ظهر هذا المقال أول مرة في ذي ألغوريثم (Algorithm)، نشرتنا الإخبارية الأسبوعية حول الذكاء الاصطناعي. للحصول على أحدث المقالات المشابهة عبر بريدك الإلكتروني اشترك هنا.
لقد كان أسبوعاً حافلاً آخر بالنسبة إلى الذكاء الاصطناعي. فقد حدّثت شركة ميتا (Meta) نموذجها الجديد والقوي لاما (Llama)، الذي تقدمه للمستخدمين مجاناً، كما قالت أوبن أيه آي (OpenAI) إنها ستطلق نسخة تجريبية من أداة تعتمد على الذكاء الاصطناعي للبحث عبر الإنترنت، ويمكنك أن تتحدث إليها، وهي تحمل اسم "سيرتش جي بي تي" (SearchGPT).
لكن الخبر الذي لفت انتباهي حقاً هو الخبر الذي لم يحظ بما يستحق من الاهتمام. ويحمل هذا الخبر إمكانية ظهور أنظمة ذكاء اصطناعي أقوى من ذي قبل، وإمكانية تحقيق اكتشافات علمية أعظم مما كان ممكناً في السابق.
مؤخراً، أعلنت شركة جوجل ديب مايند (Google DeepMind) أنها بنت أنظمة ذكاء اصطناعي قادرة على حل المسائل الرياضية المعقدة. عمل هذان النظامان -يحمل الأول اسم "ألفابروف" (AlphaProof) ويحمل الثاني اسم "ألفاجيومتري 2" (AlphaGeometry 2)- معاً لتحقيق النجاح في حل 4 مسائل من أصل 6 مسائل مأخوذة من الأولمبياد العلمي للرياضيات، وهو مسابقة مرموقة موجهة لطلاب المرحلة الثانوية. وقد قدم النظامان أداء يعادل أداء متسابق فائز بالميدالية الفضية. إنها المرة الأولى التي تمكن فيها أي نظام ذكاء اصطناعي على الإطلاق من تحقيق معدل نجاح مرتفع إلى هذه الدرجة في حل هذا النوع من المسائل. ويمكن الاطلاع على المقال الذي كتبته زميلتي ريانون ويليامز عن هذا العمل هنا.
اقرأ أيضاً: كيف تساعد النماذج التي تحل مسائل الرياضيات على تطوير الذكاء الاصطناعي؟
حل مسائل الرياضيات المعقدة بوساطة الذكاء الاصطناعي ليس هو الغاية! فما الغاية إذاً؟
الرياضيات! يمكنني أن أتخيل نظرة الملل في أعينكم منذ الآن. لكن لا تستعجلوا في إطلاق الأحكام، فهذا الإعلان لا يتمحور فقط حول الرياضيات. في الواقع، يشير هذا الإعلان إلى تطور جديد ومشوق في أنواع الذكاء الاصطناعي التي يمكننا أن نبنيها. إن إمكانية الدردشة مع محرك البحث الذي يعتمد على الذكاء الاصطناعي قد تضفي عليه مسحة وهمية من الذكاء، لكن الأنظمة المماثلة لما بنته جوجل ديب مايند يمكن أن تؤدي إلى تحسّن فعلي في مستوى الذكاء لأنظمة الذكاء الاصطناعي. ولهذا السبب، أصبح بناء الأنظمة التي تتميز بقدرات أفضل في مجال الرياضيات هدفاً للكثير من مختبرات الذكاء الاصطناعي، مثل أوبن أيه آي.
ويعود هذا إلى أن الرياضيات تمثّل مقياساً معيارياً للتفكير المنطقي. ولحل هذه التمارين المخصصة لطلاب المرحلة الثانوية، تعيّن على نظام الذكاء الاصطناعي تنفيذ بعض المهام المعقدة للغاية، مثل التخطيط لفهم المسائل المجردة وحلها. كانت الأنظمة قادرة أيضاً على التعميم، ما سمح لها بحل مجموعة كبيرة من المسائل المختلفة التي تنتمي إلى مختلف فروع الرياضيات.
وفي بيان صحافي، قال الباحث العلمي الرئيسي في جوجل ديب مايند، ديفيد سيلفر، وهو رائد التعلم المعزز دون منازع: "ما رأيناه هو أنه يمكن الجمع بين التعلم المعزز، الذي استخدمناه بنجاح كبير لتحقيق إنجازات مثل ألفاغو (AlphaGo)، والنماذج اللغوية الكبيرة، لإنتاج نظام يتمتع بقدرات عالية للغاية في الفضاء النصي". في هذه الحالة، جرى استثمار هذه القدرة لبناء برامج باستخدام اللغة الحاسوبية لين (Lean) لتمثيل البراهين الرياضية. يقول سيلفر إن الأولمبياد الدولي للرياضيات يمثل اختباراً لما يمكن تحقيقه، ويمهد الطريق أمام تحقيق إنجازات أخرى غير مسبوقة في المستقبل.
يمكن تطبيق الأسلوب نفسه في أي موقف يتضمن إشارات مكافأة واضحة وموثوقة لخوارزميات التعلم المعزز، وطريقة لا لبس فيها لقياس صحة النتيجة، كما هو الحال في الرياضيات، وفقاً لسيلفر. وقد تكون البرمجة أحد التطبيقات الممكنة، على سبيل المثال.
أما الآن، فقد حان وقت فقرة اختبار الحقائق، وهي فقرة لا بد منها. فألفابروف وألفاجيومتري 2 ما زالا قادرين على حل مسائل صعبة تلائم مستوى طلاب المرحلة الثانوية فقط. وهذا يعني أن مستوى هذه الأنظمة ما زال بعيداً للغاية عن مستوى المسائل الفائقة الصعوبة التي يستطيع مختصو الرياضيات البشر حلها. وقد شددت جوجل ديب مايند على أن أداتها لم تتمكن، حتى الآن، من تقديم أي قيمة مضافة إلى الكتلة المعرفية التي بناها البشر في مجال الرياضيات، لكن هذا لم يكن هدف المشروع.
اقرأ أيضاً: جوجل تطور نموذج ذكاء اصطناعي يحل مسائل الأولمبياد الدولي للرياضيات
وقد قال سيلفر: "نحن نسعى إلى بناء نظام يستطيع أن يبرهن أي شيء". على سبيل المثال، يمكن أن نتصور نظام ذكاء اصطناعي يمكن الاعتماد عليه مثل الآلة الحاسبة، ويستطيع تقديم براهين للكثير من المسائل الصعبة، أو التحقق من اختبارات البرامج الحاسوبية أو التجارب العلمية. أو ربما بناء مدرّسين افتراضيين يعملون بالذكاء الاصطناعي بمستوى أفضل، ويستطيعون تقديم ملاحظات على نتائج الامتحانات، أو حتى التحقق من صحة المعلومات الواردة في المقالات الإخبارية.
لكن الشيء الأكثر إثارة للحماس بالنسبة لي هو ما قالته الباحثة في جامعة كامبريدج والمختصة بالرياضيات والذكاء الاصطناعي (والتي لم تشارك في المشروع)، كيتي كولينز، لريانون. فهي تقول إن هذه الأدوات تستطيع إنتاج مسائل جديدة وتقييمها، ما قد يؤدي إلى تشجيع المزيد من الأشخاص على دخول هذا المجال، وإثارة المزيد من الدهشة. وهذا شيء نحتاج إلى المزيد منه في هذا العالم دون شك.