خمسة دروس مستفادة من أزمة كوفيد-19 لتحقيق التحول الرقمي الحكومي

5 دقائق

نشرة خاصة من إيرنست ويونغ

في غضون بضعة أشهر فقط، غيّر فيروس كورونا المستجد الطريقة التي يعمل بها العالم بأسره، كما أثر أيضاً على الحكومات. ومن المرجح أننا سنظل نشعر بتبعات هذا الفيروس على الطريقة التي تعمل بها المؤسسات لفترة طويلة بعد انتهاء الأزمة.

ومع ذلك، وفي خضم هذا القلق المتزايد بشأن كيفية تأثير الجائحة على الناس والمؤسسات والاقتصادات وغيرها، لعبت التكنولوجيا الرقمية دوراً أساسياً في الحفاظ على دوران عجلة الاقتصاد، بعدما زاد الطلب على الخدمات الرقمية بسبب تطبيق سياسات الابتعاد الاجتماعي. على سبيل المثال، وبالرغم من انكماش الناتج المحلي الإجمالي للصين بنسبة 6.8% خلال الربع الأول من عام 2020، زادت خدمات نقل المعلومات والبرمجيات وتكنولوجيا المعلومات في البلاد بنسبة 13.2% خلال الفترة نفسها. وفي المتوسط، سجل قطاع الخدمات ككل -الذي شهد تحولاً رقمياً بنسبة 33% تقريباً- انكماشاً بنسبة 5.2%، مقارنة بقطاع الصناعة الذي تراجع بنسبة 9.6%.

لقد كنت من أشد المؤيدين لاستخدام الحكومات للتكنولوجيا الرقمية لتحسين نوعية حياة مواطنيها، ولم يزدني الوضع الحالي سوى قناعة بذلك. وأعتقد أن التكنولوجيا الرقمية لم تعد مجرد أمر "من الجيد أن تمتلكه" الحكومة الحديثة، وإنما باتت أمراً "لا بد من أن تمتلكه" هذه الحكومة. وقد سبق أن أعربت عن رأيي بأنه ينبغي للحكومات أن تعتمد مقاربة شاملة لتحقيق التحول الرقمي، وأن تسعى إلى إعادة تصور نموذج العمل الحكومي في العصر الرقمي. وأرى أن قضية الساعة الآن هي التعجيل بالتحول الرقمي عبر هذا النموذج.

وبينما نُجري هذا التحول الرقمي، سأقدم هنا خمس ملاحظات من أزمة كوفيد-19، أعتقد أنه ينبغي على الحكومات أن تضعها في الاعتبار.

1- تحسين تبادل المعلومات

يُعد التدفق المتكامل للمعلومات والبيانات عبر مختلف الكيانات الحكومية، وعلى مختلف مستويات الحوكمة، أمراً بالغ الأهمية؛ إذ إنه لا يساعد فقط على تعيين المسئوليات، بل يسمح أيضاً للمؤسسات والفرق بأن تتصرف بسرعة.

أتذكر أن إحدى زميلاتنا كانت قد عادت من فرنسا إلى وطنها، قبل تعليق الرحلات الدولية مباشرة. وقد شاطرتنا تجربتها في إجراء الفحص في المطار بعد النزول من الطائرة. ومع ذلك، لم تتوجه الشرطة إلى مقر سكنها لجمع بيانات السفر سوى بعد مرور 18 يوماً.

وتطلب الأمر أسبوعاً آخر لحضور ممثلي وزارة الصحة للتحقق من حالتها الصحية، استناداً إلى بيانات السفر التي قدمتها جمعية الإسكان إلى السلطات المحلية. ولم تكن الشرطة ولا ممثلو وزارة الصحة على علم سابق بتاريخ سفرها، كما أنه لم يكن هناك أي تواصل بين الشرطة ووزارة الصحة أو السلطة التي أجرت لها الفحص الأولي في المطار. ومن حسن الحظ أنها لم تكن مصابة بالعدوى.

وفي حين يمكن القول إن الحكومات لم تكن مستعدة للتعامل مع مثل هذا الموقف وإن الأنظمة الحالية كانت غارقة في الأعباء، وهو ما أدى إلى هذا التأخر في جمع البيانات، إلا أن هذه الأزمة تسلط الضوء على الحاجة إلى نظام قوي للتحليل والذكاء الاصطناعي يسمح بمعالجة البيانات وتبادل المعلومات بسرعة بين الهيئات الحكومية. وفي الحالة السابقة تحديداً، كان ينبغي أن تُنبه بيانات الفحص وتاريخ السفر السلطات المحلية في نفس يوم وصولها، لإجراء المزيد من المتابعة واتخاذ أي تدابير وقائية أخرى إذا اقتضى الأمر.

2- معالجة المخاوف المتعلقة بالخصوصية  

أحد أكبر التحديات التي تواجه تطبيق نظام قوي لتبادل المعلومات هو القلق بشأن خصوصية البيانات. من الذي يتحكم في المعلومات ويستخدمها؟ وما القضايا السياسية والقانونية التي أثارها هذا الأمر في مختلف أنحاء العالم؟ دون معالجة هذه القضية الرئيسية، لن يكون من المرجح أن تتمكن الحكومات من الاستفادة من الإمكانات الكاملة للبيانات. في الهند على سبيل المثال، استحدثت الحكومة تطبيق آروجيا سيتو (Aarogya Setu) الخاص بتتبع الاحتكاك بمرضى كوفيد-19، الذي يُبلغ المستخدمين باحتمال اختلاطهم بأحد المرضى اعتماداً على موقعهم. ومع ذلك، فقد أثار آروجيا سيتو وغيره من التطبيقات المماثلة التي طورتها الدول في شتى أنحاء العالم مخاوف تتعلق بالخصوصية.

وتؤكد الحكومات أن هذه التطبيقات مُصممة للحفاظ على الخصوصية في المقام الأول. ومع ذلك، إذا اعتقد الناس أنها وسيلة تستخدمها الحكومات لزيادة رقابتها، فقد يؤدي هذا إلى انعدام ثقتهم وانخفاض معنوياتهم، وهو ما سيحدّ من فعالية هذه التطبيقات.

ومن شأن وجود قانون واضح لحماية خصوصية البيانات، وتطبيق ممارسات شفافة متبوعة بزيادة الوعي، أن يساعد على تهدئة هذه المخاوف. كما سيساعد التوصلُ للحلول بطريقة مشتركة على هذا الأمر أيضاً.

3- تحقيق المساواة الرقمية

سلطت تدابير الحجر الصحي التي نُفذت في جميع أنحاء العالم الضوءَ على أهمية التكنولوجيا الرقمية في الحفاظ على التواصل بين الناس واستمرار عمل المؤسسات، على النحو الذي يسمح لعدد كبير من الأشخاص بمواصلة العمل، وهو ما يؤكد كذلك على سبب حاجتنا إلى تحقيق المساواة الرقمية. ينبغي أن يصبح الوصول إلى الأدوات والخدمات الرقمية والقدرة على استخدامها بشكل فعال حقاً أساسياً وليس امتيازاً.

ويتطلب هذا الأمر اتباع مقاربة ذات شقين: أولاً التركيز على محو الأمية الرقمية، وثانياً توسيع نطاق البنية التحتية الرقمية لتحسين وصول الجماهير إلى الإنترنت بتكلفة معقولة.

وقد أدرج القادة العالميون في مجال الممارسات الحكومية الرقمية بالفعل الإدماج الرقمي ضمن أفضل الممارسات، إلا أن هذا الأمر يجب أن يصبح أولوية إستراتيجية. وعلى صعيد البنية التحتية، يمكن للحكومات أن تعيد النظر في سياساتها المتعلقة بشبكات الجيل الخامس للإسراع في استخدامها ونشرها. وسمكن للسياسات والممارسات الخاصة بتقاسم البنى التحتية للاتصالات وتفكيك التراخيص أن تساعد على دخول صغار اللاعبين أيضاً إلى السوق، وتوسيع الخدمات لتشمل عملاء جدد. علاوة على ذلك، أرى أن ثمة ضرورة لاضطلاع المجتمعات بدور كبير في ضمان وصول التكنولوجيا الرقمية إلى الجميع.

4- ضمان تقديم خدمات عامة رقمية موثوقة وآمنة وقابلة للتطوير

مع كون الخدمات الرقمية الطريقة الوحيدة للوصول إلى الخدمات في أجزاء كثيرة من العالم أثناء الجائحة، فلا يسعني سوى أن أشدد على أهمية الخدمات العامة الرقمية الموثوقة والآمنة والقابلة للتطوير. ويتعين على الحكومات ضمان تمتع الناس بالقدرة على إتمام معاملاتهم إلكترونياً بأقل مجهود ومن المرة الأولى، وهو ما يتطلب بذل جهد منسق من جانب فريق متعدد التخصصات، بل حتى إعادة تصميم الخدمات العامة في الكثير من الحالات.

علاوة على ذلك، يتوجب على الحكومة تأمين هذه الخدمات لحماية سلامة البيانات التي يجري تداولها. ويكتسي هذا الأمر بأهمية خاصة بالنظر إلى الزيادة الأخيرة في حجم الهجمات الإلكترونية، فوفقاً لتقرير التحقيقات الخاصة باختراق البيانات الذي أصدرته شركة فيريزون عام 2019، شكلت الهجمات الإلكترونية المدعومة من الدول 23% من حالات اختراق البيانات المُبلغ عنها عام 2019، مقارنة بـ 12% فقط عام 2018. ولا شك أنك لا تريد لخدماتك أن تفشل في حالات الطوارئ، حتى لا تؤدي إلى المزيد من الفوضى والارتباك في المجتمع خلال مثل هذه الأزمات.

وأخيراً، يُعد تبني الحوسبة السحابية مكوناً تمكينياً مهماً لإنشاء الحكومة الرقمية وتحسين تجربة المستخدم، فضلاً عن كونه أكثر فعالية أيضاً من حيث التكلفة. فهو يوفر -من ناحية- المزيد من المرونة والقابلية للتطوير وسرعة الأداء، والوصول إلى الأدوات والتطبيقات والقدرات وما إلى ذلك. ومن ناحية أخرى، يتيح تحسين التعاون بين الوكالات الحكومية. وستسمح السحابة الحكومية والعامة للوكالات الحكومية بالتعامل مع الزيادات الحادة في استخدام القنوات الرقمية، ومن دونها يمكن أن تتعطل الخدمات بسبب الحمل الزائد على الخوادم.

5- تجهيز القوى العاملة للعصر الرقمي

أكدت جائحة كوفيد-19 أننا نعيش بالفعل في العصر الرقمي، وبالتالي ينبغي أن تتمتع القوى العاملة في الحكومة بالقدرات والمهارات اللازمة للعمل بفعالية في الفضاء الإلكتروني.

ويمكن للقوى العاملة الرقمية أن تساعد مؤسستك على أداء عملياتها اليومية إلى حد كبير، وأنا استخدم مصطلح "إلى حد كبير" هنا عن عمد؛ لأن بعض الأعمال ونواتج الخدمة يجب -بطبيعة الحال - أن تكون ذات صفة مادية بسبب الطابع العملي لأهدافها.

وقد استخدمت العديد من المؤسسات -بما فيها مؤسستي- الأدوات الرقمية على نطاق واسع في العمل أثناء الحجر الصحي، بصرف النظر عن مكان تواجد موظفينا. ولا أرى سبباً لعدم استخدام الوكالات العامة لنفس الطريقة، وهو ما حدث فعلاً في بعض الحالات.

فضلاً عن ذلك، عندما يكون من المتوقع أن يلتزم الجميع بالابتعاد الاجتماعي، فلماذا نحرم العاملين بالمجال الصحي والمتواجدين على الخطوط الأمامية من محاولة إدارة الموقف بنفس الطريقة؟ لا سيما أن القوى العاملة الماهرة رقمياً والمزودة بالأدوات المناسبة يمكنها أن تتجنب الاتصال الجسدي مع الأشخاص المحتمل تعرضهم للعدوى، ما لم يكن هذا الاتصال ضرورياً.

دعونا ننظر مرة أخرى للمثال الخاص بزميلتي الذي ذكرته في البداية؛ فقد زارها ممثلو وزارة الصحة مرتين خلال فترة تتراوح ما بين 14 إلى 15 يوماً، للتحقق مما إذا كانت تعاني من أي أعراض. كان من الممكن إتمام هذه العملية برمتها باستخدام خدمة استشارات فيديو آمنة، وهو ما كان سيوفر لممثلي الوزارة الكثير من الوقت، ويحول دون تعرضهم لخطر الإصابة بالفيروس. وقد سمعت عن حالات تم فيها استخدام الفيديو لإجراء الكشف على عدد من أصدقائي المتواجدين في بعض الدول الصغيرة المتقدمة رقمياً. يتعين على الحكومات في جميع أنحاء العالم أن تبحث في كيفية استخدام مثل هذه الممارسات لإشراك المواطنين رقمياً لما فيه مصلحتهم.

المحتوى محمي