ديب مايند توظف الذكاء الاصطناعي لابتكار مواد جديدة تستخدم في تصنيع البطاريات

5 دقائق
مصدر الصورة: مارلين سارجنت/ مختبر بيركلي

يمكن للمواد الجديدة أن تساعد في تسريع تطوير العديد من التكنولوجيات، بدءاً من بطاريات السيارات الكهربائية والخلايا الشمسية وصولاً إلى الرقاقات الميكروية. لكن اكتشاف هذه المواد يستغرق عادة عدة أشهر، أو حتى سنوات، من الأبحاث القائمة على طريقة التجربة والخطأ.

تأمل جوجل ديب مايند (Google DeepMind) بتغيير هذا الوضع من خلال أداة جديدة تعتمد على التعلم الآلي لتحقيق زيادة كبيرة في سرعة عملية اكتشاف المواد الجديدة. تحمل هذه الطريقة اسم الشبكات الرسومية لاستكشاف المواد (غنوم [GNoME] اختصاراً)، وقد استُخدمت هذه التكنولوجيا في التنبؤ ببنى 2.2 مليون مادة جديدة، اختير منها أكثر من 700 مادة للتصنيع في المختبر، وتخضع هذه المواد للاختبارات حالياً. وقد وُصِفَت هذه الطريقة في ورقة بحثية نُشِرَت مؤخراً في مجلة نيتشر (Nature).

إضافة إلى "غنوم"، أعلن مختبر لورنس بيركلي الوطني أيضاً عن مختبر جديد ذاتي التحكم. بُنِي هذا المختبر للعمل في إطار مشروع مشترك مع ديب مايند، إذ يعتمد على اكتشافات "غنوم"، ويستخدم التعلم الآلي والأذرع الروبوتية لتصميم مواد جديدة دون مساعدة البشر. تقول ديب مايند إن هذه التطورات الجديدة، مجتمعة، تبين القدرات الكامنة للذكاء الاصطناعي في رفع مستوى إنتاجية عملية اكتشاف مواد جديدة وتطويرها.

ووفقاً لأستاذ علم المواد وهندسة المواد في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، جو لي، يمكن أن نشبه "غنوم" بأنها نظام ألفا فولد (AlphaFold) في مجال اكتشاف المواد. أعلنت ديب مايند عن نظام الذكاء الاصطناعي ألفا فولد عام 2020، ويستطيع هذا النظام التنبؤ ببنى البروتينات بدقة عالية، وقد قدّم منذ ذلك الحين إسهامات مهمة في مجال الأبحاث الحيوية واكتشاف الأدوية. وبفضل "غنوم"، ازداد عدد المواد المستقرة المعروفة إلى 421,000 مادة تقريباً؛ أي ما يقارب عشرة أضعاف.

وفي بيان صحفي، يقول مدير عملية اكتشاف المواد في جوجل ديب مايند، دوغوس كوبوك: "على الرغم من الدور المهم جداً للمواد في جميع التكنولوجيات تقريباً، لم تتمكن البشرية من اكتشاف سوى بضع عشرات من الآلاف من المواد المستقرة".

اقرأ أيضاً: مقابلة مع الرئيس التنفيذي لجوجل سوندار بيتشاي حول نموذج جيميني ومستقبل الذكاء الاصطناعي

كيف تعمل ديب مايند على اكتشاف مواد جديدة بسرعة أكبر؟

ولاكتشاف مواد جديدة، يعمل العلماء على دمج عناصر الجدول الدوري. غير أن عدد التراكيب الممكنة ضخم جداً، ولهذا، ليس من المجدي الاستمرار في العمل وفق هذا الأسلوب. وبدلاً من ذلك، يعتمد العلماء على البنى الحالية لاستخدامها أساساً في العمل، حيث يجرون عليها تعديلات صغيرة أملاً في اكتشاف تراكيب جديدة يمكن أن تصبح مفيدة. لكن هذه العملية المضنية تستغرق وقتاً طويلاً. إضافة إلى هذا، فإنها تحد من إمكانية التوصل إلى اكتشافات غير متوقعة، لأنها تعتمد على بنى موجودة مسبّقاً.

للتغلب على هذه المشاكل، عمدت ديب مايند إلى دمج نموذجين مختلفين من التعلم الآلي. يعمل الأول على توليد أكثر من مليار بنية مختلفة بتطبيق تعديلات على عناصر المواد الموجودة حالياً. أما الثاني، من ناحية أخرى، فيتجاهل البنى الموجودة حالياً ويتنبأ بدرجة استقرار مواد جديدة بناء على أساس الصيغ الكيميائية فقط. يسمح دمج هذين النموذجين بالحصول على نطاق أوسع بكثير من الاحتمالات المختلفة.

بعد توليد البنى المرشحة مباشرة، تخضع لعملية فلترة عبر نماذج "غنوم" من ديب مايند. تتنبأ هذه النماذج بطاقة التفكك لبنية معينة، وتمثل هذه الطاقة مؤشراً مهماً على درجة استقرار المادة. فالمواد "المستقرة" لا تتفكك بسهولة، وهو أمر مهم لدى استخدامها في التطبيقات الهندسية. تختار "غنوم" أفضل المواد المرشحة، وتخضع هذه المواد لعملية تقييم إضافية بناءً على أطر عمل نظرية معروفة.

ثم تُكرر هذه العملية عدة مرات، مع دمج كل اكتشاف مع الجولة التالية من التدريب.

اقرأ أيضاً: جوجل ديب مايند ترغب في وضع تعريفها الخاص للذكاء الاصطناعي العام

في الجولة الأولى، تنبأت نماذج "غنوم" باستقرار عدة مواد مختلفة بدقة تقارب 5%، لكن هذه الدقة ازدادت بسرعة مع تتالي عمليات التعلم المتعاقبة. بينت النتائج النهائية أن نماذج "غنوم" تمكنت من التنبؤ باستقرار البنى بدقة تجاوزت 80% بالنسبة للنموذج الأول، و33% بالنسبة للنموذج الثاني.

ليس استخدام نماذج الذكاء الاصطناعي للتوصل إلى مواد جديدة بالفكرة غير المسبوقة. فقد اعتمد مشروع المواد (Materials Project)، وهو برنامج بقيادة كريستن بيرسون في مختبر بيركلي، على تقنيات مشابهة لاكتشاف 48,000 مادة جديدة وتحسين استقرارها.

لكن حجم نماذج "غنوم" ودقتها يجعلانها مميزة عن الأعمال السابقة. يقول الأستاذ المساعد المختص بالهندسة الكيميائية وعلم المواد في جامعة مينيسوتا، كريس بارتل، إن هذه النماذج دُرِّبَت على بيانات يتجاوز حجمها حجم البيانات المستخدمة في تدريب أي نموذج سابق بعشرة أضعاف على الأقل.

اقرأ أيضاً: ريترو: نموذج لغوي جديد من ديب مايند يستطيع التفوق على نماذج تفوقه حجماً

ويقول الأستاذ المساعد المختص بعلم المواد وهندسة المواد في جامعة ميريلاند، ييفي مو، إن إجراء حسابات مماثلة كان مكلفاً ومحدود المستوى في السابق. أما طريقة "غنوم" فتتيح إجراء هذه الحسابات على نطاق أوسع وبدقة أعلى وبتكلفة أقل بكثير من حيث الموارد الحاسوبية، كما يقول مو: "يمكن لهذه الطريقة الجديدة أن تُحدث أثراً هائلاً".

تجارب لاختبار تصنيع المواد الجديدة

بعد تحديد المواد الجديدة، تنتقل إلى مرحلة أخرى لا تقل أهمية عن سابقاتها، وهي تصنيع هذه المواد وإثبات نفعها. وقد كان المختبر الذاتي التحكم الجديد في مختبر بيركلي، الذي يحمل اسم "المختبر أيه" ( A-Lab)، يعتمد في عمله على اكتشافات "غنوم"، حيث يدمج تكنولوجيا الروبوتات مع التعلم الآلي لتحسين عملية تطوير هذه المواد.

ويستطيع المختبر اتخاذ قراراته آلياً حول كيفية صنع مادة مقترحة، ويعمل على تركيب ما يصل إلى خمس صيغ أولية لكيفية صنع المادة. ويتولى نموذج تعلم آلي مدرب على أبحاث منشورة مسبّقاً مهمة توليد هذه الصيغ. بعد كل تجربة، يعمل المختبر على تعديل هذه الوصفات بالاعتماد على النتائج.

يقول الباحثون في مختبر بيركلي إن "المختبر أيه" تمكن من إجراء 355 تجربة على مدى 17 يوماً، ونجح في تصنيع 41 مادة مركبة من أصل 58 مادة مركبة مقترحة. وهو ما يكافئ عمليتي تصنيع ناجحتين يومياً.

يستغرق صنع المواد وقتاً أطول بكثير في مختبر نموذجي يشرف عليه البشر. تقول بيرسون في بيان صحفي: "إذا كان حظك عاثراً، فقد تستغرق هذه العملية عدة أشهر أو حتى عدة سنوات". وتقول إن معظم الطلبة يستسلمون بعد بضعة أسابيع. وتضيف قائلة: "لكن المختبر أيه لا يمانع في التعرض للإخفاق. ويواصل العمل مراراً وتكراراً دون توقف".

اقرأ أيضاً: نظام ذكاء اصطناعي من ديب مايند يستطيع التحكم بالبلازما فائقة السخونة داخل مفاعل اندماجي

يقول الباحثون في ديب مايند ومختبر بيركلي إن هذه الأدوات الجديدة التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي يمكن أن تساعد في تسريع ابتكار التجهيزات الجديدة المستخدمة في مجالات الطاقة والحوسبة والكثير من القطاعات الأخرى.

تقول بيرسون: "إذا أردنا حل الأزمة المناخية، فنحن في حاجة إلى المزيد من التجهيزات الجديدة المبتكرة، خصوصاً فيما يتعلق بالطاقة النظيفة. ويمثل هذه العمل طريقة لتسريع إحدى نواحي هذا الابتكار".

يقول بارتل، الذي لم يشارك في البحث، إن هذه المواد تمثل عناصر واعدة مرشحة للاستخدام في تكنولوجيات تشمل البطاريات، والرقائق الحاسوبية، والسيراميك، والإلكترونيات.

وقد تمثل نواقل بطاريات الليثيوم أيون إحدى أهم حالات الاستخدام الواعدة. فهذه النواقل تتولى مهمة جوهرية في البطارية، وهي تسهيل تدفق التيار الكهربائي بين عناصرها المختلفة. تقول ديب مايند إن نماذج "غنوم" تمكنت من تحديد 528 مادة ناقلة واعدة لبطاريات الليثيوم أيون من بين اكتشافاتها الأخرى، ويمكن لبعض هذه المواد أن يساعد في جعل البطاريات أكثر فاعلية.

اقرأ أيضاً: بوت دردشة جديد من ديب مايند يعتمد على عمليات بحث جوجل وعلى البشر لتقديم إجابات أفضل

لكن، وحتى بعد اكتشاف مواد جديدة، تحتاج الصناعات المختلفة إلى عدة عقود لنقلها إلى مرحلة الاستثمار التجاري عادة. يقول كوبوك: "إذا تمكنا من خفض مدة هذه المرحلة إلى خمس سنوات، فسوف نحقق تحسناً كبيراً جداً".

المحتوى محمي