يشهد العالم توجهاً غير مسبوق لتبني إمكانات الذكاء الاصطناعي التوليدي (GenAI)، تزامناً مع اهتمام المؤسسات باستكشاف أحدث الطرق للاستفادة من قدرتها في تحويل عمليات دعم العملاء، بالإضافة إلى أعمال البحث والتخصيص والبحث والتحليل المعرفي. ووفّرت الجهات الرائدة في هذا المجال مثل أوبن أيه آي وجوجل مجموعة من حالات الاستخدام، مثل النماذج اللغوية الكبيرة (LLMs)، وحلول الذكاء الاصطناعي المخصصة للمحادثة، مثل تشات جي بي تي وبارد، التي وفّرت خدماتها لملايين المستخدمين حول العالم. إلّا أن الاستثمار الحقيقي في التقنيات التوليدية الناشئة، يتطلب تصميم وبناء حلول تتمحور حول المستخدمين، مع الحرص على تلبية احتياجاتهم وتفضيلاتهم الفردية.
حلول الذكاء الاصطناعي التي تركّز على المستخدمين
يعتمد مستقبل تحسين الذكاء الاصطناعي وإطلاق الإمكانات الفعلية للذكاء الاصطناعي التجاري على تطوير حلول مخصصة بصورة دقيقة للمستخدم من خلال الاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي، وعلى المؤسسات التي تطمح إلى تحقيق ريادتها في هذا المجال بالمستقبل أن تبدأ اليوم تطبيق هذه المنهجية، وفي حين يمتلك الذكاء الاصطناعي التوليدي القدرة على تحقيق إنجازات كبيرة في هذا المجال، إلّا أن هذه الحلول لن تنجح إلّا بتطبيقها بفاعلية وذكاء لتحقيق القيمة الفعلية التي يتطلع إليها المستخدم. ومن هنا، يجب أن تركّز المؤسسات الراغبة في استغلال هذه التقنيات لصالحها على تطوير حلول الذكاء الاصطناعي التوليدي القائمة على احتياجات المستخدم ضمن أهدافها الجوهرية.
ومن الضروري أن تتطور الأساليب التقليدية الخاصة بتصميم الحلول، بحيث تنتقل من مبادئ التصميم التسلسلي إلى مبادئ التصميم المفتوح عند استخدام حلول الذكاء الاصطناعي التوليدي.
الجدير بالذكر أن حلول الذكاء الاصطناعي التوليدي توفّر حوارات أكثر تفاعلية وطبيعية على نحو يحاكي الطبائع البشرية مقارنة بالمنتجات الرقمية التقليدية، ما يخلق نوعاً من التحديات للتفاعلات الخطية التي تعتمد النهج التقليدي.
كيف يمكن أن تتغلب المنتجات الرقمية التقليدية على التحديات التي تواجهها إذا ما قُورنت بالذكاء الاصطناعي التوليدي؟
وللتغلب على هذه التحديات، فيما يلي مجموعة من التوصيات الرئيسية بناءً على خبرتنا في تطوير الحلول المرتكزة على تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي:
- تسليط الضوء على القيمة: لضمان جذب اهتمام المستخدمين، فمن الضروري أن تعمل الشركات على إثبات قيمة تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي على نحو فعّال، بما يتجاوز الطلب الأولي للمستخدم الذي يمكنه إثبات قيمة الحلول ذات الصلة بهذه التقنية. وقد يغفل المستخدمون أحياناً القدرات المتكاملة لحلول الذكاء الاصطناعي التوليدي، ما يؤدي إلى تعزيز أهمية العملية المرتبطة بتوصيل هذه الإمكانات في إطار تنسيقات مختلفة، مثل الصفحات المقصودة أو إظهار رسائل إخلاء المسؤولية أو عبر إبراز الميزات المتاحة أثناء المحادثة.
- الوقت اللازم لتحقيق القيمة: يفرض العصر الرقمي المتسارع على الشركات ضرورة إعطاء الأولوية لتوفير القيمة خلال الفترة الأولية من التفاعلات. وتعتمد الحلول التقليدية على جمع المعلومات التفصيلية عبر بيانات المستخدم، إلّا أن الذكاء الاصطناعي التوليدي يوفّر حوارات تحاكي البيئات الطبيعية للمحادثات. ومن الممكن أن تسهم الميزات ذات القيمة المضافة في تعزيز مشاركة المستخدمين وتشجيعهم لاعتماد هذه الحلول.
- التواصل مع المستخدمين وضمان ولائهم: يمكن للشركات تعزيز ولاء العملاء وتطوير قيمة طويلة الأجل عبر تنمية علاقات هادفة مع المستخدمين. ويتمتع الذكاء الاصطناعي التوليدي بالقدرة على تغيير طريقة تفاعل المستخدمين مع الشركات. ويمكن اعتبار كل جلسة محادثة إلكترونية بمثابة مرحلة من مراحل تطوير وبناء العلاقة، ما يعمّق فهم احتياجات المستخدم. ومن المهم تحليل طلبات المستخدمين وفهم السياق المطلوب وتقديم الإجابات المناسبة. وستتمكن الشركات عبر استعراض قيمة حلول الذكاء الاصطناعي التوليدي من ضمان الاحتفاظ بالمستخدمين، وذلك عبر تشكيل علاقات طويلة الأمد وضمان استمراريتها.
- التفاعل بقيادة الذكاء الاصطناعي: يمكن لتقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي إحداث ثورة في تفاعلات المستخدم عبر تعزيز التجارب الاستباقية والشخصية. وتتمتع تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي بالقدرة على تحويل ديناميكيات التفاعل من مجرد طرح الأسئلة والإجابة عنها، وتحويلها إلى نهج أكثر استباقية قائمة على تقنيات الذكاء الاصطناعي. ويمكن لنماذج المحادثة باعتماد الذكاء الاصطناعي طرح أسئلة متتابعة بناءً على أنماط السلوك المتوقعة أو سياق المحادثة، ما يمهّد الطريق لتكوين علاقات أعمق مع العملاء والارتقاء بمستويات المشاركة.
ما الجوانب التي يجب أن تراعيها الشركات عند تبنيها نهج الذكاء الاصطناعي التوليدي لحماية المستخدمين؟
يجب تطبيق منهج الذكاء الاصطناعي التوليدي بمسؤولية، مع الالتزام بخصوصية المستخدم وتبني نهج الإنصاف والتحسين المستمر. ويتطلب تبني الذكاء الاصطناعي على نحو مسؤول اهتمام المؤسسات باعتماد فلسفة مسؤولة للذكاء الاصطناعي وتشكيل حواجز وقائية مناسبة. ويشمل ذلك حماية خصوصية بيانات المستخدم، وتعزيز الشفافية والإنصاف، والتقييم المستمر وتحسين أداء حلول الذكاء الاصطناعي التوليدي. ويتطلب من المؤسسات معالجة الجوانب التالية عند إعداد الحواجز الوقائية:
- حماية خصوصية بيانات المستخدم: تعد حماية بيانات المستخدم مسؤولية أساسية يجب على المؤسسات تحديدها من أولوياتها. وغالباً ما تتطلب حلول الذكاء الاصطناعي التوليدي الوصول إلى بيانات المستخدم الحساسة، ويجب على المؤسسات إعطاء الأولوية لحماية خصوصية بيانات المستخدم عبر اعتماد تدابير نافذة لحماية البيانات والالتزام بمعايير ولوائح القطاع.
- تعزيز الشفافية وتبني نهج الإنصاف: يعد بناء الثقة باعتماد حلول الذكاء الاصطناعي الشفافة والعادلة أمراً بالغ الأهمية لضمان النجاح على المدى الطويل. ومن الضروري أن تتحكم الإرشادات الأخلاقية بعملية استخدام حلول الذكاء الاصطناعي التوليدي لمنع التحيز والأضرار المحتملة. ويجب أن تضمن هذه المبادئ التوجيهية، النشر المسؤول لهذه التقنيات واعتماد مبدأ المساءلة، مع احترام مبادئ العدالة والإنصاف وعدم التمييز.
- التقييم والتحسين المستمر: يعد كل من التقييم والتحسين المستمر ضرورياً لضمان الريادة في مشهد الذكاء الاصطناعي التوليدي المتطور. وتعد التحديثات المنتظمة وحلقات تعليقات المستخدمين والتدريب المستمر لنماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي ضرورية لضمان الدقة وتجنب التحيزات والتكيُّف مع احتياجات المستخدم المتطورة، ما يتطلب من المؤسسات إنشاء آليات مخصصة لمراقبة أداء حلولها المندرجة في إطار الذكاء الاصطناعي التوليدي وتقييمها.
ينطوي الذكاء الاصطناعي التوليدي على إمكانات هائلة تسهم في إحداث ثورة حقيقية عبر مختلف القطاعات، بشرط التركيز على المستخدم. وستستفيد الشركات من الفرص والإمكانات الهائلة لتقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي عبر إعادة تصور مبادئ التنمية التقليدية، ووضع استراتيجية طموحة، واعتماد الذكاء الاصطناعي على نحو مسؤول. وتسهم تقنيات في تحسين حياة المستخدمين وضمان نجاح الأعمال في المشهد سريع التطور للذكاء الاصطناعي بفضل فلسفة التصميم التي تركّز على الإنسان.