في مجال الطيران، كان اختراق حاجز الصوت هدفاً في يوم من الأيام استطاع البشر تحقيقه، وأيضاً، اختراق حاجز "إكساسكيل" (Exascale) في صناعة الحواسيب هو هدف مهم حققته الولايات المتحدة منذ أيام.
يعني المُصطلح إكساسكيل قدرة الحاسوب على إجراء أكثر من مليار مليار عملية حسابية في الثانية الواحدة. بفضل هذه القدرة، يمكننا إجراء محاكاة للكون وقوانين الفيزياء، وإجراء دراسات مفيدة للغاية في مجال الطب وعلم الأحياء والاقتصاد.
الولايات المتحدة الأميركية هي أول دولة تتجاوز حاجز إكساسكيل في الحوسبة الفائقة بفضل حاسوبها العملاق الجديد "فرونتير" (Frontier)، الذي تم إنشاؤه من خلال التعاون بين العديد من شركات التكنولوجيا، مثل الشركة المصنعة للشرائح "أيه إم دي" (AMD) وشركة تصنيع الحواسيب "إتش بي" (HP). يوجد هذا الحاسوب في منشأة بحثية تابعة لوزارة الطاقة الأميركية.
بذلك أصبحت الولايات المتحدة مجدداً في الصدارة، متفوقة على كل دول العالم الأخرى، وذلك وفق قائمة أقوى 500 حاسوب في العالم، والتي يتم تحديثها مرتين في السنة.
في السنوات الأخيرة، تنافس الصينيون واليابانيون والأوروبيون مع الولايات المتحدة الأميركية في مجال الحوسبة الفائقة، وتمكنوا في أكثر من مرة من انتزاع الصدارة. وفي قائمة نوفمبر 2021 لأقوى 500 حاسوب فائق في العالم، كان الحاسوب الياباني العملاق "فوجاكو" (Fugaku) في المركز الأول.
لم تتعلق المنافسة الحالية لبناء أقوى وأسرع الحواسيب فقط بتجميع وتوصيل آلاف المعالجات وشرائح الرسوميات، بل أصبح الاهتمام أيضاً منصباً حول طريقة تحسين الشبكات والبرمجيات التي يمكن أن تستفيد من هذه المعالجات والشرائح بشكلٍ أكثر كفاءة.
اقرأ أيضاً: سباق محتدم بين الصين وأميركا نحو بلوغ الإنجاز الكبير القادم في الحوسبة الفائقة
مشاريع أخرى قيد التنفيذ
لن يكون حاسوب فرونتير العملاق الأخير الذي سيتجاوز حاجز إكساسكيل، إذ تخطط الولايات المتحدة لبناء العديد من الحواسيب المماثلة له أو الأقوى منه في السنوات القادمة. كما تريد الصين وأوروبا واليابان أن تنافس في هذا المجال، على الرغم من أن معظم مكونات الحواسيب العملاقة الصينية أو الأوروبية أو اليابانية مصنوعة من قبل الشركات الأميركية، سواء كانت مادية أو برمجية.
بسبب العقوبات الأميركية المفروضة على الصين والتي دخلت حيز التنفيذ في عام 2021، والتي تحظر على الشركات الأميركية توريد منتجات تقنية عالية إلى الصين، لم تعلن الصين عن أي حاسوب عملاق جديدة.
قدرت قيمة السوق العالمية للحواسيب العملاقة في عام 2020 بـ 36 مليار دولار. وبحلول عام 2027، من المتوقع أن تقترب القيمة من 50 مليار دولار.
اقرأ أيضاً: إليكم ما يعنيه وما لا يعنيه مفهوم "التفوق الكمومي" في عالم الحوسبة
لماذا تتنافس الدول على بناء حواسيب عملاقة؟
تعد الحواسيب العملاقة أداةً بحثية تسمح للعلماء والمهندسين في الدولة بإحراز تقدم ملحوظ وأحياناً قفزات عملاقة واختراقات علمية في مجالات مثل علم الأحياء والطب والأدوية والتنبؤ بالطقس والفيزياء الفلكية والأسلحة النووية وغيرها.
بعبارة أخرى، تساعد الحواسيب العملاقة القطاع الخاص في الدولة على ابتكار أشياء مربحة مادياً، كما تساعد القطاع العام على العمل بكفاءة أكبر. وعلى مدى عدة عقود، يمكن أن تغير الحواسيب العملاقة من وضع الدولة الاقتصادي والعسكري والعلمي.
يمكننا القول إن الدولة التي تسيطر على الحصة الأكبر من الحوسبة الفائقة سوف تمتلك المستقبل.
اقرأ أيضاً: شركة ناشئة جديدة تبني حاسوباً كمومياً بسعة 256 كيوبت يحطم الأرقام القياسية
كيف ستحقق الحواسيب العملاقة اختراقات علمية؟
من المتوقع أن تساهم الحواسيب العملاقة الحالية والمستقبلية في تحقيق اختراقات بمجموعة من التخصصات.
من بين التحسينات الفورية التي سيلاحظها الجميع أن الأدوات الرقمية التي نستخدمها كل يوم ستعمل بشكلٍ أسرع وأفضل، وستكون معالجة البيانات الضخمة التي نشاركها مع السحابة أكثر فعالية، وسوف تكون المساعدات الصوتية مثل أليكسا أو سيري قادرة على فهم اللغة الطبيعية للبشر بشكلٍ أفضل والإجابة عن الأسئلة المعقدة، وسوف تتطور الأجهزة القابلة للارتداء أيضاً، مثل سماعات الأذن الذكية التي توفر ترجمة آلية في الوقت الفعلي.
مع انتشار إنترنت الأشياء في معظم الدول، سيتم توصيل كل جهاز ومركبة ومبنى بالإنترنت. عندما يحدث ذلك، ستصبح الحياة في عالمنا أكثر سهولة. على سبيل المثال، سترسل لك ثلاجتك قائمة بالمواد التي يجب أن تشتريها عند نفاد الطعام. ستذهب بعد ذلك إلى المتجر، وتختار القائمة المذكورة من المواد الغذائية، وتخرج دون أن تدفع، إذ يتم خصم السعر تلقائياً من حسابك المصرفي حين تغادر المتجر. وعند موقف السيارات، ستكون سيارة أجرة ذاتية القيادة في انتظارك لتوصيلك إلى المنزل.
لكن الدور الذي ستلعبه الحواسيب العملاقة المستقبلية لا يقتصر على تحسين الخدمات، بل ستلعب دوراً أكبر من ذلك بكثير. إليك بعض الأمثلة:
المحاكاة الرقمية
ستسمح الحواسيب العملاقة، خاصة التي تجاوزت حاجز الإكساسكيل، للعلماء بإنشاء محاكاة أكثر دقة، ما يمنحهم قدرة على التنبؤ بالطقس وتغير المناخ على المدى الطويل. وبالمثل، يمكن إنشاء محاكاة أفضل للطرقات للمساعدة في تقليل الازدحام وتنظيم السيارات ذاتية القيادة.
أشباه الموصلات
أصبحت الرقائق الدقيقة معقدة للغاية بالنسبة للبشر، وسوف تلعب البرمجيات المتقدمة والحواسيب العملاقة دوراً مهماً في تصميم حواسيب الغد.
الزراعة
ستمكننا الحواسيب العملاقة المستقبلية من تطوير أدوات لمقاومة الجفاف والحرارة والمياه المالحة والتعديل الوراثي لتعطينا النباتات محصولاً أوفر مقاوماً للأمراض أكثر، هذا أمر ضروري لإطعام مليارات البشر.
شركات الأدوية الكبرى
ستكتسب شركات الأدوية القدرة على معالجة مجموعة كبيرة من المعلومات البشرية والحيوانية والنباتية، ما سيساعدها في إنشاء أدوية جديدة وعلاجات لمجموعة متنوعة من الأمراض الشائعة وغير الشائعة في العالم. هذا مفيد بشكل خاص في حال تفشي الأمراض الجديدة، مثل وباء كوفيد-19. ستسمح السرعة الكبيرة في معالجة البيانات على تحليل جينوم الفيروسات وصناعة لقاحات مضادة لها في غضون أيام بدلاً من عدة أشهر أو سنوات، كما ستساعد عمليات المحاكاة في تقييم أداء اللقاحات والأدوية وتأثيراتها الجانبية.
اقرأ أيضاً: شركة آي بي إم تكشف عن خارطة طريق جديدة للتفوق في مجال الحوسبة الكمومية
الأمن القومي
هذا من أهم الأسباب وراء استثمار الحكومات في الحواسيب العملاقة. ستساعد هذه الحواسيب على وضع خطط قتال دقيقة، وفي تصميم أنظمة أسلحة أكثر فعالية، وستمنح وكالات إنفاذ القانون والاستخبارات أدوات تجسس ومراقبة تمكنها من تحديد التهديدات المحتملة قبل وقت طويل من قدرتها على إلحاق الضرر.