ملخص: في ظل الأزمة المناخية التي تحيط بالكوكب بأكمله، يبرز العديد من الأسئلة التي تنبغي الإجابة عنها، وأهمها كيف يمكننا التحلي بالأمل لحل هذه الأزمة؟ لكن الإجابات العاطفية لا تقدم حلولاً، ويجب الانتقال إلى خطوات عملية تضعنا على الطريق الصحيح نحو الحل، يجب أن نشهد تحولاً جذرياً قائماً على الهدم وإعادة البناء، وإعادة النظر في التكنولوجيات والثقافات التي تعتمد على الوقود الأحفوري وكذلك بنيتها التحتية الضخمة والراسخة، ثم إعادة بناء نموذج النجاح والازدهار من خلال التحول من نموذج يعتمد على النمو المستمر وغير المحدود إلى نموذج يراعي حساسية المحيط الحيوي ويهدف إلى التكيف معه. يجب على الحكومات أن تدعم مصادر الطاقة المتجددة وتتبنى استراتيجيات جيدة لهذه الطاقة، لا أن تدعمها كمصدر إضافي إلى جانب الوقود الأحفوري. كما يجب إعادة النظر في نموذج حياتنا القائم على الاستهلاك، وأن نتوقف عن إنتاج ما ليس ضرورياً.
عندما يتعلق الأمر بالانهيار المناخي وأزمة الانقراض، فإن السؤال الذي أواجهه غالباً هو: "كيف يمكننا التحلّي بالأمل؟"
يطرح عليّ الناس هذا السؤال في سياقات ومناسبات مختلفة، سواء في جلسات الأسئلة والأجوبة، أو عبر الرسائل الإلكترونية، أو في البرامج الإذاعية والبودكاست، وسواء كنت أروّج رواياتي، مثل رواية "الكتاب المقدس للأطفال" (A Children’s Bible) أو رواية "الديناصورات" (Dinosaurs)، أو أعمالي غير الروائية مثل كتاب "نحن نحب كل شيء" (We Loved It All)، وهو مذكراتي الجديدة. أرى أن هذا السؤال يتكرر كثيراً في وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى الروايات التي أسمعها من أصدقائي الكتّاب وزملائي العلماء والمحامين والناشطين ومنظمي المجتمع عن انتشار هذا السؤال.
فكرتُ في دوافع طرح هذا السؤال وأصبحتُ أشعر بأن العديد منا يفضّل، في هذه الظروف الثقافية، إعطاء الأولوية للمشاعر حيال هذه التهديدات الوجودية، وذلك على حساب العقل، أو الفضائل الأخلاقية، أو مفاهيم الواجب المدني والجماعي التي تبدو قديمة. تؤدي المشاعر دوراً مهماً في إرشاد الناس خلال الأوقات الصعبة أو الأزمات، وتختلف هذه المشاعر باختلاف التوجهات السياسية، فقد تكون مشاعر الغضب والاستياء أكثر شيوعاً بين الأشخاص الذين ينتمون إلى التيار السياسي اليميني، في حين تبدو الثقة المفرطة بالنفس والدفاع عن المبادئ من سمات الأشخاص الذين ينتمون إلى التيار اليساري.
يبدو الأمر كما لو أننا نضع مصيرنا تحت تصرف المشاعر وننتظر منها أن تأتي لنا بحل سحري لمشكلاتنا.
اقرأ أيضاً: ما هو الأفضل: الطريقة أم السرعة في تحقيق الأهداف المناخية؟ نظرة إلى تجربتي جوجل وأمازون
الأمل لا يكفي لوحده لحل الأزمة المناخية
في سياق المشاعر، يحمي الأمل الناس من اليأس، الذي يؤدي إلى التشاؤم ومحاولة إيجاد مبررات عقلانية لهذا اليأس؛ ما يمنحنا عذراً للتوقف عن التفكير في المشكلة والتهرب من الضغط الذي نتعرض له فيما يتعلق بتحمّل مسؤوليتنا تجاه المستقبل وتجنب مواجهة الصعوبات والتحديات المرتبطة بمحاولة المقاومة وتحسين الأوضاع أو المشاركة في التغيير. لكن على غرار التشاؤم، فقد يصبح الأمل وسيلة للتهرب من مواجهة المشكلات؛ إذ ربما يشغل تفكير الفرد ومشاعره بتوقعات سلبية، وبالتالي يصبح منتظراً للحل دون أن يحاول أن تحقيقه بنفسه. في معظم الأحيان، يعمل الأمل بوصفه عنصراً بلاغياً أو أداة خطابية مبهمة وغير واضحة المعالم، مثل مفاهيم السعادة أو الحرية، وبالتالي، فإنه يصبح مفهوماً فارغاً لا يمكنه الصمود أمام التحديات الكبرى؛ إذ نستخدمه للتغطية على عدم وجود حلول فعلية في سياق النقاشات حول الأزمة المناخية والإنكار المرتبط بها. إذا اعتمدنا على الأمل فقط، فإننا نتخلى عن دورنا الفاعل وقدرتنا على إحداث التغيير المطلوب. قد يكون هذا الخيار مغرياً، لكنه في الوقت نفسه يمثّل استسلاماً وتخلياً عن المسؤولية.
قد لا تكون المشاعر أفضل هبة نملكها وأكثرها فاعلية لتحقيق الأهداف والتغلب على التحديات، فالحيوانات الأخرى لديها مشاعر أيضاً، لكنها لم تتسبب في التغيرات الكبيرة التي أصبحت تهدد كوكبنا، لكننا فعلنا ذلك من خلال الجمع بين هذه المشاعر ومجموعة القدرات الفريدة التي اكتسبناها استجابةً لضغوط التطور التي تعرضنا لها. تشمل هذه القدرات التواصل والتعاون واللغات المعقدة التي نستخدمها، بالإضافة إلى قدرتنا على تصور الماضي البعيد والتخطيط للمستقبل وصنع الأدوات بفضل بنية أيدينا، وهي قدرات سمحت لنا مجتمعةً بتحقيق إنجازات عظيمة، مثل بناء الإمبراطوريات والآلات المعقدة وتوسيع نطاق ذكائنا ليصل إلى أعماق البحار والطبقات العليا من الغلاف الجوي، وحتى إلى الفضاء، وبالتالي، إحداث تغييرات كبيرة على الكوكب.
استنزاف الموارد أثر على البيئة والكوكب
على الرغم من ذلك، فقد اختار البشر هذا المسار بسبب رغبتهم في التحكم بالموارد والسيطرة عليها واستخدموا مجموعة من الأفكار لتبرير هذا السلوك الذي يؤدي في النهاية إلى استنزاف تلك الموارد بطريقة تؤثّر في البيئة والكوكب، وقد نتج عن ذلك زيادة مفرطة في الإنتاج والاستهلاك. أدّى النشاط البشري الهستيري والمستمر فيما يتعلق باستهلاك الموارد الطبيعية وزيادة الإنتاج على مدى بضعة قرون إلى وصولنا إلى مرحلة حرجة تهدد حياتنا على الأرض؛ إذ تتزايد احتمالية وقوع كوارث طبيعية نتيجة تغيّرات المناخ التي تسببها هذه الأنشطة، مثل ارتفاع مستوى سطح البحر والحرائق الشديدة، مع تأثيرات سلبية على البيئة والحياة على الأرض، مثل تدمير الغلاف الجوي للأرض وتدمير النظام البيئي من غابات وأنهار ومروج وذوبان الجليد في المناطق القطبية وانقراض الكائنات الحية التي تعتمد على هذه البيئات.
من الصحيح أن العاطفة مهمة وضرورية لفهم خطورة وضعنا، وإدراك أن هذا الخطر موجود الآن وليس في المستقبل البعيد، وأنه يجب علينا التصرف فوراً واتخاذ إجراءات عملية لحل المشكلة، لكن من بين مجموعة المشاعر التي يمكننا الوصول إليها بسهولة، لا يُعد الأمل شعوراً كافياً لمواجهة الأزمات الكبيرة. يجب علينا أن نُدرك بعمق خطورة الوضع البيئي والاعتراف بأن المشكلة التي نواجهها كبيرة ومعقدة، وذلك لفهم الأخطاء التي ارتكبناها في الماضي وتغيير طريقة تفكيرنا وسلوكنا بحيث يمكننا تصحيح المسار والتعامل مع الأزمات بالقدر نفسه من الحماس والشغف الذي نستخدمه في استهلاك الموارد، لكن هذه المرة لاستعادة التوازن.
اقرأ أيضاً: ما هي الحوسبة الحيوية؟ وكيف تسهم في محاربة التغيّر المناخي؟
يجب علينا أن نشعر بالرهبة والذهول أمام جمال الطبيعة وعظمتها، لكن يجب علينا أن نعي أيضاً مدى هشاشتها وضعفها، ويجب علينا الاعتراف بحجم التغيرات التي سببها البشر، بالإضافة إلى ضرورة إدراكنا للخطر الوشيك الذي يهدد الكوكب، وأن نفهم بعمق أن البيئة التي نعيش فيها فريدة من نوعها ولا يمكن استبدالها. يُعد هذا المكان الرائع الذي نعيش فيه ضئيلاً جداً بالنسبة للنظام الشمسي والمجرة كلها، لكنه يوفر لنا الشرطين الأساسيين للحياة، وهما المياه والهواء الذي يمكننا تنفسه، ما يتطلب الحفاظ على هذا الكوكب الهش الوحيد الذي يحتوي على أشكال الحياة.
يمكن أن يكون الشعور بالرهبة والذهول دافعاً قوياً للعمل بجد وحماس، تماماً مثلما دفعنا الجشع في الماضي للعمل بجدية نحو تحقيق أهدافنا.
إن المشاعر والانفعالات العادية ليست كافية لتحفيز البشر على التصرف بالطريقة المطلوبة. لذلك، يجب علينا مواجهة حقيقة محدودية حياة البشر وإثارة مشاعر الرهبة والذهول تجاه تنوع الوجود وغناه وهشاشته في الوقت نفسه، ما سيدفعنا إلى التصرف بطريقة أكثر مسؤولية.
الكم الهائل من المعلومات يؤدي إلى شعورنا بالضياع
تؤدي المشاعر العادية إلى شعورنا بالضياع والتخبط وسط الكم الهائل من المعلومات التي تواجهنا، بسبب حالة الارتباك الناتجة عن اعتقادنا الراسخ أن الأشياء المألوفة التي نعرفها ستظل على حالها دائماً. وبالتالي، فإننا نواجه صعوبة في فهم التغيرات المحيطة بنا. لكن في حال عدم بذل جهود عالمية كافية واتخاذ إجراءات عاجلة وتعاونية على نطاق واسع، فإن الظروف الحالية أو الأوضاع المألوفة ستتغير على نحو كبير. سيزول الاستقرار الاجتماعي والسياسي مع اختفاء النُظم البيولوجية والجيوفيزيائية، مثل اختفاء الشعاب المرجانية، الذي سيؤدي إلى تجريد المحيطات من التنوع، أو انهيار دوران انقلاب خط الزوال الأطلسي (AMOC)، بسبب تدفق المياه العذبة الناجمة عن ذوبان الجليد، وهو ما قد يجعل شمال أوروبا منطقة شديدة البرودة بحيث لا يمكن العيش فيها، ويرفع مستويات سطح البحر على طول الساحل الشرقي للولايات المتحدة، ويزيد من ارتفاع درجة حرارة المناطق الاستوائية.
في سياق المشاعر، يُعدّ الشعور بالرهبة والذهول شرطاً أساسياً يدفعنا إلى العمل لمواجهة التحديات، وليس مجرد الأمل بحدوث هذا التغيير من تلقاء نفسه. يمكن أن يكون الشعور بالرهبة والذهول دافعاً قوياً للعمل بجد وحماس، تماماً مثلما دفعنا الجشع في الماضي للعمل بجدية نحو تحقيق أهدافنا. سواء كان الإعجاب نابعاً من الموسيقى أو الطبيعة أو الفن أو الدين، أو حتى من قرار بسيط ومفاجئ بمراقبة العالم من حولنا بعمق، فإن كل ذلك يتطلب منا التركيز والانصراف عن الأمور السطحية وغير المهمة لإفساح المجال للتأمل والتفكير العميق وسط زخم الحياة المتسارع.
خطوات عملية لمواجهة الأزمة المناخية؟
إذا كنا نرغب في التطور والازدهار في المستقبل، فإنه يجب علينا في القرن القادم أن نشهد تحولاً جذرياً قائماً على الهدم وإعادة البناء، بحيث يجب إعادة النظر في التكنولوجيات والثقافات التي تعتمد على الوقود الأحفوري وكذلك بنيتها التحتية الضخمة والراسخة، ثم إعادة بناء نموذج النجاح والازدهار من خلال التحول من نموذج يعتمد على النمو المستمر وغير المحدود إلى نموذج يراعي حساسية المحيط الحيوي ويهدف إلى التكيف معه. بالإضافة إلى ذلك، يتطلب الأمر اتخاذ إجراءات سياسية حاسمة أخرى، مثل الدفاع عن حقوق الإنجاب والمساواة والتعليم وتمويلها على الصعيدين المحلي والدولي، لا سيما بالنسبة للنساء، لأن تعليم المرأة يؤدي دوراً مهماً في انخفاض معدلات الولادات، ما يُعدّ عاملاً حاسماً للعيش في حدود إمكاناتنا.
إذا اعتقدنا أن ثقافة التصنيع وحدها يمكن أن تحل مشكلاتنا جميعها، فإننا نتجاهل العوامل الأخرى المهمة والتحديات الحقيقية، ما يعكس نوعاً من الغرور أو الثقة المفرطة. على الرغم من حاجتنا المُلحّة إلى تصنيع أدوات أفضل وتوسيع نطاق استخدامها، مثل أنظمة توفير الطاقة والغذاء التي لا تؤدي إلى تدمير مواردنا الحيوية لتلبية احتياجاتنا اليومية، فإنه من الخطأ الاعتقاد أن تحسين عملية التصنيع بحد ذاته يمكن أن ينقذنا نحن أو الكائنات الحية الأخرى التي نعتمد عليها دون النظر إلى العوامل الأخرى لحل مشكلاتنا.
يكمن جزء من الحل في تقليل ما ننتجه من أشياء غير ضرورية وزيادة التخلص من الآلات والأفكار والممارسات الضارة. يجب علينا التخلص من مجموعة الأفكار السيئة الشائعة بالطريقة نفسها التي نتخلص بها من الآلات التي تلحق الضرر بالبيئة، وتشمل هذه الأفكار فكرة تفوق الإنسان العاقل على الطبيعة واستقلاليته عنها بطريقة عجيبة متجاهلاً قوانين البيئة والفيزياء، وفكرة أن رأسمالية السوق هي قمة الحضارة التي لا يمكن المساس بها وأن التوسع المستمر هو الهدف الجماعي الأسمى، ويشمل ذلك التكاثر البشري المستمر الذي يشجّعه خبراء الاقتصاد الليبراليون الجدد الذين يشتكون من انخفاض معدلات الولادة في الدول الصناعية.
لا توجد آليات مناسبة وفعّالة لدى الولايات المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المشاريع الكارثية المحتملة، سواء كانت هذه المشاريع تسبب اضطرابات مناخية واضحة أو تدّعي أنها تقدّم حلولاً لهذه المشكلات. لطالما افتقرت المعاهدات المبرمة بموجب القانون الدولي إلى آليات التنفيذ الفعّالة، ما يسبب عجزها عن تحقيق أهدافها وتطبيق أحكامها، في حين تخضع الأنظمة القانونية الأميركية، على الرغم من قوتها، لقيود تشريعية فرضها الكونغرس الذي يتأثر بالضغوط التي يمارسها قطاع الوقود الأحفوري والقطاعات ذات الصلة التي تسعى جاهدة للحفاظ على الوضع الراهن. بدلاً من أن يكون هذا النظام القانوني حريصاً على معالجة المخاطر الصحية والأمنية الكبيرة والاستثنائية التي يفرضها تغير المناخ وحالات الانقراض، فإنه يسعى، من خلال تعيين قضاة متحيزين ومناهضين للحكومة والعلم في الآونة الأخيرة، إلى زيادة نفوذ القطاع الخاص على حساب حقوق المواطنين، بالإضافة إلى إضعاف سلطة الرقابة الفيدرالية.
اقرأ أيضاً: ما الذي يمكن أن تتعلمه تكنولوجيات الطاقة المتجددة من تقنية طاقة كهرومائية جديدة؟
إذا لم نتمكن من الاعتماد على السلطتين التشريعية أو القضائية في حكوماتنا لمعالجة الأزمات بمحض إرادتها، في الوقت الذي توجه فيه السلطة التنفيذية جهودها، في أفضل الأحوال، نحو الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة دون التخلي عن الوقود الأحفوري، وإذا كانت الشركات الكبرى الضيقة الأفق والمتمسكة بمصالحها التي تهيمن على قطاع الطاقة غير مهتمة بتغيير سياساتها؛ فمن يتحمل مسؤولية حماية مستقبلنا؟ إلى من يمكننا أن نلجأ، نحن الذين نعيش على هذا الكوكب الذي تحاصره الأزمات والتحديات؟
ربما يكون الحل الوحيد في الوقت الحالي هو الاعتماد على أنفسنا فقط، نحن الذين نمتلك القدرة على التواصل من خلال اللغة ونؤمن بحكمة العلم وما يمكن أن يوفّره من حلول وأدوات لمواجهة هذه الأزمات، نحن الذين ندرك مدى هشاشة الأنهار والمروج والغابات والأراضي الرطبة ومستنقعات أشجار السرو في منطقة جنوب فلوريدا ومنطقة كيب فلوريستيك في جنوب إفريقيا (Cape Floristic Region of South Africa) ومنطقة التايغا البيئية السيبيرية (Siberian taiga) وجبال الأنديز الاستوائية وجزيرة مدغشقر وجزر البحر الكاريبي. نحن الذين نستطيع التفكير في المستقبل والتنبؤ بالعالم المخيف والفارغ الذي ينتظر أحفادنا، فنشعر بضرورة العمل والنضال من أجل الحفاظ على العالم الذي نعيش فيه الآن.