بدأت البلدان بإغلاق حدودها ثانية. ومنذ اكتشاف المتحور أوميكرون في جنوب أفريقيا والتبليغ عنه لمنظمة الصحة العالمية مؤخراً، فرضت أكثر من 50 دولة قيوداً إضافية على حدودها. تركز أغلب هذه القيود على جنوب أفريقيا وبوتسوانا، والتي أُبلغ عن أولى الحالات فيها، ولكنها أيضاً موجهة ضد البلدان المجاورة في المنطقة.
انتشار أوميكرون سبق الإعلان عنه
كان الحظر يهدف إلى إيقاف انتشار متحور أوميكرون، ولكن يبدو كأنه إجراء متأخر وضعيف الأثر. فقد اكتُشف أوميكرون حتى الآن في 24 دولة، بما فيها الولايات المتحدة، وأستراليا، والمملكة العربية السعودية، وهونغ كونغ، والكثير من البلدان الأوروبية، بما فيها المملكة المتحدة.
ومن الهام أن نعرف أن بعض هذه الحالات سابقة للإنذار الذي أطلقته جنوب أفريقيا، فقد ظهر أوميكرون قبل ذلك بأسبوع في هولندا، على سبيل المثال. وقد قال أوليفر بايبوس -وهو المدير المساعد لبرنامج جينوميات الأوبئة في مدرسة أوكسفورد مارتن- لصحيفة ذا غارديان إن الأدلة تشير إلى بدء انتشار أوميكرون منذ أواخر أكتوبر/ تشرين الأول.
ولكن ما العبرة من هذه القصة؟ حظر السفر الشامل غير مجدٍ، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية. "لن يمنع حظر السفر الشامل الانتشار العالمي، كما أنه عبء ثقيل للغاية على الناس والمعيشة. إضافة إلى ذلك، فقد يؤثر سلباً على الجهود الصحية العالمية خلال الوباء، حيث يدفع الدول إلى عدم الإبلاغ عن البيانات الوبائية وبيانات السلاسل الجينية ومشاركتها"، كما قالت المنظمة في بيان في 1 ديسمبر/ كانون الأول.
يمكن أن يساعد الحظر قصير الأمد على كسب بعض الوقت في حال فرضه في وقت مبكر للغاية، ما يعطي الدول ضعيفة الموارد فرصة لاتخاذ المزيد من إجراءات الصحة العامة. ولكن، وبحلول الوقت الذي يصل فيه الفيروس إلى مرحلة الانتشار الحر في عدة بلدان، فإن هذا الحظر يصبح دون شك إجراء متأخراً لا يحدث فرقاً يذكر.
في السنة الماضية، اعترف المركز الأميركي للسيطرة على الأوبئة أن حظر السفر الذي فرضته إدارة ترامب خلال المراحل المبكرة من الوباء بدأ في وقت متأخر للغاية وفقد فعاليته لهذا السبب، فقد كان الفيروس في تلك المرحلة قد انتشر في كافة أنحاء الولايات المتحدة.
وقد قامت دراسة نمذجة منشورة في مجلة "نيتشر" (Nature) في يناير/ كانون الثاني من العام 2021 بدراسة أثر حظر السفر الدولي على الوباء ووجدت أن هذا الإجراء قد يساعد على التخفيف من انتشار كوفيد في المراحل المبكرة، ولكنه يفقد مفعوله بعد فترة قصيرة، حيث يشكل المسافرون الدوليون نسبة صغيرة للغاية من الإصابات في البلد.
وفي الواقع، فإن حظر السفر لا يحل المشكلة، بل يؤجلها وحسب، كما يقول راغب علي، وهو عالم أوبئة في جامعة كامبريدج بالمملكة المتحدة.
اقرأ أيضاً: لماذا ما زال من المبكر تقييم خطورة أوميكرون؟
جوانب سلبية للحظر
الاختبارات الأفضل هي إجراء أكثر فعالية بكثير "نحتاج إلى استجابة متوازنة ومدروسة، وهذا لا يعني حظر السفر، بل إجراء الاختبارات وفرض الحجر الصحي على الأشخاص القادمين من الدول التي ينتشر فيها أوميكرون" كما يقول علي.
كما يمكن أن يؤدي حظر السفر إلى أثر سلبي آخر، وهو حرمان جنوب إفريقيا من التجهيزات والإمدادات العلمية المطلوبة لإجراء عمليات المراقبة الجينية التي يمكن أن توضح أثر أوميكرون في بيئة العالم الحقيقي. وكان توليو دي أوليفييرا قد صرح لمجلة «نيتشر» –وهو مختص بالمعلوماتية البيولوجية في جامعة كوازولو ناتال في مدينة دوربان في جنوب أفريقيا-: "بحلول الأسبوع المقبل، وإذا لم يتغير أي شيء، سوف تنفد لدينا من المواد الكاشفة المستخدمة في عمليات كشف السلاسل الجينية".
أما الخوف الأكبر فهو أن التعامل الحالي مع البلدان في جنوب قارة إفريقيا سيدفع البلدان الأخرى إلى الاستنتاج بأن إخفاء المتحورات الجديدة عن الجميع هو الخيار الأفضل. "إنهم يرون تلك البلدان تتعرض إلى معاملة سلبية للغاية بسبب اكتشاف متحور جديد، وهو ما قد يدفعهم إلى عدم مشاركة البيانات التي نحتاجها، وهذا ليس مجرد احتمال نظري، بل أمر حقيقي للغاية" كما يقول علي.
لن يكون أوميكرون المتحور الأخير الذي يثير القلق. وعندما يضربنا متحور جديد، يجب على البلدان أن تشارك ما تعرفه مع الجميع في أسرع وقت ممكن. إن حظر السفر الشامل يمثل خطراً على هذا الانفتاح.
يقول ماتشيديسو مويتي، وهو المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لإفريقيا، في بيان صحفي حديث: "إن فرض حظر السفر على إفريقيا يمثل هجوماً على التضامن العالمي".