خوارزميات تستطيع تحويل أية لقطة إلى مشهد يشبه القصص المصورة

3 دقائق
من اليسار إلى اليمين: الصورة الأصلية من القصص المصورة، ثم الصورة المراد تعديلها، ثم نتيجة التعديل.

تتألف القصص المصورة من مجموعة من الصور الساكنة التي تحكي قصة، وغالباً ما تتسم بأسلوب متميز يجلب لفنانيها الكثير من الإعجاب.

غير أن هذا النوع من الفن صعب التعلم والإتقان، مما يزيد من الوقت والتكاليف المطلوبة لإنتاجه، وبالتالي فلا غرابة في أن يرغب الفنانون والناشرون والقراء في وجود طريقة مؤتمتة لتحويل صورة إلى أسلوب ما من الأساليب المستخدمة في رسم القصص المصورة.

وعلى ما يبدو أن هذه الخوارزمية موجودة من قبل، ففي 2015 اكتشفت مجموعة من الباحثين في ألمانيا طريقة لنقل أسلوب فني من صورة إلى أخرى، ومنذ ذلك الحين عمل الكثيرون على تحسين هذه التقنية باطِّراد لجعلها أكثر سرعة ودقة.

غير أن هذا العمل كان يركز حتى الآن على نقل أساليب الفنانين الكبار من أمثال بيكاسو وفان غوخ إلى صور أخرى، أو تغيير الصور العادية بأساليب أخرى، مثل تحويل مشهد ليلي إلى نهاري. ولكن كيف سيكون أداء هذه الخوارزميات مع صور فناني القصص المصورة، التي تتسم بأسلوب أكثر تميزاً؟

تمكنَّا من الإجابة عن هذا السؤال بفضل عمل ماسيج بيسكو وتوماس ترشينسكي في جامعة وارسو للتكنولوجيا في بولندا، حيث طبَّق الباحثان أساليب متنوعة من نقل أسلوب الصورة على القصص المصورة، ثم قارنوا بين النتائج.

ولنبدأ ببعض المعلومات الأولية؛ فقد ظهرت الطريقة في عمل ليون جاتيس في جامعة توبينجين مع بعض زملائه، فقد كانوا درسوا كيفية قيام الشبكات العصبونية العميقة بتسجيل الأسلوب الفني وتحليله. وهذه الشبكات تتألف من طبقات تقوم كل منها بتحليل الصورة على مستوى مختلف، أي بالنسبة للتفاصيل مثل الأشكال والألوان والخطوط.

وتوصَّل جاتيس وزملاؤه في عملهم إلى نتيجة هامة، وهي أن الأسلوب الفني لا يكمن في الطبقات نفسها، بل في ترابطها مع بعضها البعض، وهو ما يسمح بفصل الأسلوب الفني عن محتوى العمل الفني، وحتى نقله من صورة إلى أخرى.

وهذا هو ما فعله جاتيس وزملاؤه بالضبط، مثيرين دهشةً واسعة النطاق في أوساط أخصائيي الرؤية الحاسوبية. وقد أصبح هذا العمل أساساً لفرع جديد من اختصاص الرؤية الحاسوبية، يُعرف باسم: النقل العصبوني للأسلوب.

المشكلة الوحيدة التي تعاني منها هذه الطريقة الجديدة هي أنها تتطلب قدراً كبيراً من المعالجة الحاسوبية؛ حيث تستغرق بضعة ثوان على حاسوب عصري لتحليل صورة مربعة بطول ضلع يبلغ 512 بيكسل واستخلاص الأسلوب منها وتطبيقه على صورة أخرى، ولهذا بدأ علماء الحاسوب يبحثون عن طريقة مختلفة يمكن أن تحقق هذه المهمة بسرعة أكبر، وتمكنوا بالفعل من وضع عدة خوارزميات قادرة على أداء عمل مماثل، ولكن ما زال هناك تضارب ما بين السرعة والنوعية.

وهنا يأتي دور بيسكو وترشينسكي، فقد قاموا بإجراء اختبارات على مجموعة كبيرة من خوارزميات النقل العصبوني للأسلوب على مهمة محدَّدة، وهي نقل الأسلوب الفني للقصص المصورة، حيث يقول الباحثان: "هذه هي المحاولة الأولى لتقييم ومقارنة النتائج التي حصلنا عليها بعدة طرق ضمن سياق العمل على القصص المصورة".

كما ركز الباحثان بشكل خاص على أسرع التقنيات التي يمكن أن تعمل على أية صورة، حيث يقولان: "لقد ركزنا بشكل رئيسي على الطرق القادرة على إنجاز العمل على كل صورة في أقل من ثانيتين".

وقد اختبر الباحثان خمسة خوارزميات مختلفة على صور بأبعاد 600×450 بيكسل بمعالجتها بوحدة المعالجة الرسومية تيتان إكس بسعة 12 جيجابايت، واختاروا الصور التي تمثل أساليب مختلفة في القصص المصورة، وقاموا بنقلها إلى صور اختيرت عشوائياً من عملية بحث صور على محرك جوجل، ثم أخيراً عرضوا النتائج على 100 شخص لتقييم مدى نجاح الخوارزميات في نقل الأسلوب.

وبيَّنت النتائج أحدث ما توصلت إليه الأبحاث في هذا المجال، كما استنتج الباحثان أن الخوارزمية الأفضل هي تقنية معروفة باسم: التقييس الفوري التكيُّفي، التي تم تطويرها في 2017، والتي حازت تقريباً على 30% من الأصوات. يقول الباحثان: "تؤكِّد النتائج فرضيتنا السابقة بأن هذه الطريقة تعطي نتائج أقرب للرسوم المتحركة أو القصص المصورة من حيث الأسلوب الفني".

غير أن النتائج ليست مثالية على الإطلاق؛ حيث تعاني جميع التقنيات من بعض المشاكل إلى حد ما، مثل التلوين الخاطئ والغشاوة. يقول الباحثان: "نعتقد أنه يوجد مجال للمزيد من التحسين".

وهذا العمل يمثل فرصة حقيقية؛ حيث إن سوق القصص المصورة في الولايات المتحدة فقط تبلغ 1 مليار دولار سنوياً، ويوجد حول العالم الكثير من البلدان التي لم تطوِّر ثقافاتها الخاصة حول القصص المصورة (مثل الهند)، مما يفتح احتمالات النمو لأسواق جديدة.

وإن القدرة على تشكيل صور عالية الجودة للقصص المصورة تعد أمراً هاماً لأي جهة ترغب في دخول هذه الأسواق، وتظل فقط مشكلة تطوير شخصيات قوية وقصص جذابة، وهو أمر لا تستطيع الشبكات العصبونية أن تساعدنا فيه... حالياً على الأقل.

المحتوى محمي