بينما يبدو العالم اليوم مشغولاً بالتعافي من الآثار الاقتصادية السلبية الناتجة عن انتشار جائحة كوفيد-19، وإيجاد حلول علمية وعملية لمواجهة خطر التغيّر المناخي على كوكب الأرض، والعمل على تقليل الاعتماد على مصادر الطاقة غير المتجددة، بدأ بعض العلماء من التحذير الجدي من خطر حصول عاصفة شمسية تؤثر على كل مظاهر الحياة في كوكب الأرض، وقد تشكل خطراً حقيقياً على التكنولوجيا التي نستخدمها اليوم، بما في ذلك الاتصالات عالية التردد التي تستخدمها شركات الطيران أو المستجيبون لحالات الطوارئ، والأقمار الصناعية، ونظام تحديد المواقع العالمي، وأنظمة الملاحة والهواتف المحمولة والألواح الشمسية، وغيرها.
ما هي العاصفة الشمسية وكيف تحدث؟
ربما تفكر في الشمس كضوء ساطع لا يتغير أبداً، ولكن في الواقع، هي عبارة عن كرة ضخمة بشكل لا يصدق من الغازات المنصهرة التي تتدفق باستمرار. ومثل العديد من العمليات الطبيعية على الأرض، يكون نشاط الشمس دورياً (يتكرر على مدار فترة زمنية)، حيث يتحرك الغاز المشحون ويولد مجالاً مغناطيسياً قوياً، والتي يشار إليها باسم الدورة الشمسية (Solar Cycle)، ويمكن لهذا النشاط على سطح الشمس، مثل التوهجات الشمسية (Solar Flares)، والانبعاث الكتلي الإكليلي (Coronal Mass Ejections) أن يعزز بشكل كبير إجمالي الطاقة التي تحملها الرياح الشمسية، ما يؤثر على شدة المجال المغناطيسي بين الكواكب.
ومن ثم تحدث العواصف الشمسية (Solar Storm) عندما تبعث الشمس دفعات ضخمة من الطاقة على شكل توهجات شمسية أو انبعاثات كتلية إكليلية، حيث ترسل هذه الظواهر تياراً من الشحنات الكهربائية والمجالات المغناطيسية باتجاه الأرض بسرعة نحو 3 ملايين ميل في الساعة. وعندما تضرب عاصفة شمسية الأرض، فإنها غالباً ما تنتج عرضاً مبهراً للأضواء في أجزاء من الغلاف الجوي يمكن رؤيتها في المناطق القريبة من الدائرة القطبية الشمالية، هذه الأضواء وعلى الرغم من جمالها، فإنها يمكن أن تحدث دماراً كبيراً في الأرض، حيث يمكن أن تكون للتوهجات الشمسية نفس قوة مليارات القنابل النووية، والتي يمكن أن تؤثر على محطات الطاقة والأقمار الصناعية، وشبكات الاتصالات، وتعطيل أو تلف كل جهاز إلكتروني على الأرض.
اقرأ أيضاً: ما الفروقات الجوهرية بين الخلايا الشمسية والخلايا الكهروضوئية؟
هل يجب علينا القلق حقاً من حدوث عاصفة شمسية؟
في شهر يوليو/ تموز من عام 2021، انتشرت أخبار وقصص عبر الإنترنت محذرة من كارثة قادمة من خارج الأرض، حيث ظهر تحذير على مواقع التواصل الاجتماعي من أن هناك عاصفة شمسية ضخمة تتجه نحو الأرض يمكن أن تؤثر على نظام تحديد المواقع العالمي، وشبكة الإنترنت، والأقمار الصناعية، بينما أوردت صحيفة تايمز أوف إنديا (Times of India) عنواناً رئيسياً مفاده أن هناك عاصفة شمسية قوية من المحتمل أن تضرب الأرض في الأسابيع الأولى من شهر أغسطس/آب من نفس العام.
وبينما كانت هذه العناوين مقلقة للبعض، فإن الأيام قد مرّت ولم يحدث ما تم الترويج له، حيث لا تزال شبكات الاتصالات، والأقمار الصناعية، وشبكة الإنترنت سليمة. بمعنى آخر، ليس من المتوقع أن تأتي نهاية العالم في أي وقت قريباً، حتى لو جعلت بعض التقارير الإخبارية الأمر يبدو على هذا النحو، حيث نجد بين الحين والآخر عاصفة شمسية تندفع إلى الأرض، ما يؤدي إلى وابل من المقالات والأخبار التي تحذر من احتمال حدوث خلل في إمدادات الطاقة العالمية والاتصالات عبر الهاتف والأقمار الصناعية.
اقرأ أيضاً: المسبار الشمسي باركر يبين لنا أصل الرياح الشمسية بعد الاقتراب من الشمس إلى حد غير مسبوق
ومع ذلك، سيكون من الخطأ عدم تصديق هذا الأمر بالكامل، والنظر إليه على أنه مجرد أخبار مثيرة فقط، حيث سيظل الطقس الشمسي ثابتاً، والتوهجات الشمسية والانبعاثات الكتلية الإكليلية، يمكن أن تؤثر على الأرض في أي وقت، ونتيجة لذلك، لا يزال العلماء يراقبون حركة الطقس الشمسي بشكل يومي، مثلما يفعلون مع حركة الطقس الأرضي، ويدرسون هذه الأحداث لمحاولة التنبؤ بموعد ومكان حدوث العاصفة الشمسية التالية.
يقول العلماء إن الدورة الشمسية الحالية ستبلغ ذروتها في عام 2025، وفي ذلك الوقت ستكون التوهجات أكثر حدة وتطرفاً، ما سيكون له أثر مدمر على الأرض. وبحسب دراسة أجرتها جامعة كاليفورنيا إيرفين (UCI) في عام 2021، في حالة ضربت عاصفة شمسية قوية الأرض، فستكون لديها القدرة ليس فقط على تعطيل شبكات الطاقة والأقمار الصناعية، ولكن أيضاً ستكون لها القدرة على شل شبكة الإنترنت على المدى الطويل، حيث إن البنية التحتية الحالية للإنترنت ليست مصممة لتحمل العواصف الشمسية الشديدة.
هل العواصف الشمسية خطرة علينا حقاً؟
يمكن للجسيمات عالية الطاقة التي تحملها التوهجات الشمسية، أن تسبب التسمم الإشعاعي للإنسان والثدييات الأخرى، وبشكل خاص رواد الفضاء الموجودين خارج الغلاف الجوي لكوكب الأرض، حيث يمكن للجرعات الكبيرة أن تكون قاتلة بالنسبة لهم، ومع ذلك، فإن العواصف الشمسية وتأثيراتها ليست مشكلة بالنسبة للبشر الموجودين على سطح الأرض، بسبب حماية الغلاف الجوي والغلاف المغناطيسي للأرض لأجسامنا البشرية من تأثيرات التوهجات الشمسية.
ولكن من ناحية أخرى، يمكن أن تكون العواصف الشمسية خطرة على التكنولوجيات التي نستخدمها حالياً، حيث يسبب الانبعاث الكتلي الإكليلي أو التوهج الشمسي عند اصطدامه بالغلاف الجوي للأرض حدوث اضطراب في المجال المغناطيسي للأرض، يُعرف باسم العاصفة المغناطيسية الأرضية (Geomagnetic Storm)، والتي يمكن أن تعطّل الأقمار الصناعية، وقد تتسبب في تدميرها كُلياً، بالإضافة إلى تعطيل أنظمة الاتصالات والملاحة والتأثير على شبكات الطاقة وإيقافها.
اقرأ أيضاً: إليك أساليب الاستفادة من الطاقة الشمسية
على سبيل المثال، أحدثت أقوى عاصفة شمسية تم قياسها على الأرض حتى الآن، والمعروفة باسم حدث كارينجتون (Carrington Event) في عام 1859، إخفاقات في شبكات التلغراف في أميركا الشمالية وأوروبا، حيث تم رؤية التوهجات الشمسية حتى مدينة روما وجزر هاواي، وفي 1989 شلت عاصفة شمسية ضربت مقاطعة كيبيك الكندية شبكة الكهرباء بأكملها، تاركة نحو 6 ملايين شخص في الظلام الدامس لمدة 9 ساعات كاملة.
ماذا سيحدث للعالم إذا حصلت عاصفة شمسية اليوم؟
في الوقت الحالي أصبح العالم أكثر اعتماداً على الكهرباء مما كان عليه عندما وقع حدث كارينجتون، ومن ثم إذا ضربت عاصفة شمسية الأرض الآن فقد تتسبب في أضرار غير مسبوقة. على سبيل المثال، قدرت دراسة نُشرت عام 2013 أجرتها شركة التأمين البريطانية لويدز أوف لندن (Lloyd's of London)، أن انقطاع التيار الكهربائي الناجم عن حدث على مستوى كارينجتون قد يؤدي إلى خسارة إيرادات تصل إلى 2.6 تريليون دولار في صناعة الطاقة في أميركا الشمالية وحدها.
وبحسب الدراسة أيضاً، فإن انقطاع التيار الكهربائي العالمي قد يحدث لمدة تصل إلى سنوات، لأن مثل هذا الحدث قد يؤدي في نفس الوقت إلى إتلاف العديد من المحولات عالية الجهد التي يصعب استبدالها، وقد يؤدي ذلك بدوره إلى اضطرابات كبيرة في الأسواق المالية، والخدمات المصرفية، والاتصالات، والمعاملات التجارية، وخدمات الطوارئ والمستشفيات، وضخ المياه والوقود، ونقل الأغذية.
اقرأ أيضاً: كيف تتحول الطاقة الشمسية إلى طاقة كهربائية بوجود منظومة الطاقة الشمسية؟
كيف يمكننا حماية أنفسنا إذا ضربت عاصفة شمسية الأرض؟
على الرغم أن العاصفة الشمسية التي تسببت في حدث كارينجتون في عام 1859 لم يكن لها تأثير طويل الأمد على الحضارة البشرية، فإن تأثيرها سيكون مختلفاً كثيراً إذا حدثت واحدة بنفس قوتها اليوم، حيث من المتوقع أن تكون الفوضى والدمار واسعي النطاق، وهذا يعني أنه من الضروري للغاية حماية البنية التحتية الكهربائية والإلكترونية بالشكل الأمثل.
والخبر السار هو وجود تقنيات بالفعل يمكن أن تساعد في تخفيف الضرر الذي يمكن أن تسببه العاصفة الشمسية ومن ضمنها ما يسمى قفص فاراداي (Faraday Cage)، التي تتكون من حاويات مصنوعة من شبكة معدنية دقيقة، حيث تعمل هذه الشبكة كموصل أجوف يوزع الإشعاع الكهرومغناطيسي عبر سطحها الخارجي، وينشره ويمنع مروره عبر الشبكة ويحوله بعيداً عن المكونات الكهربائية الحساسة.
بالإضافة إلى ذلك، يتم البحث في الوقت الحالي عن طرق أكثر حداثة وتنفيذها لحماية شبكات الطاقة لدينا من تأثير العواصف الشمسية، حيث طوّرت العديد من شركات المرافق مناهج تتضمن بناء بنوك كبيرة من المكثفات يمكنها امتصاص ثم تبديد الاندفاعات المفاجئة للطاقة الكهربائية التي تجعل النبضات الكهرومغناطيسية شديدة الخطورة.
اقرأ أيضاً: إليك أساليب الاستفادة من الطاقة الشمسية
تتضمن الطرق الأخرى مراقبة الشمس باستمرار، سواء من الفضاء أو من سطح الأرض، ومن ثم عندما تحدث عاصفة شمسية يمكن أن تؤثر على كوكب الأرض، فإنه يمكن رؤيتها والاستعداد لها. على سبيل المثال، يمكن إغلاق أنظمة الأقمار الاصطناعية لفترة وجيزة من الزمن، وإيقاف تشغيل شبكات الطاقة الأرضية، وعلى المستوى الشخصي يمكن الاستعداد لمواجهة العواصف الشمسية من خلال الاحتفاظ ببطاريات إضافية، وعمل نسخ احتياطية من البيانات والمعلومات الرقمية المهمة. أمّا على المستوى العالمي، فيمكن الاستعداد مسبقاً من خلال تحويل البنية التحتية للإنترنت إلى نصف الكرة الأرضية الجنوبية، وبالتحديد إلى أميركا الوسطى والجنوبية، لأن خطوط العرض الشمالية أكثر عرضة للعواصف الشمسية.