خوارزمية جديدة تتفوق على الحواسيب العملاقة في القدرة على التنبؤ الجوي

3 دقائق
مصدر الصورة: ماركوس سبيسكي

على مر العقود الستة الماضية، أي ابتداء من التسعينيات على وجه التحديد، كان العالم التقني يشهد معدلاً ثابتاً من التسارع في قدرات معالجة المعلومات كما توقع قانون مور الشهير، ولكن يبدو أن هذا المعدل الأسي من النمو في القدرات بدأ يقترب من نهايته في أيامنا هذه على نحو غير معهود. 

ويعتبر التنبؤ الجوي من التطبيقات التي تستخدم أنظمة معقدة تتطلب قدرات حاسوبية عالية، إلا أن التكاليف اللازمة لتشغيل الحواسيب الخارقة التي تتولى معالجة كميات ضخمة من البيانات المساعدة في عملية التنبؤ، قد تصبح عاملاً يحد من تحقيق تقدم في مثل هذه التطبيقات.

التحسين في العمق

بات من المسلم به خلال السنوات الأخيرة أن تحقيق التقدم في طرق معالجة المعلومات بدأ يتجه بنسبة كبيرة إلى الاعتماد على تقنيات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، ولكن العمليات التي يتم التعامل معها في هذه التقنيات لطالما كانت مبهمة بعض الشيء، وفي حاجة إلى إدراك تفاصيلها بشكل أكبر.

تتميز العديد من طرق التعلم الآلي، مثل التعلم العميق ذائع الصيت، بأنها فعّالة على نحو مذهل، ولكنها تعمل وكأنها صندوق أسود بالنسبة للعاملين في مجال تحسين الخوارزميات الداعمة لاتخاذ القرار (مثل القرارات المتعلقة بفرز فئة معينة من البيانات)، مما يعني أنه ليس هناك معرفة تامة بما يجري. لذلك تبرز هنا الحاجة إلى فهم الطريقة التي يعمل بها الذكاء الاصطناعي بالضبط، وتحقيق مستوى أفضل في فهم الروابط العاملة التي تصل بين طبقات الشبكات العصبونية.

وهنا يأتي دور مجموعة من الباحثين من جامعة يوهان غوتنبرغ في ماينتس بألمانيا، وجامعة سويسرا الإيطالية في لوجانو بسويسرا، حيث كشفوا النقاب في فبراير الماضي عن خوارزمية يمكنها حل مسائل معقدة بسهولة ملفتة، حتى عندما يتم تنفيذها باستخدام موارد نجدها في الحواسيب الشخصية.

حيث تمكنت البروفيسورة سوزان غيربر، المتخصصة في المعلوماتية الحيوية في جامعة ماينتس بألمانيا، وبالتعاون مع البروفيسبور إيليا هارينكو، خبير الحواسيب في جامعة سويسرا الإيطالية، والحاصل على زمالة ميركاتور من جامعة برلين الحرة، من تطوير تقنية لإجراء الحسابات المعقدة بتكلفة منخفضة وبدرجة عالية من الموثوقية.

فقد قام كل من غيربر وهورينكو، بمساعدة المؤلفين المساعدين للبحث، بتلخيص المفهوم الذي يطرحونه على شكل مقال علمي يحمل العنوان: الأسلوب القابل للتحسين ومنخفض التكلفة من التقطيع، والتنبؤ، واختيار السمات والخصائص في حالة الأنظمة المعقدة"، وقاموا بنشره في دورية ساينس أدفانسس Science Advances.

ويؤكد البروفيسور هورينكو في هذا البحث أن الطريقة التي توصلوا إليها تتيح إمكانية تنفيذ المهام على الحواسيب الشخصية العادية، في حين كانت الطرق من مثل هذا النوع سابقاً تتطلب تنفيذها على حواسيب فائقة القدرة. وبالإضافة إلى التنبؤ الجوي، هناك العديد من التطبيقات المحتملة لهذا العمل البحثي مثل حل مسائل التصنيف في المعلوماتية الحيوية، وتحليل الصور، والتشخيص الطبي.

تقسيم الأنظمة المعقدة إلى مكونات مستقلة

تمثل هذه الورقة البحثية ثمرة سنوات عديدة من العمل على تطوير هذا الأسلوب الجديد. ووفقاً لغيربر وهورينكو، فإن العملية تعتمد على مبدأ قطع الليغو، الذي بموجبه يتم تقسيم الأنظمة المعقدة إلى حالات وأنماط منفصلة.

فمن خلال التعامل مع عدد قليل من الأنماط أو المكونات، كأن يكون هناك ثلاث أو أربع مجموعات من العناصر، فإن الحجوم الضخمة من البيانات تصبح قابلة للتحليل، ويمكن التنبؤ بسلوكها المستقبلي. فباستخدام خوارزمية "التقريب الاحتمالي القابل للتحسين SPA" يمكن التنبؤ بدرجات الحرارة السطحية في أوروبا بناء على البيانات التي يتم تحصيلها في أوروبا لليوم التالي، مع خطأ تنبؤي لا يتجاوز 0.75 درجة مئوية.

(أ) مقارنة جودة التقطيع أو التقريب. (ب) مقارنة التكلفة الحسابية الكلية. (جـ) مقارنة قابلية تنفيذ الخوارزمية على التفرع.
خوارزمية التقريب الاحتمالي القابل للتحسين scalable probabilistic approximation.

يمكن تنفيذ جميع العمليات اللازمة على حاسوب شخصي عادي، وبمعدل خطأ أفضل بنسبة 40% من الأنظمة الحاسوبية التي عادة ما تستخدمها الخدمات المتعلقة بالأرصاد الجوية، وكل ذلك يمكن تحقيقه بتكلفة منخفضة بشكل كبير.

يعتمد مفهوم التقريب الاحتمالي القابل للتحسين على المبادئ الرياضية، ويمكن الاستفادة من هذه الطريقة في حالات مختلفة تتطلب معالجة كميات ضخمة من البيانات بشكل تلقائي، كما هو الحال في علم الأحياء، على سبيل المثال، عندما يكون هناك حاجة إلى فرز عدد كبير من الخلايا وتصنيفها ضمن مجموعات.

مجالات أخرى للتطبيق

هناك مجال آخر محتمل للتطبيق، ألا وهو علم الأعصاب، فالتحليل الآلي لإشارات التخطيط الكهربائي للدماغ قد يشكل الأساس الذي يعتمد عليه تقييم الحالة الدماغية. حتى أن من الممكن استخدامه في تشخيص سرطان الثدي؛ حيث يمكن تحليل صور الثدي الشعاعية (صور الماموغراف) للتنبؤ بنتائج خزعة محتملة قبل الحصول عليها.

يمكن القول في نهاية المطاف إن مجالات التطبيق بالنسبة لخوارزمية SPA تتنوع ابتداءً من نموذج لورينتز أو ما يعرف بجاذب لورينتز، وصولاً إلى الديناميكا الجزيئية للأحماض الأمينية في الماء. وجدير بالذكر أن جاذب لورينتر هو عبارة عن بنية ثلاثية الأبعاد وضع لها إدوارد لورينتز عام 1963 نظاماً من معادلات الحمل الحراري لتساعده في دراسة ظواهر عشوائية مثل تغيرات الأحوال الجوية من خلال تنفيذ عمليات حسابية على نظام حاسوبي.

مرجع:
https://advances.sciencemag.org/content/6/5/eaaw0961

المحتوى محمي