة العمل الرقمية في المؤسسات أهمية كبيرة لتزدهر في المشهد التكنولوجي سريع التغير اليوم:
تعزيز المرونة وسرعة الاستجابة
تتيح ثقافة العمل الرقمية للموظفين العمل عن بعد أو في نماذج هجينة، والتكيف بسرعة مع الظروف المتغيرة دون تراجع الإنتاجية أو فقدان التواصل. وقد كانت فترة كوفيد-19 خير مثال على ذلك. تدعم هذه المرونة التوازن بين العمل والحياة، ما يساعد على جذب أفضل المواهب والاحتفاظ بها، وخاصة جيل الألفية والجيل زد.
تعزيز التواصل والتعاون بشكل أفضل
تساعد الأدوات الرقمية مثل سلاك وزوم وشبكات التواصل الاجتماعي للمؤسسات على كسر الحواجز وتعزيز الشفافية وتمكين التعاون غير المتزامن عبر المناطق الجغرافية. وهذا يؤدي إلى تسريع عملية اتخاذ القرارات من خلال تقليل الاختناقات الهرمية التي كانت تحدث بسبب انتظار الاجتماعات التي كانت تتم بعد سلسلة من الخطوات، وتمكين الموظفين من الاستقلالية.
تعزيز الكفاءة والإنتاجية
تبسط أماكن العمل الرقمية العمليات وتقلل الوقت المستغرق في البحث عن المعلومات وتخفض التكاليف التشغيلية من خلال تقليل الاجتماعات الفعلية واحتياجات مساحات المكاتب. وقد شهد أسلوب العمل عن بعد والعمل الهجين ترحيباً عالمياً، فـ 40% من القوى العاملة عالمياً تدخل العمل عن بعد بطريقة ما في عملياتها. غالبا ما تشهد المؤسسات التي تعتمد على ثقافة عمل رقمية زيادة في الإيرادات وسرعة في الوصول إلى السوق، حيث إن 90% من العاملين عن بعد تعادل إنتاجتهم إنتاجية نظرائهم في المكاتب أو تفوقها.
بناء المرونة ودعم التعلم المستمر
يهيئ تبني الثقافة الرقمية في العمل الشركات لمواجهة تحديات المستقبل من خلال تعزيز الابتكار والقدرة على التكيف. يتماشى هذا مع توقعات الموظفين لتجارب رقمية سلسة ومخصصة، ما يحافظ على تنافسية المؤسسات في الاقتصاد الرقمي.
ونظراً لهذه المزايا التي توفرها ثقافة العمل الرقمية، تسعى الشركات لبنائها ودمجها في عملها.
اقرأ أيضاً: لماذا تنجح بعض الشركات في رحلتها نحو التحول الرقمي بينما تفشل أخرى؟
كيف تبني ثقافة عمل رقمية ناجحة في مؤسستك؟
يتطلب بناء ثقافة عمل رقمية ناجحة نهجاً استراتيجياً وشاملاً يوائم التكنولوجيا مع أهداف العمل واحتياجات الموظفين. إليك الخطوات الرئيسية لتحقيق ذلك:
- فهم أهداف العمل: ابدأ بتحديد واضح لما تسعى مؤسستك إلى تحقيقه من خلال التحول الرقمي، مثل تحسين الإنتاجية والتعاون وتجربة العملاء. يجدر بالذكر أن 90% من الشركات على مستوى العالم حالياً تجري شكلاً على الأقل من أشكال التحول الرقمي، ما يجعل الاتجاه عالمياً. فهم فريق العمل في شركتك لهذا التوجه وأهميته يجعل أعضاءه مقبلين على تبني هذا الأسلوب، بوجود الدعم اللازم لهم.
- تقييم البنية التحتية الحالية: قيم الأدوات وسير العمل والقدرات الرقمية الحالية لتحديد الفجوات ومجالات التحسين، مع ضمان تكامل الحلول الجديدة بشكل جيد مع الأنظمة الحالية.
- إشراك القيادة والفرق: أشرك الإدارة والموظفين من مختلف المستويات لكسب الدعم وتشكيل الرؤى، ما يعزز ثقافة التعاون والملكية المشتركة، ويعطي العاملين شعوراً بالأمان تجاه الأمر.
- اختيار الأدوات الرقمية المناسبة: اختر منصات سهلة الاستخدام وقابلة للتطوير تدعم التواصل وإدارة المشاريع والتعاون دون إرهاق المستخدمين، يذكر أن 53% من الموظفين يقضون أكثر من 60% من وقتهم في العمل عن بعد عام 2024. وتزداد إنتاجيتهم بمقدار 29 دقيقة يومياً مقارنة بالعاملين في المكتب فقط.
- توفير تدريب شامل: قدم تعليماً ودعماً مستمرين لمساعدة الموظفين على تبني التقنيات الجديدة بثقة، ما يقلل مقاومة التغيير ويعزز الإنتاجية.
- التجربة والتكرار: ابدأ بمشاريع تجريبية صغيرة لاختبار الأدوات وجمع الملاحظات، ثم حسن الاستراتيجية قبل التنفيذ الكامل.
- تعزيز التحسين المستمر: قياس تفاعل المستخدمين وإنتاجيتهم ورضاهم بانتظام وجمع ملاحظات الموظفين وتكييف بيئة العمل الرقمية مع الاحتياجات المتطورة.
باتباع هذه الخطوات، يمكن للمؤسسات تعزيز ثقافة عمل رقمية تمكن الموظفين وتحفز الابتكار وتدعم النجاح على المدى الطويل في بيئة سريعة التغير.
اقرأ أيضاً: لماذا نجحت دول الخليج في التحول الرقمي في حين فشلت أخرى؟
كيف تساعد التكنولوجيا على نشر ثقافة العمل الرقمية؟
تؤدي التكنولوجيا دوراً محورياً في مساعدة المؤسسات على التكيف وبناء ثقافة عمل رقمية ناجحة من خلال تمكين التواصل والتعاون والإنتاجية بسلاسة بين فرق العمل المتنوعة.
تعزيز التواصل والتعاون
أصبحت الأدوات الرقمية مثل مايكروسوفت تيمز وسلاك وزوم مدعومة بميزات الذكاء الاصطناعي وهي تقلل عبء المعلومات وتحسن التركيز. على سبيل المثال، يلخص سلاك سلاسل الرسائل الطويلة، وينشئ مايكروسوفت تيمز ملخصات اجتماعات، ويُنشئ زوم ملخصات الاجتماعات تلقائياً وبنود العمل. تضمن هذه الإمكانات بقاء الفرق منسجمة دون إضاعة وقت طويل في متابعة ما فاتها، ما يعزز ثقافة الشفافية والتعاون الفوري بغض النظر عن الموقع.
دعم نماذج العمل الهجين والعمل عن بعد
تتيح التكنولوجيا بيئات عمل مرنة من خلال توفير منصات سحابية ومساحات عمل افتراضية. تبسط أدوات مثل موندي دوت كوم Monday.com وأسانا Asana وتريلو Trello إدارة المهام وتتبع التقدم، ما يسمح للموظفين بالتنسيق بفاعلية سواء كانوا يعملون عن بعد أو في المكتب. توفر السبورات البيضاء الرقمية مثل ميرو Miro ومورال Mural مساحات تفاعلية للعصف الذهني والابتكار، ما يخفف عبء المسافات المادية الفاصلة.
اقرأ أيضاً: اعمل بذكاء: كيف تختار تطبيق إدارة المهام المناسب لعملك؟
تعزيز الإنتاجية باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي
تساعد أدوات الذكاء الاصطناعي مثل مايكروسوفت كوبايلوت وجيميناي وتشات جي بي تي على أتمتة المهام المتكررة وإنشاء المحتوى وتحليل البيانات. هذا يقلل الجهد اليدوي ويعزز التفرغ للإبداع ويسرع عملية اتخاذ القرارات، ما يمكن الموظفين من التركيز على العمل ذي القيمة الأعلى والتعلم المستمر.
الاستعداد للمستقبل باستخدام التقنيات الناشئة
تحسن التقنيات الناشئة والمتطورة مثل شبكات اتصال الجيل الخامس السرعة وتقلل زمن الوصول، ما يتيح مكالمات فيديو سلسة واستخداماً سهلاً للتطبيقات. تدعم الحوسبة المكانية والبيئات الرقمية الغامرة التعاون الإبداعي بين الفرق المتفرقة. بالإضافة إلى ذلك، تؤدي إدارة الطاقة الذكية والتقنيات المريحة إلى إنشاء أماكن عمل مستدامة وصحية، وتؤدي إلى ربط ثقافة العمل الرقمية مع رفاهة الموظفين.