يعتبر التغير المناخي في الوقت الحالي مشكلة عالمية، وآثارها أصبحت ملموسة حالياً أكثر من أي وقت مضى، حيث أصبحت الظروف الجوية القاسية، مثل الجفاف ودرجات الحرارة العالية والأمطار الغزيرة والفيضانات تحدث بكثرة في جميع دول العالم بلا استثناء، نتيجة لذلك ينصح الخبراء بأن جهودنا في الثلاثين عاماً القادمة ستكون حاسمة في الحد من التدهور البيئي وضمان بقاء الحياة كما نعرفها على كوكب الأرض.
ومن ثم يعد الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري والوصول إلى هدف 1.5 درجة مئوية بحلول منتصف هذا القرن (2050)، وفقاً للفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ (IPCC) واتفاقية باريس للمناخ 2015، أمراً ضرورياً للغاية. والأمر الإيجابي هو أن التكنولوجيات الموجودة الآن قد تُسرع في الوصول إلى هذا الهدف بطرق لن نتخيلها.
ماذا يعني الحياد الكربوني؟
وفقاً لتقرير الأمم المتحدة لعام 2019، فإنه بحلول عام 2050 سيؤدي النمو الديموغرافي والتنمية الحضرية إلى ارتفاع الطلب على الموارد الطبيعية إلى مستويات سيكون من المستحيل تلبيتها دون تغيير أنماط الاستهلاك والإنتاج الحالية، ومن ثم للحد من هذه التوقعات، تعمل العديد من الدول للوصول إلى هدف الحياد الكربوني (Carbon Neutrality). وهي عملية تعني تحقيق توازن بين انبعاث الكربون وامتصاص الكربون من الغلاف الجوي.
هذا لا يعني أن كل شيء يمكن أن يحدث غداً، فهذه عملية طويلة وتتطلب قدرة على التحمل، ولكن في الوقت نفسه، هناك الكثير الذي يمكن تحقيقه في السنوات القادمة. حيث لدى الحكومات والشركات في جميع أنحاء العالم فرصة لبناء إرث يمكن أن يفخروا به، وزيادة الطموح لإطلاق العنان لخفض الانبعاثات الكربونية وتقليلها.
على سبيل المثال لتقليل الانبعاثات الكربونية، تقوم العديد من الشركات بعملية تعويض الانبعاثات الناتجة في أحد القطاعات عن طريق تقليلها في مكان آخر. ويمكن القيام بذلك من خلال الاستثمار في الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة أو غيرها من التكنولوجيات النظيفة منخفضة الكربون، حيث يعد نظام تداول الانبعاثات (ETS) في الاتحاد الأوروبي مثالاً بارزاً على نظام تعويض الكربون.
اقرأ أيضاً: هذه الطريقة ستمكننا من تحقيق الحياد الكربوني في 25 سنة
كيف يمكن أن تساعد التكنولوجيا في تقليل البصمة الكربونية؟
تعد كفاءة الطاقة ومصادر الطاقة المتجددة ركيزتين أساسيتين للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري. ومع ذلك، هناك حاجة إلى تكنولوجيات إضافية لتحقيق صافي انبعاثات صفري، من ضمنها:
-
التقاط الكربون من الغلاف الجوي
تُعرف عملية التقاط ثاني أوكسيد الكربون من الغلاف الجوي ثم تخزينه باسم عزل الكربون (Carbon Sequestration)، حيث يتم نقل ثاني أوكسيد الكربون الملتقط وتخزينه أو استخدامه في العمليات الصناعية، ومن ثم من أجل تحقيق صافي انبعاثات صفرية، يجب موازنة جميع انبعاثات غازات الدفيئة في جميع أنحاء العالم بعزلها في أحواض الكربون (Carbon Sinks)، والتي تتمثل في المصارف الطبيعية (التربة والغابات والمحيطات)، حيث وجد تقرير أن هذه المصارف الطبيعية تزيل ما بين 9.5 و11 غيغا طن من ثاني أوكسيد الكربون سنوياً.
حيث توفر الغابات والتربة والسواحل والمحيطات حلاً طبيعياً لاحتجاز الكربون، وتعتبر واحدة من الخيارات القليلة المتاحة تكنولوجياً من أجل تحقيق هدف صافي انبعاثات دفيئة سلبية على نطاق واسع، وبتكاليف أقل وسرعات أكبر من خيارات تقليل الكربون الأخرى.
اقرأ أيضاً: شركة كندية تخطط لبناء أكبر محطة في العالم لإزالة ثاني أوكسيد الكربون
وفقاً لإحدى الدراسات، يمكن تحقيق 37% من تخفيضات انبعاثات غازات الدفيئة المطلوبة بحلول عام 2030 من خلال حلول المناخ الطبيعي بأقل من 100 دولار للطن، مع ثلث تلك التي تقل عن 10 دولارات للطن، ومن ثم يمكن أن يؤدي تقديم حلول للمناخ الطبيعي على نطاق واسع إلى تحقيق منافع مشتركة متعددة عالية القيمة، بما في ذلك الحفاظ على التنوع البيولوجي، وسبل العيش المستدامة في المجتمع، وإدارة المياه والموارد النادرة الأخرى.
حيث نجد في حالة تنفيذها على سبيل المثال في محطة توليد طاقة بسعة 650 واط، يمكن لتكنولوجيا احتجاز الكربون التقاط ما يصل إلى 3.4 مليون طن من ثاني أوكسيد الكربون سنوياً، أي ما يعادل إزالة ما يقرب من 735,000 سيارة من الطريق كل عام.
-
استخدام الوقود المتجدد
يعتبر استخدام الوقود المتجدد (Renewable Fuel)، وهي عملية تكنولوجية وكيميائية قادرة على تحويل الزيت النباتي والدهون الحيوانية وحتى زيت الطهي إلى ديزل أخضر ووقود طيران مستدام، حيث يمكن لهذا النوع من الوقود المتجدد إنشاء انبعاثات دفيئة أقل بنسبة 85% مقارنة بالوقود التقليدي، علاوة على ذلك يمكن استخدامه أيضاً في أي مركبة أو محرك ديزل كبديل دون الحاجة إلى أي تعديلات.
بالإضافة إلى ذلك، يعد غاز الهيدروجين هو العنصر الأكثر وفرة، ومن المحتمل أن يكون بديلاً مهماً للطاقة النظيفة والآمنة والمستدامة. على سبيل المثال عندما ينتج غاز الهيدروجين من خلال عمليات مستدامة، فإنه لا ينبعث منه غازات الدفيئة، مثل ثاني أوكسيد الكربون أو الميثان. علاوة على ذلك، فإن انتشار غاز الهيدروجين في كل مكان في العمليات الصناعية ومدى ملاءمته كوقود لمجموعة واسعة من التطبيقات يجعله مثالياً للتبني على نطاق واسع.
اقرأ أيضاً: هل يمكن الحصول على وقود بديل نظيف ينافس الوقود العادي؟ شركة ناشئة تعد بذلك
-
المباني المستدامة
يعد البناء أحد الصناعات ذات التأثير البيئي الكبير، وبما أن المباني التجارية تمثل 39% من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون على مستوى العالم، لذا من الضروري إيجاد طرق لتوفير الطاقة داخل البيئة المبنية ومساعدة العالم على تحقيق التزامات الحد من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون، سواء عند الإنشاء أو التشغيل، للعمل على تغيير المناخ بشكل أسرع مما مضى.
على سبيل المثال، طورت شركة أوتو ديسك (Autodesk) أدوات نمذجة معلومات تشييد المباني ثلاثية الأبعاد، متضمنة أداة حاسبة كربون، حيث لا تعمل هذه الأدوات على توسيع قدرتها على التصميم فحسب، بل تجمع أيضاً بيانات حول الحمل الكربوني المحتمل للمشاريع المراد تنفيذها، كما طورت شركة أوراكل (Oracle) برنامجاً يعمل على تبسيط إدارة المشروع ووقت الإنشاء، فكلما قل الوقت الذي يستغرقه المشروع، قل تأثيره البيئي.
اقرأ أيضاً: مع اقتراب الصيف: تعرف على هذا الخشب الذي يحافظ على برودة المباني
-
الصناعة التنافسية والاقتصاد الدائري
تدرك معظم الشركات أن الحاجة إلى تحديث الإنتاج الصناعي من أجل الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري أصبحت أمراً ضرورياً. وهذا يشمل إعادة التدوير كعنصر أساسي لتعزيز الاستخدام الفعال للموارد، خاصة فيما يتعلق بالقطاعات والتكنولوجيات التي تعتمد على المواد التي يتركز إنتاجها في عدد قليل من البلدان، مثل الكوبالت أو الجرافيت.
على سبيل المثال، تعمل شركة أبل على تقليل البصمة الكربونية لمنتجاتها من خلال تطوير روبوت يُسمى ديف (Dave)، يساعد علىإعادة التدوير بفعالية عن طريق تفكيك مكونات المنتجات المستخدمة لاستعادة المواد الأساسية، مثل المغناطيسات الأرضية النادرة والتنجستن والفولاذ، بالإضافة إلى ذلك تعمل شركة ديل (Dell) على استخدام البلاستيك الحيوي (BioPlastic) لصنع أجهزة كمبيوتر صديقة للبيئة، حيث ساهم هذا الابتكار في تقليل ما يصل إلى 9.73 مليون كجم من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون، وهو ما يعادل الطاقة اللازمة لتشغيل 5564 منزلاً لمدة عام.
اقرأ أيضاً: كيف يمكن للتكنولوجيا أن تساعد الشركات في تحقيق متطلبات الاستدامة البيئية؟
كما يمكن أن يكون للتحول إلى الاقتصاد الدائري، لا سيما في قطاعات الصلب والبلاستيك والألمنيوم والإسمنت، فائدة كبيرة للحد من تغير المناخ. على سبيل المثال وفقاً لإحدى الدراسات، يمكن خفض الانبعاثات في أوروبا بنسبة 50% بحلول عام 2050 إذا تم اتباع نهج دائري في قطاعات الصناعات الثقيلة، حيث يوفر الاقتصاد الدائري نهجاً بديلاً متجدداً للإنتاج والاستهلاك، حيث تتم إعادة تصميم المنتجات والمواد واستعادتها وإعادة استخدامها لتقليل الآثار البيئية.
اقرأ أيضاً: كيف يمكن لعمليات التحول الرقمي أن تساعد في الانتقال إلى عالم أكثر استدامة؟
التعاون هو الحل للوصول للحياد الكربوني بالسرعة اللازمة
تعد انبعاثات ثاني أوكسيدالكربون أحد العوامل الرئيسية لتغير المناخ الذي يعتبر أكبر تحدٍ واجهته البشرية حتى الآن، حيث إنه بمجرد دخوله إلى الغلاف الجوي للأرض، قد يستغرق الأمر آلاف السنين حتى يتبدد، وفي الوقت الحالي، ينتج عن النشاط البشري إطلاق كميات من غاز ثاني أوكسيد الكربون أكثر مما يمكن أن تمتصه الطبيعة، حيث يتم الآن ضخ أكثر من 50 مليار طن متري من غازات الدفيئة في الهواء كل عام، وتعتبر هذه الانبعاثات أعلى بنسبة 40% مما كانت عليه في عام 1990.
ونتيجة لذلك يساهم هذا الوضع الساحق في انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون بشكل مباشر في تغير المناخ، والذي نراه اليوم في شكل فيضانات مفاجئة وحرائق غابات هائلة، ودرجات حرارة لم يسبق لها مثيل، لذلك هناك حاجة ملحة لتعاون الجميع (حكومات وشركات وأفراد) لتحقيق هدف الحياد الكربوني في أقرب وقت ممكن. من خلال البحث عن المزيد من الخيارات، في شكل استخدام ملابس مستدامة، وسيارات كهربائية، وتغليف مستدام، وإدارة استخدام المياه والنفايات بشكل أفضل، وغيرها من الممارسات الصديقة للبيئة.
اقرأ أيضاً: كيف تساهم تكنولوجيا البلوك تشين في حل المشكلات البيئية التي نواجهها؟
بالإضافة إلى ذلك، من الضروري إيجاد تشريعات حكومية متزايدة تجبر الشركات على الكشف علناً عن المخاطر البيئية الناتجة عن صناعاتها، لمراقبة التقدم في تحقيق هدف الحياد الكربوني الذي أقرته الأمم المتحدة ومؤتمرات المناخ الدولية سواء بحلول عام 2030 أو 2050.