خمسة أشياء تعلمناها منذ أن غادرت المركبة فوياجر 2 النظام الشمسي

4 دقائق
حافة الغلاف الشمسي.

منذ سنة كاملة، أصبح مسبار فوياجر 2 من ناسا ثاني جسم من صناعة البشر يخرج من النظام الشمسي ويدخل رسمياً في الفضاء البينجمي في التاريخ. تم إطلاق فوياجر 2 في 20 أغسطس، 1977، قبل إطلاق توأمه فوياجر 1 بستة عشر يوماً، وهو الذي غادر نصف الكرة الشمالي للنظام الشمسي في 2012. وقد تم إرسال فوياجر 2 في رحلة أطول زار خلالها أورانوس ونبتون، وحتى اليوم، ما زال يعد المركبة الفضائية الوحيدة التي زارت هذه الكواكب عن قرب. وبعد ذلك، توجه إلى نصف الكرة الجنوبي من الغلاف الشمسي (أبعد مناطق النظام الشمسي، التي يشار إليها أحياناً باسم الفقاعة)، ومن ثم مباشرة إلى الفضاء البينجمي.

وفي 5 نوفمبر، 2018، غادر فوياجر 2 رسمياً النظام الشمسي مع عبوره حدود النظام الشمسي في نهاية الغلاف الشمسي وبداية الفضاء البينجمي، وقد حدث هذا على بعد 119 واحدة فلكية من الشمس (تساوي الواحدة الفلكية 149.6 مليون كيلومتر، أي تقريباً المسافة الفاصلة بين الشمس والأرض).

تمكنت المركبة الفضائية من تحليل مكونات الرياح الشمسية، وتركيب وسلوك جسيمات البلازما، وتفاعلات الأشعة الكونية، وبنية واتجاه الحقول المغناطيسية، وغير ذلك من المزايا التي تحدد حواف النظام الشمسي. واليوم، نشر العلماء مجموعة كبيرة من الأبحاث في مجلة Nature Astronomy التي تفصّل نتائج ما رصدته فوياجر 2 على طريقها وهي خارجة من النظام الشمسي. ونقدم فيما يلي النتائج الخمس العامة:

1. يوجد تسريب في الفقاعة، وفي كلا الاتجاهين
لم يمر خروج فوياجر 2 من الفقاعة من دون مفاجآت، حيث تقول البيانات إن الفقاعة كانت "تعاني من تسريبات كبيرة" كما يقول ستاماتيوس كريميجيس من جامعة جونز هوبكنز، المؤلف الرئيسي لأحد الأبحاث الجديدة. فقد اكتُشفت مواد من الفقاعة الشمسية في الفضاء البينجمي.

وفي الواقع، اكتشفت فوياجر 1 كذلك دلالات على التسريب في الفقاعة أيضاً. ولكن في تلك المرة، وُجدت مواد من الفضاء البينجمي وهي تتدفق إلى داخل الفقاعة، أي عكس ما وجدته فوياجر 2، وذلك وفقاً لإدوارد ستون من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، المؤلف الرئيسي لبحث آخر. وتؤكد النتائج الجديدة أن التسريب على حافة الغلاف الشمسي -الذي اكتشف في موضعين متباعدين للغاية من الغلاف الشمسي- ليس بالظاهرة النادرة في الفقاعة، على الرغم من عدم وجود تفسير فعلي له.

2. تتسم حدود الفقاعة بانتظام أكثر مما كنا نعتقد
قبل بعثات فوياجر، توقع العلماء أن الفقاعة الشمسية تتلاشى في الفضاء البينجمي مع الابتعاد عن الشمس. ولكن على ما يبدو، فإن فوياجر 2 أكّدت "وجود حد فاصل واضح للغاية هناك"، وفقاً لدونالد جورنيت من جامعة أيوا، والمؤلف الرئيسي لأحد الأبحاث. وقد قاست أداة موجة البلازما على فوياجر 2 كثافات بلازما كانت متوافقة للغاية مع ما قاسته فوياجر 1. ونظراً للحرارة الشديدة للبلازما الشمسية (حوالي مليون درجة مئوية) والبرودة الشديدة للبلازما البينجمية مقارنة معها (10000 درجة مئوية فقط)، فإن كثافة البلازما تقفز بمعامل ما بين 20 و50 مع عبور الحد الفاصل. يقول جورنيت: "هذه إحدى خواص الموائع، التي تُشكل في أغلب الأحيان حدوداً فاصلة واضحة وحادة".

وقد تفاجأ كريميجيس على وجه الخصوص من عبور كلتا المركبتين لحافة الغلاف الشمسي على نفس البعد تقريباً (121 و119 واحدة فلكية على الترتيب). فقد توقعت أغلب النماذج السابقة أن اشتداد النشاط الشمسي أثناء عبور فوياجر 1 في 2012 كان سيدفع بحافة الفقاعة إلى الخارج بعض الشيء. كما أن انخفاض النشاط الشمسي كان يُفترض به أن يسحب الفقاعة إلى الداخل خلال عبور فوياجر 2 في السنة الماضية، غير أن المركبتين الفضائيتين غادرتا النظام الشمسي على نفس المسافة تقريباً في موضعين متباعدين للغاية، وهو ما يثير حيرة العلماء.

3. يعتمد تركيب الغلاف الشمسي على الموقع
لا تتوافق بيانات فوياجر 2 تماماً مع وجود حد فاصل بتغير حاد، على الأقل كما كنا نتوقع، خصوصاً قياسات الحقل المغناطيسي داخل وخارج الفقاعة؛ فقد توقع الفلكيون أن اتجاه الحقل المغناطيسي سيكون مختلفاً بين الحالتين، ولكن عندما عبرت فوياجر 2 هذا السطح الرقيق، "لم يكن هناك تغير يُذكر" في اتجاه الحقل، وهو ما رصدته فوياجر 1 أيضاً، وفقاً لليونارد بورلاجا من مركز جودارد للتحليق الفضائي التابع لناسا، وهو المؤلف الرئيسي لهذا البحث. وفي نفس الوقت، تشير قياسات الحقل المغناطيسي على فوياجر 2 أن الغلاف الشمسي أقل ثخانة وأبسط تركيباً ويحتوي نسبة أقل من الجسيمات الطاقية مما رصدته فوياجر 1 أثناء عبورها، ومرة أخرى فإن مقارنة هذه البيانات لا تجيب عن الأسئلة بقدر ما تثير المزيد منها.

4. يتجاوز تأثير الشمس النظام الشمسي
تطلق الشمس باستمرار موجات صدمة من البلازما يطلق عليها اسم الانبعاثات الكتلية الإكليلية (CMEs)، وهي التي تساعد على تحديد طبيعة باقي النظام الشمسي. وقد تبين أن تأثير الشمس يتجاوز حدودها؛ حيث إن بيانات فوياجر 2 الجديدة -تماماً مثل بيانات فوياجر 1 قبلها- تبين كيف تنتشر الانبعاثات الكتلية الإكليلية إلى ما بعد الغلاف الشمسي وتخفض من نسبة الأشعة الكونية بعد الفقاعة. يقول جورنيت: "هذا مشابه إلى حد ما لما نراه في المجرة"، حيث ترسل المستعرات العظمى موجات صدمة نحو المجرة أيضاً، مما يُحدث هزات في الوسط البينجمي ولكن بشدة أعلى مما تُحدثه الانبعاثات الكتلية الإكليلية. ويضيف جورنيت: "يعتقد معظم الفلكيين أن تشكل النظام الشمسي بدأ بتأثير موجة صدمة بينجمية قادمة من مستعر أعظم".

إذا فكرنا في احتمال تنشيط الأشعة الكونية للتحولات البيولوجية في الحياة على الأرض، فإن هذه النتائج تدعم الفكرة القائلة بأن الشمس يمكن أن تؤثر أيضاً على تطور الكائنات الحية في العوالم الأخرى، في هذا النظام الشمسي وخارجه.

5. كانت هذه المرحلة الأخيرة الهامة في برنامج فوياجر
يقول ستون: "عندما انطلقت مركبتا فوياجر، كان عصر الفضاء بعمر 20 سنة فقط. ولم يكن من السهل أن نتأكد من دوام شيء ما لمدة 40 سنة".

غير أن عمليات الرصد للغلاف الشمسي تمثل فعلاً جزءاً من النفس الأخير لكلتا المركبتين، اللتين تعملان بمولدات حرارية كهربائية تعتمد على النظائر المشعة، وتحديداً البلوتونيوم 238 الذي تستمد حرارتها منه، وهي في حالة تحلل إشعاعي مستمر. يقول ستون: "ندرك أنه بعد خمس سنوات تقريباً، لن يتبقى من الطاقة ما يكفي لتشغيل أية معدات علمية".

ستتابع البعثتان دراسة تفاعل الغلاف الشمسي مع الوسط البينجمي وتقديم الأدلة حول الأنظمة النجمية الأخرى. يقول ستون: "نعتقد أن كل نجم يتمتع بهذه الخصائص. وما تعلمناه حول الغلاف الشمسي سيساعدنا على تعلم المزيد حول أغلفة النجوم الأخرى".

وعلى الرغم من أن ناسا تواصل مراقبة المركبتين والتواصل معهما وجمع البيانات منهما، فإن تحويل هذه البيانات إلى معلومات علمية مفيدة يعتبر إلى حد كبير مسؤولية العلماء في المؤسسات العلمية المختلفة عبر الولايات المتحدة الأميركية. ولا توجد حالياً أية خطط لبرنامج يحل محل برنامج فوياجر (المركبة الفضائية الأخرى التي ستصل إلى مسافات كهذه -وهي نيو هوارايزنز- ستنفد من الطاقة عند 90 واحدة فلكية)، ولكن نجاح البعثتين والأسئلة التي أثارتاها هما بلا شك مصدر إلهام للعلماء والمهندسين لاقتراح عروض جديدة لبعثات لدراسة الغلاف الشمسي وما بعده.

المحتوى محمي