نشر علماء الأعصاب خريطة ثلاثية الأبعاد هي الأكثر تفصيلاً لدماغ الثدييات على الإطلاق، وقد تم إنشاؤها لدماغ الفأر الذي تشبه بنية دماغه بنية دماغنا إلى حد بعيد.
تمثل الخريطة ومجموعة البيانات -التي تنطوي عليها وأصبحت الآن متاحة للجمهور بالمجان- أكثر من 200,000 خلية عصبية ونصف مليار من الارتباطات العصبية الموجودة داخل مكعب من دماغ الفأر بحجم أقل من حبة الرمل.
يعدّ البحث الجديد جزءاً من برنامج الذكاء الآلي من الشبكات القشرية (MICrONS)، الذي يأمل في تحسين الجيل التالي من خوارزميات التعلم الآلي عن طريق الهندسة العكسية للقشرة الدماغية، وهي الجزء من الدماغ الذي يعد مسؤولاً لدى الثدييات عن الوظائف العليا مثل التخطيط والتفكير. وقام بجمع البيانات مجموعة من الباحثين بقيادة فرق من معهد ألين وكلية بايلور للطب وجامعة برينستون.
يقول إتش سيباستيان سانغ، أستاذ علوم الكمبيوتر وعلم الأعصاب في جامعة برينستون وأحد العلماء الرئيسيين في برنامج MICrONS: "يعتقد بعض الناس أنه قد يكون من الممكن العثور على الأسرار الأساسية للذكاء البشري من خلال دراسة القشرة. ولهذا السبب، كان هذا الأمر بمنزلة موضوع غامض وساحر في مجال علم الأعصاب". ومع معرفة العلماء للمزيد عن الدماغ، يمكن أن تؤدي اكتشافاتهم إلى ذكاء اصطناعي أكثر شبهاً بالإنسان.
كان إنشاء الخريطة عبارة عن مشروع مدته خمس سنوات ويتألف من ثلاث مراحل. تضمنت المرحلة الأولى أخذ قياسات لوظائف دماغ الفأر وهو على قيد الحياة. نتج عن ذلك أكثر من 70,000 صورة لخلايا دماغية نشطة أثناء معالجة الفأر للمعلومات المرئية. بعد ذلك، قام باحثو برنامج MICrONS بأخذ جزء صغير من الدماغ وتقطيعه إلى أكثر من 25,000 قطعة رقيقة جداً. ثم استخدموا المجهر الإلكتروني لالتقاط أكثر من 150 مليون صورة عالية الدقة لتلك القطع.
في السابق، كانت مخططات الارتباطات قد رسمت "خريطة الارتباطات العصبية" لدماغ ذبابة الفاكهة والإنسان. وأحد أسباب القبول الجيد لبرنامج MICrONS هو أن هذه المجموعة من البيانات لديها القدرة على تحسين فهم العلماء للدماغ وربما تساعدهم في علاج اضطراباته.
يقول فينكاتيش مورثي، أستاذ البيولوجيا الجزيئية والخلوية بجامعة هارفارد الذي يدرس النشاط العصبي لدى الفئران ولكنه لم يشارك في الدراسة، إن المشروع يمنحه وغيره من العلماء الآخرين "نظرة شاملة" حول كيفية تفاعل الخلايا العصبية المفردة، وهو ما يقدم صورة "ثابتة" ذات دقة عالية جداً يمكنهم تكبيرها.
ويقول آر كلاي ريد، أحد كبار الباحثين في معهد ألين وأحد أبرز العلماء في مشروع MICrONS، إنه كان يعتقد قبل اكتمال بحث البرنامج باستحالة تحقيق هذا المستوى من إعادة البناء.
يقول ريد إن عملية تحويل مخططات الارتباطات ثنائية الأبعاد للدماغ إلى نماذج ثلاثية من خلال التعلم الآلي قد أصبحت أفضل بشكل كبير. ويضيف: "إنه جمع غريب بين مجال قديم جداً وطريقة جديدة للقيام به".
قارن ريد الصور الجديدة بالخرائط الأولى للجينوم البشري، من حيث إنها توفر المعرفة الأساسية ليستخدمها الآخرون. وهو يتصور بأنها تساعد الآخرين على رؤية البنى والعلاقات داخل الدماغ، والتي لم تكن مرئية سابقاً.
يقول ريد: "أرى هذا الأمر على أنه البداية، من نواحٍ عديدة. يمكن استخدام هذه البيانات وعمليات إعادة البناء المدعومة بالذكاء الاصطناعي من قِبل أي شخص لديه اتصال بالإنترنت وجهاز كمبيوتر؛ وذلك لطرح مجموعة استثنائية من التساؤلات حول الدماغ".