لماذا لا يعتبر الوقت مناسباً لحجب الإنترنت؟

4 دقائق
التذرع بالأمن لإسكات المعارضة هو أمر سيئ دائماً، ولكن الآن أصبحت آثاره الجانبية قاسية جداً.

مع انتشار فيروس "كوفيد-19"، أصبحت الإنترنت ميداناً مركزياً. فهي مصدر كل شيء، بدءاً من الأكاذيب المتفشية وصولاً إلى المعلومات الحيوية، وهي صلة الوصل العظيمة التي أتاحت للكثيرين العمل من منازلهم والتواصل مع أحبائهم وهم في عزلتهم. ليس الأفراد والمؤسسات هم فقط من يستفيدون من هذا الاتصال واسع الانتشار، فكثير من الحكومات تلجأ لزيادة المراقبة من أجل رصد انتشار الجائحة واحتوائها. إذ طورت سنغافورة تطبيقاً ذكياً اختيارياً يستخدم اتصال "البلوتوث" من أجل مراقبة الاحتكاك المتقارب بين المستخدمين، كما تستخدم روسيا كاميرات التعرف على الوجه من أجل مراقبة من يخالفون إجراءات الحجر الصحي. أما الولايات المتحدة، فهي تجري محادثات مع القطاع الخاص بشأن تتبع بيانات مواقع الهواتف من أجل مراقبة انتشار الفيروس واحتوائه على نحو أفضل. حتى أن المشرف على قوانين حماية البيانات الأوروبية دعا لإنشاء "نموذج تطبيق ذكي أوروبي خاص بمرض "كوفيد-19"، وبتنسيق على مستوى الاتحاد الأوروبي"، يعمل على جمع البيانات بما يتوافق مع قوانين الخصوصية المعمول بها حالياً في الاتحاد الأوروبي.

تعتمد هذه الدول وغيرها على التقنيات بطرق قد تكون خطيرة، لكن هناك دول على الجانب المعاكس تماماً من الصورة، حيث تحجب حكوماتها اتصال الإنترنت بدرجات متفاوتة. وقد بدأ حجب الاتصالات هذا من أشهر أو حتى أعوام مضت، بيد أن استمراره في زمن الجائحة يؤكد فعلاً على مخاطر قطع الإنترنت. فإمكانية الاتصال والحصول على المعلومات تعتبر  مسألة حياة أو موت بالنسبة لكثير من الناس، وخصوصاً في زمن الجائحة.

هناك ملايين من الناس غير القادرين على الاتصال بالإنترنت فيما كان يعرف بالمناطق القبلية ذات الإدارة الفيدرالية في شمال غرب الباكستان، حيث تم قطع اتصال الإنترنت منذ سنوات. وفي ولاية راخين في ميانمار أيضاً، تمنع الحكومة اتصال المواطنين بالإنترنت منذ عدة أشهر، في حين تستمر الحكومة الهندية بفرض قيود كثيرة على الاتصال بالإنترنت في كشمير، مثل منع الاتصال السريع وحجب المواقع. في جميع هذه الحالات، تذرعت الحكومات بأعمال العنف والشغب لقطع الاتصال بالإنترنت. وفي أثيوبيا، تم قطع الاتصال بالإنترنت عن محافظة ويليغا منذ شهر يناير/كانون الثاني على إثر أعمال الشغب أيضاً، لكن في شهر أبريل/ نيسان، وبعد انتشار فيروس كورونا في البلاد، أعلنت الحكومة حالة الطوارئ استجابة للجائحة، وقامت برفع الحظر عن الإنترنت وشبكات الهاتف الخليوي قائلة إنه لم يعد هناك دواع أمنية له، لكن هذا الإجراء أتى أيضاً بعد انتقاد المفوضية العليا لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة ومجموعات أخرى لقطع الإنترنت. إجمالاً، هناك ملايين من الناس في العالم لا يمكنهم الاتصال بالإنترنت للاطلاع على أخبار الفيروس الحالية أو أخبار أصدقائهم وعائلاتهم.

يمكن أن يتم قطع الإنترنت بعدة طرق مختلفة، ففي بعض الأحيان تطالب الحكومات مزودي خدمات الإنترنت باستخدام برمجيات التحكم بالمحتوى وحجب الاتصال ببعض مواقع التواصل الاجتماعي عن طريق تقصي عمليات بحث أنظمة اسم المجال (DNS). وفي أحيان أخرى، تأمر الحكومات مزودي خدمة الإنترنت بقطع الاتصال أو تعطيله عن طريق إبطاء سرعته بدرجة كبيرة، كما يمكن أن يترافق مع حجب شبكات الهواتف الخلوية أيضاً.

إن قطع شبكة الإنترنت أمر سيئ في الأوقات العادية حين لا يكون هناك أزمة عالمية. إذ إنه إعاقة شاملة للاتصالات في منطقة ما، ويمكن أن يمنع المجتمع الدولي من جمع معلومات حول هذه المناطق والأحداث الدائرة على الأرض فيها. إلا أن استمرار القطع مع انتشار الجائحة يبرز المخاطر المرافقة للقطع التام للاتصال الرقمي. يلجأ الناس للإنترنت من أجل الحصول على معلومات مهمة في حياتهم اليومية، وخصوصاً في الأزمات. وجائحة "كوفيد-19" سريعة التحرك بطبيعتها، وهذا يعني أن حجب الاتصال بالإنترنت يعيق بدرجة خطيرة قدرة المواطنين على معرفة أهم التفاصيل حول كل شيء، مثل إحصائيات الإصابات الأخيرة وإجراءات التباعد الاجتماعي المفروضة في مناطقهم والنصائح الطبية وتصحيح المعلومات المضللة المتداولة. خذ مثلاً كشمير، حيث أبلغ السكان أنهم غير قادرين على الحصول على معلومات موثوقة حول الجائحة. كما يعيق قطع الإنترنت قدرة الناس على التواصل فيما بينهم والاتصال لاسلكياً طلباً للمساعدة الطبية. ومن دون إمكانية الحصول على المعلومات على الإنترنت، يمكن أن يلحق بالناس ضرر جسدي ملموس.

أضف إلى ذلك أنه على الرغم من أن المعلومات المغلوطة والمضللة حول فيروس كورونا منتشرة على الإنترنت، على مواقع فيسبوك وتويتر وتيك توك وواتساب، وكثير منها يسبب الأذى، وعلى الرغم من أن الحكومات تذرعت بإيقاف هذه المعلومات المضللة لقطع اتصال الإنترنت، كما هو الحال في الهند، فإن الأبحاث لا تشير إلى أن إغلاق شبكة الإنترنت يمنع انتشار المعلومات الخاطئة. وقد يكون قطع الإنترنت تحت ستار إيقاف انتشار الأخبار الكاذبة والمغلوطة مجرد محاولة مضللة يستخدمها الكثيرون من أجل التغطية على القمع الذي يمارسونه فحسب.

في الحقيقة، القمع فعال، ويوقع أشد آثاره على أضعف الناس. وقطع الإنترنت (وغيره من آليات القمع الرقمي الكثيرة) يوقع أسوأ الآثار على أصحاب الدخل المتدني والفئات المهمشة. في حين قد يتمكن الأفراد الأغنى من المراوغة والاتصال بالإنترنت عن طريق الشبكات المتداخلة (mesh networks) أو الشبكات الافتراضية الخاصة (VPN)، أو استخدام وسائل بديلة كأجهزة الاتصال بالأقمار الصناعية.

وقد وضحت منظمة "هيومن رايتس ووتش" مؤخراً أن قطع الاتصال بالإنترنت يلحق ضرراً كبيراً بمن يعتمدون على الخدمات القائمة على الإنترنت من أجل تأمين الحماية الجسدية لأنفسهم والحصول على معلومات حيوية حول السلامة والرعاية الصحية، والمشاركة في الحياة الاجتماعية والمهنية والاقتصادية، ومنهم النساء وذوي الهمم من أصحاب الاحتياجات الخاصة. ويؤكد الارتفاع الشديد في عدد الزيارات في مواقع الحماية من العنف المنزلي أثناء الجائحة على هذه الحقيقة، إذ يجد كثير من الأشخاص أنفسهم اليوم محتجزين مع معنفيهم في الحجر المنزلي. وقطع الإنترنت يزيد الأمور سوءاً ويؤدي إلى تفاقم الآثار المتفاوتة لهذا النوع من الأزمات الصحية العامة.

إلى جانب التكاليف البشرية الفادحة، يضر قطع الإنترنت بالاقتصاد أيضاً، وتبرز جائحة "كوفيد-19" هذه الحقيقة مع تزايد أعداد الناس الذين يعملون عن بعد وسط الركود الاقتصادي المتنامي في العالم. وكما هو الحال في المناطق الأخرى، قد يبقى بعض الأفراد الأكثر حظاً ممن يعملون في اقتصاد المعلومات بمعزل عن الأضرار المتباينة لقطع الإنترنت، غير أن الآثار تستمر بالانتشار على نطاق واسع مع عدم قدرة المواطنين على القيام حتى بأشياء بسيطة على الإنترنت، كطلب الطعام عن بعد من شركات محلية مثلاً.

اليوم، وعلى الرغم من المشكلات التي تسرعها شبكة الإنترنت، فإن إمكانية الاتصال بها يتيح تواصل الناس بعضهم مع بعض ومشاركة خبراتهم وتنسيق الجهود الشعبية لصنع الأقنعة الواقية مثلاً أو دعم مجتمعاتهم بطرق أخرى. ويجب أن تشكل هذه الجائحة إثباتاً قوياً لأهمية توفر اتصال مجاني ومفتوح بالإنترنت في العالم المترابط الحالي، ودعوة للمجتمع الدولي لإدانة أشكال القمع الرقمي الجارية بشدة.

المحتوى محمي