أمازون هي أكبر شركة تجارة إلكترونية على الإنترنت في العالم، تتمتع الشركة بشعبية كبيرة بفضل تنوع المنتجات التي تقدّمها وسرعة التسليم، ما يجذب ملايين العملاء والبائعين إليها. لكن استراتيجية التسعير الخاصة بأمازون خضعت للتدقيق من قِبل المنظمين والمنافسين، الذين يتهمون الشركة باستخدام أساليب غير عادلة وغير قانونية للحفاظ على هيمنتها في السوق.
أحد الجوانب الأكثر إثارة للجدل في استراتيجية تسعير أمازون خوارزمية سرية تُسمَّى مشروع نيسي (Project Nessie)، التي كُشف عنها في دعوى قضائية رفعتها لجنة التجارة الفيدرالية (FTC) الأميركية. تقول اللجنة إن أمازون استخدمت مشروع نيسي للتلاعب بالأسعار وسحق المنافسين.
اقرأ أيضاً: ما هي الخوارزمية؟ الإجابة تعتمد على مَن الشخص الذي تسأله
ما هو مشروع نيسي؟
مشروع نيسي عبارة عن خوارزمية طوّرتها شركة أمازون واستخدمتها في الفترة من 2016 إلى 2019 مطابقة أسعار المنافسين. وفقاً لموقع تِك كرنش (TechCrunch) الأميركي، الذي حصل على بعض التفاصيل المنقحة من شكوى لجنة التجارة الفيدرالية، تتبع مشروع نيسي الأسعار على المواقع المنافسة لتعديل الأسعار على أمازون تلقائياً. فإذا رفع المنافسون أسعارهم، أمازون ترفعها، وإذا خفض المنافسون الأسعار، فإن الخوارزمية ستعمل تلقائياً على خفض الأسعار على أمازون.
ترى لجنة التجارة الفيدرالية أن مشروع نيسي هدفه مطابقة أسعار المنافسين. على سبيل المثال، إذا عرض أحد المنافسين خصماً بنسبة 10% على منتج ما لفترة محدودة، فإن أمازون ستعرض الخصم نفسه. بهذه الطريقة، ستتجنب أمازون خسارة العملاء لصالح المنافسين.
بحسب الدعوى القضائية، حققت أمازون أرباحاً تزيد على مليار دولار بفضل مشروع نيسي، وحافظت الشركة على سمعتها باعتبارها البائع الذي يقدّم الأسعار الأقل للمنتجات على الإنترنت.
اقرأ أيضاً: باحثون يطوّرون خوارزمية تمنع تقييد نتائج البحث على الإنترنت
ما تأثير مشروع نيسي؟
كان تأثير مشروع نيسي على المستهلكين والمنافسين وسوق التجارة الإلكترونية كبيراً وسلبياً، وفقاً لدعوى لجنة التجارة الفيدرالية؛ فقد أدّت الخوارزمية إلى زيادة أسعار ملايين المنتجات، ومنعت البائعين والمنافسين من تقديم خصومات، ما حرمهم من فرص النمو، وهذا يعتبر انخراطاً في أساليب منافسة غير عادلة.
- بالنسبة للمستهلكين: أسهم مشروع نيسي في رفع أسعار ملايين المنتجات. تُقدّر لجنة التجارة الفيدرالية أنه أدّى إلى زيادة أسعار كل المنتجات بنسبة 4%، وبنسبة تصل إلى 15% لبعض المنتجات، كما قلل من خيارات المستهلك عن طريق منع المنافسين من تقديم عروض أو خصومات.
- بالنسبة للمنافسين: كان مشروع نيسي يعني مواجهة صعوبة للدخول والتوسع في سوق التجارة الإلكترونية. تقول لجنة التجارة الفيدرالية إن المشروع منع المنافسين من اكتساب حصة في السوق أو ولاء العملاء من خلال مطابقة الأسعار. تتهم لجنة التجارة الفيدرالية أيضاً أمازون باستخدام أساليب أخرى لإجبار البائعين على استخدام منصتها حصرياً لبيع منتجاتهم.
- بالنسبة لسوق التجارة الإلكترونية: كان مشروع نيسي يعني قدراً أقل من الابتكار والمنافسة. قالت لجنة التجارة الفيدرالية إن المشروع أضر بالسوق من خلال إنشاء حدود سعرية مصطنعة.
اقرأ أيضاً: ماذا تعرف عن الخوارزميات الجينية؟ إحدى أهم خوارزميات أنظمة الذكاء الاصطناعي
آلية عمل مشروع نيسي وتأثيره في الأسعار
يمكن توضيح كيفية تأثير مشروع نيسي في الأسعار من خلال إلقاء نظرة على بعض الأمثلة الافتراضية:
- لنفترض أنه عام 2018، عرض أحد البائعين زوجاً من السماعات اللاسلكية بسعر 100 دولار على موقع أمازون وموقع وولمارت. سيراقب مشروع نيسي سعر السماعات على موقع وولمارت ليتم تعديل السعر وفقاً لذلك؛ إذا رفعت وولمارت السعر إلى 110 دولارات، فإن أمازون ستحذو حذوها، وإذا خفضت وولمارت سعرها إلى 90 دولاراً، ستفعل أمازون ذلك لفترة مؤقتة، لكنها ستعود إلى سعر 100 دولار عندما تنتهي مبيعات وولمارت. بهذه الطريقة، ستبقى أسعار أمازون مطابقة لأسعار المنافسين.
- لنفترض أنه عام 2019، عرضت منصة منافسة خصماً بنسبة 20% على كتاب مشهور لمدة أسبوع. سيطابق مشروع نيسي هذا الخصم على أمازون، لكنه سيعيد السعر الطبيعي عندما تنتهي مبيعات المنافس. بهذه الطريقة، ستضمن أمازون بقاء العملاء مع تجنب التخفيض الدائم في الأسعار.
اقرأ أيضاً: كيف تتحرّر من «ديكتاتورية» الخوارزميات على الشبكات الاجتماعية؟
ما الذي دفع أمازون لاستخدام مشروع نيسي؟
قامت أمازون بتطوير واستخدام مشروع نيسي لعدة أسباب؛ السبب الرئيسي وراء ذلك هو منع التخفيض غير المستدام في الأسعار والذي من شأنه أن يضر بربحيتها وقدرتها على الاستمرار على المدى الطويل. فبعض منافسيها كانوا يعرضون منتجات بسعر أقل من تكلفتها أو قيمتها من أجل الحصول على حصة في السوق، وكان على أمازون الاستجابة لهذه التخفيضات في الأسعار للحفاظ على عملائها والبائعين.
السبب الآخر هو تعديل الأسعار بناءً على العرض والطلب وتفضيلات العملاء وعوامل أخرى، مثل مستويات المخزون وتكاليف الشحن والموسم ومراجعات العملاء.
لكن يبدو أن مشروع نيسي لم يعمل كما كان متوقعاً، فتوقفت الشركة عن استخدامه عام 2019، أي أنه كان مشروعاً تجريبياً لفترة قصيرة، وليس استراتيجية دائمة.
اقرأ أيضاً: إليكم طريقة بحث خوارزمية فيسبوك للذكاء الاصطناعي عن المحتوى المسيء
الآثار المترتبة على مشروع نيسي في المستقبل
الآثار المترتبة على أمازون في المستقبل غير معروفة، ولكنها قد تكون خطيرة، إذ تعد الدعوى القضائية التي رفعتها لجنة التجارة الفيدرالية واحدة من أهم دعاوى مكافحة الاحتكار التي واجهتها أمازون في تاريخها، ويمكن أن تؤدي إلى غرامات كبيرة قد تؤدي لتفكيك الشركة. تسعى لجنة التجارة الفيدرالية إلى استعادة المنافسة في سوق التجارة الإلكترونية من خلال منع أمازون من استخدام مشروع نيسي أو خوارزميات مماثلة لمطابقة أسعار المنافسين.
قد تجبر الضغوط التنظيمية أمازون على تغيير نموذج أعمالها وممارساتها، ما يؤثّر في نموها وربحيتها، وقد تواجه أمازون تكاليف أعلى وهوامش ربح أقل ومزيداً من المنافسة، ما سيجعلها تفقد ولاء بعض عملائها وثقتهم، لكن من المؤكد أن الشركة العملاقة قادرة على التكيُّف مع البيئة التنظيمية الجديدة وإيجاد طرق جديدة للربحية، مثل التوسع في أسواق جديدة أو تقديم خدمات جديدة.