ما الدروس المستفادة من تجربة أول مدينة في العالم تتعامل رسمياً بالبيتكوين؟

6 دقائق
"شاطئ البيتكوين" آخذ في التوسع فهل ستحقق بلد البيتكوين القدر نفسه من النجاح؟
صراف بيتكوين مركب حديثاً في سان سلفادور بالسلفادور. حقوق الصورة: مارفن ريتشينوس/ غيتي إيميدجيز.

على امتداد بلدة إل زونتي، في السلفادور، والمعروفة عادة بالسياحة والتزلج على الأمواج، تظهر براميل القمامة مزينة بشعار حرف B للبيتكوين، ولافتات تتدلى فوق الأبواب في مطاعم متسخة الأرضيات معلنة بوضوح: "نحن نقبل البيتكوين هنا". وعلى مدى السنتين الماضيتين، كانت بلدة إل زونتي –المعروفة أيضاً باسم "شاطئ البيتكوين"- تجري التجارب على العملات المشفرة، على أمل بناء اقتصاد يعتمد، وإن جزئياً، على البيتكوين. والآن، تريد حكومة السلفادور توسيع هذه التجربة ونقلها إلى المستوى الوطني.

بدأت رحلة إل زونتي مع البيتكوين في 2019، بعدما تلقى مايكل بيترسون، الذي يسكن خارج بلده، العرض التالي: يوجد متبرع غامض يمتلك كمية من البيتكوين، ولكن، وبدلاً من بيعها وقبض ثمنها، يريد استخدامها لبناء اقتصاد دائري يعتمد على البيتكوين. وعلى الرغم من أن بيترسون شعر بالإثارة إزاء الفكرة الصعبة، إلا أنه لم يجد من يشاركه العمل إلى أن ضرب الوباء وانهار اقتصاد البلدة الذي يعتمد على السياحة. بدأ المشروع ببساطة بتقديم بيتكوين بقيمة 35-50 دولاراً شهرياً إلى 500 عائلة في إل زونتي. وبسرعة، بدأت المؤسسات والمتاجر المحلية بقبول التعامل بالعملة المشفرة. وحالياً، إن 90% من المنازل في البلدة تتعامل بالبيتكوين بشكل اعتيادي ومنتظم. وتعتمد هذه التعاملات على تطبيق (Strike) الذي يسهل إرسال تعاملات بيتكوين دولية بتكلفة رخيصة، وهو أمر مهم بالنسبة لبلد مثل السلفادور، والذي يتلقى حوالات بقيمة تقارب 6 مليار دولار في السنة من السلفادوريين الذين يعيشون في الولايات المتحدة. 

وفي حلقة 25 يونيو/ حزيران من مدونة سليت الصوتية وات نيكست: "تكنولوجي باي ديزاين" (TBD)، تحدثت مع إيزرا فيسر من بلومبيرغ، والذي تحدث مؤخراً عن إل زونتي وما سيحدث إذا تحول مشروع جنة العملة الرقمية الساحلية إلى سياسة وطنية. وقد تم تعديل وتكثيف هذا الحوار بغرض الوضوح.

ليزي أوريلي: من الأشياء التي ذكرتها في قصتك أن البيتكوين يبدو –بالنسبة للأميركيين أو غيرهم من مواطني الدول المتطورة- أقرب إلى إيديولوجيا أو طريقة للتفكير بالنظام المالي العالمي، ولكن في شاطئ البيتكوين، فإن المشرفين على المشروع يحاولون حل مشاكل فعلية. هلا أخبرتنا قليلاً عن المشاكل التي يحاولون حلها؟

إيزرا فيسر: لقد التقيت بامرأة تمتلك متجراً صغيراً للبيتزا، وقالت لي إنه لديها ستة أولاد. وقد هاجر أربعة منهم إلى الولايات المتحدة. وقبل المشروع، كانوا يرسلون بعض الأموال إليها بانتظام. وكانت تضطر، وبشكل منتظم، للسفر مدة قد تصل إلى يوم كامل للوصول إلى أقرب بلدة يوجد فيها مكتب أو بنك فعلي تستطيع قبض الحوالة منه، كما كانت تدفع رسوماً كبيرة لقبضها، إضافة إلى ترك محلها ومصدر دخلها أثناء السفر لقبض الحوالة. وقد بدأت باستخدام البيتكوين، وأصبحت قادرة على توفير الكثير، لدرجة أنها بدأت باستخدامها لإرسال الأموال إلى ابنها في الولايات المتحدة، بدلاً من قبضها. وهذا مجرد مثال عن السؤال المتعلق بالحوالات، من حيث الزمن المطلوب لقبضها، والرسوم المتعلقة بها، والمشاكل التي يحاول المنظمون حلها باستخدام البيتكوين لتسهيل هذه التعاملات.

لقد قمت سابقاً بتغطية الاقتصادات في أميركا اللاتينية، ومن الواضح أن هذه المنطقة تعاني من أزمات مالية كبيرة من حيث تقلب أسعار العملات، والتضخم، وتراجع قيمة العملة، والتدخلات من عدة بنوك مركزية، وغير ذلك. وسؤالي هو التالي: هل هناك أي عوامل مميزة في التجربة المالية في أميركا اللاتينية لتصبح هذه المنطقة أرضاً أكثر خصوبة لتنمية تجربة العملة المشفرة؟

إذا نظرت في المنطقة، كما ورد في سؤالك، لوجدت أن تقلب العملات وصل إلى مرحلة يمكن أن تدفع بالناس إلى تجربة العملة المشفرة. ولكن الأمر المثير للاهتمام في حالة السلفادور أنها تتعامل بالدولار منذ 20 سنة. وبالتالي، فإن هذه ميزة إضافية للعملة المشفرة، لأنها تعني عدم وجود منافسة من العملة المحلية أو من يدافع عنها، أليس كذلك؟

هذا صحيح. ومن يأبه؟ إنه الدولار الأميركي

هذا صحيح. ففي بعض البلدان الأخرى، وحتى مع وجود هذه التقلبات الهائلة، ما زالت العملة المحلية موجودة، كما في حالة الأرجنتين. ولهذا، أعتقد بوجود فرصة أكبر مما هي في حالة البلدان المتطورة للتجربة بالعملات المشفرة.

في يونيو، أرسل الرئيس ناييب بوكيلي مشروع قانون إلى الكونغرس لجعل البيتكوين العملة الرسمية في السلفادور. وبتصويت 62 من 84 من المشرعين بالموافقة على المشروع، أصبحت السلفادور أول بلد يعتمد البيتكوين كعملة رسمية في العالم. وهذا يعني أن الضرائب يمكن أن تُدفع بالبيتكوين، وأن الشركات ملزمة بتقبلها –في حال وجود التكنولوجيا اللازمة لذلك- ولكن ليس هناك أي خطة للحلول محل الدولار، وتقول الحكومة إنها ستخصص صندوقاً مالياً بقيمة 150 مليون دولار حتى يستطيع الناس تبديل البيتكوين إلى دولارات. هلا أخبرتنا عن عمل بوكيلي على اعتماد البيتكوين؟

هذا ما نعرفه عن الرئيس ناييب بوكيلي: إنه رئيس شاب. وعمره الآن 39 عاماً. وخلال مهنته السياسة، أحدث فعلياً هزات كبيرة في النظام السياسي في السلفادور. لقد كان عمدة سان سلفادور، وتم طرده من حزبه السياسي، ومن ثم أسس حزباً خاصاً به. كما نعرف أنه في 2017 على وجه التقريب، وعندما كان عمدة سان سلفادور، غرد على تويتر قائلاً: "سنستخدم البيتكوين"، ولم يتحدث أكثر من ذلك عن الموضوع، واكتفى بالتلميح.

اقرأ أيضاً: هل تستطيع الشرائح الفوتونية إنقاذ البيتكوين؟

حضور الرئيس على وسائل التواصل الاجتماعي يتميز بموقف واضح التأييد للبيتكوين

هذا صحيح. وخلال أحاديثي مع بعض الأشخاص في الحكومة عندما كنت هناك، وجدت أنه كان يمتلك بعض البيتكوين لفترة من الوقت، إضافة إلى الكثير من الآخرين في الحزب. ولهذا، وفي مرحلة ما بعد بدء مشروع شاطئ البيتكوين، نعلم أيضاً أنه كان يتابع ما يحدث في إل زونتي عن كثب. وعندما كنت هناك، قيل لي إنه مهتم للغاية. وهو يدرك أهمية تحقيق الأسبقية في شيء كهذا. ولكن السؤال الحقيقي هو متى كان سيقدم على هذه الخطوة.

هل من الممكن، كما تعتقد، أن نحصل على تصور أولي حول مدى جاذبية استخدام البيتكوين للناس على المستوى الوطني؟

بعد الإعلان، كان هناك اهتمام واضح وكبير بما يحدث، لأننا رأينا أن عدد عمليات تنزيل تطبيقات بيتكوين بيتش وسترايك ارتفع بحدة إلى عشرة أضعاف. وأعتقد أن مايكل بيترسون أخبرني بأن التعاملات بالبيتكوين بدأت بالازدياد بعد الإعلان، على الرغم من أن سعر البيتكوين انخفض بعض الشيء. وبالتالي، أعتقد أنه يوجد اهتمام واضح.

ولكنك قلت إنه ليس من المؤكد أن هذا الاهتمام سيتحول إلى واقع ملموس. فبعد كل شيء، إل زونتي ليست سوى بلدة صغيرة فيها بعض الأموال من متبرع غامض وتطبيق خاص فقط للبيتكوين فيها.

سيكون إطلاق شيء بنجاح شاطئ البيتكوين مهمة أكثر صعوبة بكثير في بعض المجتمعات في السلفادور، لأن بعض العناصر الأخرى غير موجودة. ففي بعض البلدات الصغيرة في السلفادور، ليس هناك وجود يُذكر للسياح. ومن المحتمل أن تكون هذه الأماكن أكثر انعزالاً عن البنوك والبنى التحتية المشابهة، حتى مقارنة بإل زونتي. ولهذا، فإن ما يحدث في إل زونتي يمثل حالة فريدة بفضل جميع هذه العناصر الأخرى. وبالتالي، فإن نقل هذه التجربة إلى المستوى الوطني يحتاج، كما أعتقد، إلى جهد كبير من الحكومة والناس على حد سواء، تماماً مثل المشرفين على شاطئ البيتكوين، لإطلاق عدة مشاريع مماثلة على نطاق محلي في كافة أنحاء البلاد.

ولكن البيتكوين تتسم بتقلب كبير يمكن أن يصل إلى نسبة 50% خلال شهرين وحسب. ولهذا، فإن التخلي عن العملة الأكثر استقراراً في العالم، أي الدولار، واستخدام البيتكوين بدلاً عنها، تبدو أقرب إلى المخاطرة. ماذا يقول مناصرو البيتكوين حول هذه المسألة؟

منذ بدأ المشروع فعلياً حتى ذهابي إلى هناك، انخفض السعر مرتين وبشكل مؤقت، ولكن في الواقع، فقد ازداد السعر ستة أو سبعة أضعاف مقارنة بالسنة الماضية.

اقرأ أيضاً: قضية جاك دورسي عديمة الجدوى حول إمكانية أن تكون عملة البيتكوين خضراء

أهذا يعني أن كل شيء بأحسن حال؟

كل شيء يسير بأحسن حال. فليس من الصعب إقناع الناس باستخدام البيتكوين وشراء المزيد من البيتكوين عندما يكون السعر في أحد الأيام 500 دولاراً، ويرتفع إلى 800 دولاراً تقريباً بعد شهر واحد. عندما ذهبت إلى هناك لفترة أسبوع، التقيت بمدون صوتي قال لي: "إنه لأمر رائع أن تحصل على مبلغ 30 دولاراً ويتحول فجأة إلى 60 أو 50 دولاراً، ولكن ماذا سيحدث إذا انخفض إلى 20 أو 15 دولاراً؟" هذا هو الاختبار الحقيقي. لا أعتقد أنني تحدثت مع أي شخص قال لي إن تحويل كل ما لديك -كمالك لمحل تجاري مثلاً- إلى بيتكوين فكرة ذكية. ويعترفون أن التقلبات تنطوي على مخاطرة، ولهذا يقولون دائماً: "خصص نسبة 10% أو 15% أو أي نسبة قريبة وحولها إلى بيتكوين. فما زلت ستستخدم الدولارات أيضاً".

بعد أن سمعتك تقول هذا، وبعد أن سمعتك تتحدث عن شخص ما يوفر القليل أو ينتظر حتى يزداد السعر. ماذا سيحدث لشخص كهذا إذا تهاوى سعر بيتكوين؟

في آخر يوم لي هناك، نشر إيلون ماسك تغريدته حول تراجع تسلا عن قبول البيتكوين. في ذلك الأسبوع، كان السعر مستقراً، وكنت أفكر: "إنه أسبوع مستقر بصورة غير اعتيادية للبيتكوين"، وفجأة، رأيت انخفاضاً بنسبة 8% أو 9% أو 10% خلال يومين. ليست المسألة متعلقة فقط بنجاح إل زونتي حتى الآن، ولكن إذا كانت السلفادور تحاول إطلاق هذا المشروع في هذه الفترة من التقلبات الشديدة أو حتى الانحدار طويل الأمد، فإن المسألة متعلقة بقدرتهم على إقناع الناس بتبني هذه الفكرة، وسرعتهم في ذلك.

لقد ورد المقطع التالي في مقالتك: "إن الجدل المتواصل حول العملات المشفرة شائع بين الأشخاص الذين شاء حسن حظهم أن ينتموا إلى اقتصادات مزدهرة، حيث يتم النظر إلى البيتكوين على أنه نظام معتقدات بقدر ما هو نظام مالي". هلا أخبرتنا عن وجهات نظر الأشخاص الذين صادفتهم، سواء المحليين أو المواطنين القاطنين في الخارج، حول هذه الفكرة القائمة على اختبار نظام معتقدات يمكن في نفس الوقت أن يحسن حياة الناس ومعيشتهم أو يدمرها؟

إن المشرفين على المشروع مؤمنون بالبيتكوين، وأعتقد أن من وصل إلى هذه المرحلة تجاوز نقطة اللاعودة في المشروع. أما بالنسبة للسكان المحليين الذين تعرضوا لهذا المشروع على مدى السنتين الماضيتين، فأعتقد أن الكثيرين مروا بعملية مشابهة على المدى الطويل، بحيث لم يعودوا يتعاملون معها على أنها مجرد تجربة، وأن الأمور استقرت على هذا الوضع، وأنهم مستعدون لتحمل التقلبات، وللتعامل بذكاء مع استخدامهم للبيتكوين والدولار الأميركي، وأن النظام المالي سيعمل وفق هذا الأسلوب من الآن وصاعداً. وسيعتمد جزئياً على البيتكوين، وجزئياً على الدولار.

مجلة "فيوتشر تنس" هي شراكة بين مجلة "سليت" (Slate) ومركز التفكير "نيو أميركا" (New America) وجامعة أريزونا ستيت، وهي تتمعن في القضايا المتعلقة بالتكنولوجيات الناشئة والسياسات العامة والمجتمع.

المحتوى محمي